foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

النّصّ الشّعري المقاوم المعاصر بين الشّعريّة والخطاب قراءة في قصيدة “الإلياذة الجنوبيّة” لموسى حمادة

0

النّصّ الشّعري المقاوم المعاصر بين الشّعريّة والخطاب قراءة في قصيدة “الإلياذة الجنوبيّة” لموسى حمادة

كميل مقبل حمادة

يثير الكلام على الشّعر المقاوم أو الأدب المقاوم عامّة جملة أسئلة وإشكاليّات متشعّبة قد لا تبدأ “بالالتزام” ومدى كونه قيدًا أو أفقًا أمام العمليّة الشعريّة والأدبيّة، وقد لا تنتهي بدور الشّعر والأدب في معركة التحرر والتحرير…

لكن ما يعنيني في هذه الدراسة الموجزة، هو محاولة الإجابة عن سؤال أراه ضروريًّا وجوهريًا:

– هل ثمّة شعر مقاوم أو أدب مقاوم يحاكي تجربة المقاومة اللبنانية ومنجزاتها الميدانية، ويكون على قدرها؟ وهل استطاعت هذه المقاومة ان تشكل ملامح أدبها الخاص كما هي الحال في أدب القضية الفلسطينية التي انتجت في الشعر تجارب كبرى كمحمود درويش وسميح القاسم ومريد البرغوثي..، وفي السرد تجارب عديدة كغسّان كنفاني على سبيل المثال لا الحصر؟

إن الإجابة عن هذه التساؤلات قد لا تكون سهلة الإثبات لكنها ستكون إجابة إيجابية حتمًا، أي أننا نستطيع القول إنَّ ثمة بذورًا مهمة جدًا لتجارب شعرية كان للمقاومة اللبنانية وإنجازاتها الميدانية في تحرير الأرض والإنسان اللبنانيين، وتاليًا العربيين، دورٌ في بلورة بذور ما يمكن أن يعوّل عليه في نشوء ما يمكن أن نسميه “أدب المقاومة اللبنانية”.

ولا أعني “بأدب المقاومة اللبنانية” كل ما كتب عنها تحت مسمى الأدب، بل ما فيه من “الأدبية” و”الشعرية” ما يجعل النص “أدبًا” أو “شعرًا”، ذلك أن الظاهر على الساحة الإعلامية هو الخطاب المباشر للنص الذي يتناول المقاومة، الخطاب الذي يصلح للإنشاء والإلقاء الجماهيري، الذي يهدف إلى بثّ الحماسة واستنهاض الجماهير، وهو خطاب مباشر واضح،قد لا يرتقي غالبًا ليكون أدبًا، وهنا لا نبخس هذا “الخطاب” أو هذا “النص” حقه، إذ له دوره المُهِمّ في استنهاض الجمهور في لحظة ما إزاء حدث ما، لكن ليست هذه وظيفة “الأدب”، بل إن وظيفة الأدب الحقيقية هي في تحويل الحدث من حدث لَحظويّ زمانيًا ومكانيًا، أي يخصُّ شعبًا ما، في لحظة تاريخية ما، إلى حدث إنساني عام عابر للجغرافيا وللتاريخ، فيكون تأثيره عميقًا في ذاكرة الشعب خاصة، وفي التراث الإنساني عامة.

إن ما يجعل من هذا النص المقاوم “أدبًا “، شعرًا أو نثرًا، هو عمقه الثقافي الانساني وتجاوزه اللغوي، والرؤية الواسعة التي يقدمها، شأنه في ذلك شأن النص الشعري أو الأدبي عامة.

– فهل في ما كُتب عن تجربة المقاومة اللبنانية وإنجازاتها ما هو “أدب”، شعرًا وقصةً وغيرهما، بالمعنى الدقيق والمنهجي و”الثقافي” المتعالي للأدب.

أظن أن دراسة لنماذج معاصرة لشعراء لبنانيين شباب ستكون واضحة الاجابة عن هذا السؤال:إن في ما كتبه شعراء لبنانيون، يحملون فكرة المقاومة سواء بشكلها الخاص أو العام حول تجربة المقاومة اللبنانية،، ما يشير بوضوح إلى أن “النص الأدبي” الذي حاول مقاربة التجربة المقاومة في لبنان كان نصًا عاليًا بكل المعايير الأدبية والشعرية، لكنه لم يُعطَ الفرصة للإضاءة عليه كما هي الحال بالنسبة “للخطاب المباشر” الهادف إلى استثارة الحماسة الشعبية والعاطفة الوطنية تجاه قضايا المقاومة والشهادة والتحرير.

لذا؛ ستقارب هذه الدراس ملامح الشعرية في النص الشعري المقاوم المعاصر من خلال نموذج أراه مما يصحُّ أن يُدرج تحت عنوان النص الشعري المقاوم، وهو قصيدة الإلياذة الجنوبية لموسى حمادة من ديوانه الأول “شجرٌ يخلع ظلّه“.

1- قراءة في قصيدة “الإلياذة الجنوبية” لموسى حمادة

قبل الدخول إلى نص موسى حمادة “الإلياذة الجنوبية” سنحاول الإضاءة على أمرين لافتين في “الخارج النصّيّ”:

– الأول يتعلق بموقع القصيدة من الديوان الأول والوحيد حتى الآن لموسى حمادة، ديوان “شجر يخلع ظله”.

– الثاني يتعلق بسيميائية العنوان ” الإلياذة الجنوبية” وكمِّ الاحالات الثقافية التي تثيرها.

في الجانب الأول، ترد القصيدة خاتمةً للديوان الأول لموسى حمادة، وورود القصيدة كخاتمة ليس اعتباطيًا وإن كان لا واعيًا، إنها إشارة واضحة إلى أن هذه القضية هي الخلاصة الشعرية التي يبتغي الوصول إليها، هي “خاتمة النبوة الشعرية ” وهي محطة الوصول الالزامية الأخيرة لأي شاعر عربي يرى في المقاومة، ومن ورائها في حرية الانسان والارض، قيمة عليا يجب السعي الدائم للوصول إليها، يغدو تموضع الخيار المقاوم ومكانة المقاومة في النص الشعري أنها الغاية والخاتمة.

– في الجاتب الآخر، يشكل عنوان القصيدة عنوانًا ثقافيًا بامتياز، محتشدًا بالإحالات الثقافية.

هو عنوان مركب من علاقة نعت ومنعوت في الجانب النحوي، وبمقدار ما يشير العنوان إلى علاقة مشابهة بين الشاعر وبين صاحب الإلياذة هوميروس، وهو بُعد ذاتي شخصي، فإنه يشير إلى بُعد اعلى وهو علاقة المشابهة بين النص المقاوم والإلياذة، فإذا كانت الإلياذة نصًا أسطوريًّا كتبه هوميروس بكثير من الخيال والاسطرة لمعركة طروادة وضمنها الكثير من المبالغة واللامعقولية واللاواقعية، فإن الكلام عن المقاومة يرتفع برفعتها، فيغدو الواقع الجنوبي، والفعل المقاوم الواقعي الحقيقيّ شبيهًا بالأسطورة، كأن موسى حمادة يقف أمام هوميروس ليقول له إن إلياذتك خيالية غير واقعية، بينما فعل المقاومة اللبنانية – بصيغتها الاسلامية – هو فعل إلياذي أي فعل أسطوري ملحمي، لكنه ملحمة واقعية مَعيشَة تمارس في الواقع اليومي، ويغدو الجنوب ملحمة حياتية معيوشة.

ونعت “الإلياذة” “بالجنوبية”، ليس نعتًا جغرافيًا محضًا، ينسبها إلى هذه البقعة من الارض، التي تشكل الحيز المكاني للصراع مع العدو الاسرائيلي المحتل، بل يتعدى ذلك ليجعل الجنوب مكانًا ثقافيًا محتشدًا بالدلالات:

إنه الجنوب في ثنائية الجنوب/ الشمال.

الجنوب الذي يحمل دلالة الناس العاديين الطيبين المنتمين إلى الارض والتراب بالمقدار نفسه الذي يحمل دلالة إلى الروح والثقافة، إنه الجنوب الذي يمثل الشرق في مقابل الشمال الذي يمثل الغرب بصيغته المادية.

يغدو الجنوب جهة المظلوم المنتصر في مقابل الشمال – الغرب بمنظومته المستعمِرة التي تنهب الشعوب وتحتلها وتسلب ثرواتها.

هكذا تغدو المقاومة فعلًا انسانيًا عامًا يخرج من حيز المكان “الجنوبي” ليصبح مكانًا عامًا يمثل كل حيز جغرافي محتل ويمثل كل شعب يقاوم هذا الاحتلال ايًا كان شكله ومصدره.

هكذا يخرج موسى حمادة المقاومة وفعلها في التحرير من دائرته المكانية في الجنوب اللبناني، ودائرته الزمانية في الخامس والعشرين من أيار، لجعله مكانًا عالميًا وزمانًا استمراريًا، مكان وزمان يمثلان كل مكان وكل زمان يقاوم فيه شعب ما قوة استعمارية تحاول سلبه حريته وكرامته، ويصبح الجنوب معبرًا للقضية الكبرى فلسطين:

ندلف من هذا “الخارج النصي” إلى داخل النص الذي يحفل بالشعرية وتقنياتها الأسلوبية العالية وعلى رأسها الرمز. لذلك سنفتح الباب لدراسة الرمز ظاهرةً اسلوبية لافتة في نص “الإلياذة الجنوبية” حيث تحفل “الإلياذة” الجنوبية بالرموز، سواء الرموز الدينية، أو الرموز الشعرية. كما يلفت فيها لعبة الضمائر والانتقال الدلالي بين ضمير الغائب وضمير المخاطب.

في الرموز

– الرمز: الرمز في اللغة: الإشارة والإيماء[1]. وهو في الاصطلاح الأدبي: “علامة تعتبر ممثلة لشيء آخر ودالة عليه، فتمثله وتحل محله”[2]. وهو من الوسائل الفنية المهمة في الشعر، يعمد الشاعر فيه إلى الإيحاء والتلميح بدلًا من اللجوء إلى المباشرة والتصريح. “ويُعَدُّ الرمز أسلوبًا من أساليب التصوير، أو وسيلة إيحائية من وسائله، فكلاهما – الرمز والصورة – قائم على التشبيه، وعلاقتهما أقرب إلى علاقة الجزء بالكل”[3]. والصور الرمزية ذاتية لا موضوعية، إذ إنها “تبدأ من الأشياء المادية، على أن يتجاوزها الشاعر ليعبِّر عن أثرها العميق في النفس في البعيد عن المناطق اللاشعورية، وهي المناطق الغائمة الغائرة في النفس، ولا ترقى اللغة إلى التعبير عنها إلا عن طريق الإيحاء بالرمز المنوط بالحدس”[4]. والشعر الحديث “يلجأ إلى الرمز والأسطورة حين تستعصي التجربة الشعورية على اللغة الشعرية العادية، فلا يستطيع سوى الرمز أو الأسطورة التعبير عن الحال المكثُّة التي بلغت حدّ الاشتعال. والرموز إما أن تكون جديدة من مبتكرات الشعراء أنفسهم ركّزوا فيها شحنتهم الشعورية، وإما أن تكون قديمة حفظتها ذاكرة الشعوب لارتباطها بمعان شديدة التأثير في حياة الإنسان على مرِّ العصور. ويقبل الشعراء على استخدامها فيصبون مرّة ويخطئون أخرى، لأن التعاطي مع الرمز مسألة دقيقة لها شروطها”[5].

1- الرمز الديني في “الإلياذة الجنوبية”

يحضر في هذا النص رمزان دينيان أساسيان،هما الحسين والحلاّج.

أ- الحسين رمزًا في قصيدة “الإلياذة الجنوبية”

يرد في القصيدة:

لا تحتكم الا لجرحك

لو بقيت مقطعًا عند الفرات وحيدًا

يحضر الحسين في صورة المقاوم الجنوبي الذي يقف في وجه المحتل وحيدًا، كوقفة الحسين في كربلاء، وهو وقوف ملحمي أسطوري لا شبيه له إلا في أرض الجنوب، وتلك إشارة إلى الانتماء الثقافي للمقاوم الجنوبي، هو مقاوم ينتمي في فكره وثقافته إلى رمزية الحسين الذي يرفض الظلم والاستعباد ولو وقف وحيدًا في صحراء كربلاء.

هكذا يغدو المقاوم صورة منعكسة عن الصورة الحسينية، ويغدو الجنوب كربلاء جديدة، كربلاء مستمرة إلى اليوم، يدفع فيها الجنوبي بكل ما يملك على مذبح الحق والشهادة، في سبيل الأرض والحرية. ويتابع الشاعر:

هم يجهلون

فمن ردى طعناتهم في صدره

منحوا الحسين خلودًا

تصبح  الشهادة فعل حياة وفعل خلود، هكذا، وكما خلد الحسين، وانتصر على الموت والزمان والنسيان، يصح المقاوم الشهيد نموذجًا للخلود الحسيني، ويتحول الموت إلى حياة حقيقية، حياة مستمرة خالدة ابدًا وتنقلب ثنائية الموت/ الحياة من ثناىية متناقضة الطرفين متضادة القطبين إلى ثنائية مترادفة، إذ يصبح الموت في سبيل الأرض والحرية والانسان حياة حقيقية خالدة.

ب- الحلاّج

الدلالة نفسها تحملها رمزية الحلاج، الشاعر الصوفي المنتمي بكله إلى الله، لا ينفتح الباب أمامه إلى عالم الشهود إلا من على الصليب، بكل ما يحمله الصليب من رمزية الفداء المسيحى،هكذا يصبح المقاوم المضحي الباذل دمه على مذبح الشعب والارض والحرية حلاجًا مصلوبًا، يفتح الباب على مصراعيه أمام شعبه إلى الضوء والحرية، ويصبح المقاوم مسيحًا جديدًا يرتفع على الصليب ليخلص شعبه من الظلم والاستعباد والاحتلال. و”يقوم” بعدها حيًّا، المقاوم الشهيد يقوم حيًّا من شهادته لأنه يحوّل موته إلى حياة أكثر، إلى حياة أكبر، هي حياة شعب كامل ينعم بالحرية والكرامة بسبب هذا الدم المسفوح وهذا الجسد المصلوب. هنا نجدد الإشارة إلى أن توظيف الرمز الديني في هذا النص يشير بدقّة إلى الانتماء الثقافي لأبناء هذه الأرض، أنهم حسينيو هذا العصر ومتصوفوه العرفانيّون الأتقياء الساعون إلى الله وإلى الحرية.

2- الرمز الشعري في “الإلياذة الجنوبية”

فضلًا عن الإحالة الرمزية والمحمول الثقافي الذي تشير إليه لفظة “الإلياذة” في عنوان القصيدة، وهو ما تمّت الإشارة إليه سابقًا، فإنّ حقلًا معجميًّا لافتًا للشعر يحضر في النص: وحيًا – شعرًا – تفاعيل – وزن الرصاص – قصيدًا.

ويضيء هذا الحقل المعجمي على وظيفة اللغة اللغوية من جهة، وعلى الشبه الكبير بين الحدث المقاوم والانتصار على العدو، عنيت حدث التحرير، وبين الشعر، ليرقى هذا الحدث إلى مصاف الشعر، ويصبح التحرير نصًّا شعريًّا، إنّه تكريس لدور الشعر في المواجهة من جهة، فهو صوت المقاومة وصورتها الثقافية، وهو من جانب آخر تشبيه للحدث بالشعر، وإذا كان الشعر تجاوزًا للواقع واللغة، فإن تحرير الجنوب وانتصار المقاومة يصبح في السياق التاريخي شعرًا، أي حدثًا أسطوريًّا متجاوزًا غلى الرغم من كونه واقعًا حقيقيًّا، يصبح فعل المقاومة وانتصارها، في الإطار الواقعي، شبيهًا بالشعر في اللغة فكما يتجاوز الشعرُ اللغةَ ليكوّن لغة جديدة أعلى منها، كذلك يتجاوز الحدث الجنوبي المقاوم الواقعَ ليصبح واقعًا شعريًّا مختلفًا، حدثًا تجاوزيًّا مختلفًا، إنّه واقع لا واقعيّ، لا يصدق بالنظر إلى عدم تكافؤ القوى بين المقاوم والمحتل.

من جهة أخرى يظهر الشعر في النص من خلال جملة من الرموز الشعرية، إذ يحشد موسى حمادة في “إلياذته الجنوبية” عددًا لافتًا من أسماء الشعراء ويستحضرهم في نصه أو يحيل إليهم بما يخدم رؤيته إلى الفعل الجنوبي المقاوم.

يطالعنا في القصيدة “هوميروس”، الشاعر الملحمي الأكبر بإلياذته الخالدة، ليرمز إلى ملحمية الفعل، فعل المقاومة في جنوب لبنان، الفعل المقاوم فعل أسطوري “طروادي”، والكلام الشعري عن هذا الفعل هو كلام عال متجاوز، موضوع الكلام (المقاومة) يُعلي شأن الكلام (القصيدة) ويجمعها سموّه وشعريته، ويصبح المقاوم “هوميروسًا” جديدًا، لكن بالفعل لا بالقول فقط، يستطيع تعديل سيناريو الموت، ويكتب فصلًا جديدًا في كتاب التاريخ:

طروادةُ  انتظرتك

عدّل في سيناريو الموت

أو فاكتب له نصًّا

المقاوم يكتب سيناريو جديدًا للموت، يعطي الموت بعدًا آخر، إذ يقلبه من نهاية إلى بداية، ومن غياب إلى حضور، ومن زوال إلى بقاء راسخ، يموت الشهيد، لكنّه يفتح حياةً جديدةً لأمة بكاملها. ثم يحضر بعد هوميروس “أبو العلاء المعري” رمزًا شعريًّا من خلال الإحالة الثقافية إلى رهين المحبسين.

لولاه لم يفتح رهين المحبسين عماه ليلًا

كي يرى فيه الوجودا

حيث يشير الشاعر إلى أبي العلاء المعرّي شاعرًا أعمى، يتجازو عماه ليكون رائيًا من خلال الشعر مُحالًا إليه بضمير الغائب في “لولاه”.

الشعر لولا الشعر لم تنضج عناقيد الخيال

وما قطفناها وعودا

فإذا كان الشعر هو الرائي الحقيقي، الذي يستعيض به أبو العلاء المعري عن بصره المفقود، كي يرى حقيقة الأشياء وجوهرها، وكي يرى في الوجود – لا الموجودات – فإن هذا يعطي الشعر بعدًا عاليًا في التأثير في مسار التاريخ، و”الإلياذة الجنوبية” على رأس هذا الشعر، وبذا يغدو الجنوب والمقاومة فيه شعرًا رائيًا، وحدثًا يفتح الباب إلى رؤية حقيقية للوجود، رؤية تتيقن أن الحرية لا تنال إلا بالتضحية والبذل، ويصبح الفعل المقاوم قادرًا على فتح أبواب السجون، الواقعية والنفسية لتخرج منها الأمة إلى حريتها. هكذا يصبح المقاوم الجنوبي نموذجًا حسينيًا، وشاعرًا رائيًا كأبي العلاء، وملحميًا خالدًا كهوميروس وإلياذته، وثائرًا مضحيًّا كلوركا ونيرودا. واللافت، أنّ استحضار شعراء من كل العصور بَدءًا من هوميروس (الإغريقي) إلى أبي العلاء المعري (العباسي)، إلى لوركا ونيرودا الحديثين، ما هو إلا استحضار زمني مقصود يهدف إلى أن فكرة المقاومة وأثرها التحرري عابران للزمان خالدان خلوده. كما أن انتماء الرموز الشعرية إلى ثقافات وحضارات وقوميات متعدّدة من الإغريقية إلى العربية إلى الإسبانية إلى التشيلية الجنوب أمريكية، إنما هو دلالة واضحة على أن الحرية مطلب إنساني عام ومشترك، وأن هذه المقاومة اللبنانية، تتجاوز في بعدها المعنوي، حدودها الجغرافية، لتغدو حركة عالمية هدفها الإنسان، إنها بتحرير الجنوب وإنسانه، تصنع لَبِنَة في مبنى الحرية الإنسانية العامة، حرية الإنسان في كل مكان وزمان.

في الضمائر

تتنوع الضمائر في قصيدة الإلياذة الجنوبية، ويثير تنوّعها انتباه القارئ وملاحظة الناقد. هذه الضمائر هي:

ضمير المخاطب: وينقسم إلى مرجعين: المرجع الأول هو المتلقي (تكفيك – بغيرك تقول) وهو ضمير بمقدار ما يَرجع إلى القارئ يرجع إلى الشاعر نفسه، ولا سيّما أنّه يقترن بضمير المتكلّم (خذني- ذاكرني)، وكما يتلقى القارئ قصيدة الشاعر، كذلك يتلقى الشاعر قصيدة المقاوم الجنوبي. أما الدلالة الأعمق لضمير المخاطب فهي تلك التي تتعلق بالضمير حين يعود إلى مرجع غير واضح أو محدد:

يا سيدي تكفي المسافة بين جسمك والتراب

لنعبر الآن الحدودا

لا تنتظر

أكتب لنا إلياذة أُخرى

فهوميروس لم ينه النشيدا

طروادة انتظرتك

عدّل في سيناريو الموت

أو فاكتب لها نصًا جديدًا

غيم مصفح

زرقة مزروكة

شمس يدحرجها الدخان بعيدا

وأراك وحدك بالغناء الحيّ

تمسح وجهها وتفك عن يدها الحديدا

لا تحتكم الا لجرحك لو بقيت مقطعًا عند الفرات وحيدا

يحتشد المقطع بعدد هائل من ضمائر المخاطب (جسمك – لا تنتظر – انتظرتك – عدّل – وحدك – جرحك – بقيت – جرحك الافقي – شئت…).

هذا الضمير عائد إلى مخاطب غير محدّد (يا سيدي)، فمن هو هذا (السيّد)، من هو هذا الشخص الذي يخاطبه الشاعر بـ(يا سيدي)، وأيّ سيادة تجلله؟

إنّه المقاوم الذي يبذل جسمه وجرحه في أرض الجنوب ليكون جسر عبور إلى النصر والحرية، وبمقدار ما يغيب مخاطب ما بعينه، يحضر المقاوم بصورته العامة، كل مقاوم هو سيد قائد، كذلك فإنّ حضور هذا الحشد من ضمائر المخاطب، بما يدل عليه ضمير المخاطب من حضور، فإنّما يدل على حضور المقاوم، وإن خرج من دائرة الوجود الواقعي حين يسقط شهيدًا، إذ يصبح بخروجه هذا وارتفاعه شهيدًا أكثر حضورًا وتأثيرًا، يدل على ذلك حشد ضمائر المخاطب.

ضمير الغائب

من جهة أخرى، يكاد يختفي أيّ ضمير مرجعه العدوّ المحتلّ، ويكتفي الشاعر بالإشارة إليه من خلال بيت واحد في القصيدة:

هم يجهلون فمن ردى طعناتهم في صدره

منحوا الحسين خلودا

وتغييب العدو المحتل من خلال تغييب الضمير العائد إليه بشكل شبه كامل يرمز إلى أن وجود هذا العدوّ على هذه الأرض هو وجود محكوم بالغياب، إنه وجود مؤقت زائف وهمي زائل. من جهة أخرى، إن ضمير الغائب العائد للمحتل يضعه في السياق ذاته مع من قتلوا الحسين، وقتلة الحسين غياب مطلق وإن حضروا في النص أو في السيرة التاريخية فإن حضورهم مرهون بحضور الحسين، هم حاضرون لمجرد أنهم قتلوه، منحوه الخلود حين ظنّوا أنهم يقتلونه ويخفون صوته، الحال نفسه مع العدو المحتل لأرض الجنوب، الذي لا حضور له الا لاقترانه بحضور المقاوم الذي يقاتله، المقاوم يفيض حضورًا ووجودًا حتى على العدو، كما فاض الحسين حضورًا ووجودًا حتى على قتلته، من كان سيذكر هؤلاء لولا الحسين؟

في الخلاصة

تكتظ “الإلياذة الجنوبية بتقنيات شعرية عالية ذات طاقة إيجابية وإحالات ثقافية تخرج بالفعل المقاوم ومن دائرته الضيّقة زمنيًّا وجغرافيًّا إلى فضاء إنساني أرقى وأسمى من خلال الرمز الدينيّ الضارب في التاريخ، ومن خلال الرمز الشعري المتنوّع في انتمائه التاريخيّ والقوميّ للدلالة على تجاوز الفعل المقاوم للحدود التاريخيّة والجغرافيّة إلى الأفق الإنساني المطلق.

 

[1] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1994، مادة “مرمز”.

[2] محمد التونجي، المعجم المفصل في الأدب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993، ج 2، ص 488.

[3] محمد، فتوح أحمد، الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، 1977، ص 139.

[4] محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، 1987، ص 418.

[5] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر وقضاياه وظواهره الفنية، دار العودة، بيروت، 1981، ص 200 و218.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website