غيب

غيب

محمد شمص^([1])

كلما تذكرت تلك الحادثة، اقشعر لها بدني، ولا أستطيع أن أتمالك دموعي. كنت أسمع عن المدد الغيبي وعناية الله ولطفه ، لكني لم أتصور يومًا أني سأعاينه.

لم نكن حيث كنا نتوقع هجومًا علينا، إذ إن نقطة وجودنا في حلب كانت بعيدة نسبيًّا من خط التماس تلك الليلة خضنا معركة جنونيّة، لكنا لم نضعف عن القتال وصبرنا وتحملنا كثيرًا من الجهد، ولم تكن تلك المعركة التي كنا نخضها بدعًا من المعارك أبدًا ، فقد خضنا معارك كثيرة مماثلة.

في تلك الليلة استعد الدواعش استعدادًا جيدًا ومهدوا للهجوم علينا بقصف متواصل، لم تكن قذائف الهون وسلاح الآر بي جي يهدأن ألبتة.

كنا مجموعة مؤلفة من ستة أفراد لم يتأذ بحمد لله أيّ واحد منا بأذى، قاتلنا قتالًا شديًدا، وأرغمنا المهاجمين الذين كانوا يفوقونا عددنا وعدة على الفرار، استمر القتال من أول الليل إلى بزوغ الفجر. طوال هذه الساعات لم يغمض لنا جفن، ولم يكن هناك مجال للراحة أو الاسترخاء.

في النهاية وبفضل الله تعالى لم يستطيعوا أن يتقدموًا شبرًا واحدًا. وذهبوا يجرون جراحهم وقتلاهم وخيبتهم وصل إلينا البديل بعد مدّة وجيزة من انسحابهم وكان التّعب والانهاك قد أخذ منا كل مأخذ.

تقدم إلينا القائد بالتهنئة والسلامة، وطلب منا أن نذهب الى الموقع لنستريح. كان الشّباب قد أعدوا لنا غرفة للنوم. كل شيء كان مهيأ؛ الفرش والوسائد والأغطية. كدّت من فرط تعبي أن أنام بحذائي العسكري. ما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى علا ضجيج الشباب وصراخهم. إذ دخل علينا جرذ ضخم ووقح، وبدأ يقفز من فراش الى فراش. وبدا الجوّ في هرجه ومرجه أشبه بحلبة مصارعة.

تملّكني غضب شديد وإحساس بالنّقمة وعدم الرضا، لكن لم يكن لدي رغبة في التصارع معه. بهدوء حملت فراشي وخرجت من الغرفة. فما أسرع أن لحق بي الشّباب إذ لا يود أيّ واحد منا أن ينام مع جرذ لعين، أو كانت له القدرة على مناوشة هذا الجرذ.

فجأة وبعد أن خرجنا جميعنا، لمع في عيني ضوء قوي، ولفحت وجهي سخونة محرقة. مادت بي الأرض، ثم وجدت نفسي ملقى أمتار عدة بعيدًا من الغرفة. بداية لم أستوعب ما حصل. مع مرور الثواني الأولى أدركت أنّ المكان الذي كان مُعدًا لنومنا سقطت فيه قذيفة هون وانفجرت.

فشكرنا الله على لطفه، وشكرنا جرذنا الملائكي.

• طالب دراسات حوزويّة.