foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

العُظام إشكاليّة التشخيص وجذور الاضطراب

0

العُظام

إشكاليّة التشخيص وجذور الاضطراب

د. مالك العنبكيّ*

  1. مقدّمة

يعدّ اضطراب العُظام (Paranoia)، من الاضطرابات العقليّة المُهِمَّة في التاريخ النفسيّ العياديّ، فهو منذ اكتشافه من قِبل فرويد في بداية القرن المنصرم، قد حمّل الكثير من الإشكاليّات، منها إشكاليّة التسمية الثابتة في الكتب مثلًا التي تُعنى بالتصنيف للاضطرابات النفسيّة والعقليّة، وإشكاليّة التشخيص وأيّ من الأعراض تعدّ مؤشّرًا لهذا الاضطراب؟  وأيّ منها تُعدّ مشتركة بين العُظام، والاضطرابات النفسيّة، والعقليّة الأخرى؟

أضف إلى أنّ المتتبّع لتاريخ تطوّر هذا الاضطراب، يجد ذلك العدد غير القليل من العلماء الذين تناولوه تعريفًا، تشخيصًا، وتوصيفًا، وكلٌّ وفق مدرسته، محاولين إضفاء سمات مدارسهم وثقافتهم عليه، خصوصًا من الناحية السببيّة.

أمام الذي تقدّم، يتّضح لنا الالتباس والعصف الفكريّ الذي أنتج مؤثّرين، أحدهما إيجابيّ، والآخر سلبيّ من ناحية الإشكاليّات التوصيفيّة والتصنيفيّة.

إنّ أهمّيّة البحث في طرح موضوع العُظام، ومن خلال خبرتنا العياديّة الميدانيّة، هو ذلك الاعتقاد الراسخ الذي تأسّس في منظومة فكرنا العياديّ، الذي يقول إنّ اكتشاف العُظام من العوامل المُهِمَّة التي ساهمت في تمايز علم النفس عن الفلسفة، مع احترامنا الجليل لكلّ الآراء التي بحثت في موضوع التمايز بين هذين العلمين، واعتقادنا الراسخ بنّ الفلسفة هي أمّ العلوم وجذورها، لكن هُويّة علم النفس مُهِمَّة ومنها البحث في موضوع العُظام.

أخيرًا، إننا نرى أن الرحلة التي سارها العُظام في دروب المدارس الفكريّة المتعدّدة، والتي أوصلته إلى الاضطراب الهذيانيّDelusional Disorder ، كما هو عليه الآن، مُهِمَّة من ناحية البحث فيها، لكي نقدّم مثالًا للمتخصّص في علم النفس العياديّ، عن كيفيّة التعامل مع التشخيص، والتوصيف لأيّ مصطلح في علم النفس، لأنّ ذلك يُسهم في إثراء المعرفة العياديّة، التي هي حاجة كلّ متخصّص في مجال العلوم النفسيّة والإنسانيّة.

  1. أهمّيّة البحث وأهدافه:
  • إنّ الحقيقة النفسيّة تقول: نحن معشر البشر قد دخلنا، منذ أكثر من ثلاثين عامًا، في عصر القلق، وهذا ما أنبأنا به فرويد منذ العام 1927، عندما أصدر كُتيّبًا تحت عنوان “مستقبل وهم”، تُرجم من الألمانيّة إلى الفرنسيّة، ونُشر في المجلّة الفرنسيّة للتحليل النفسيّ (F.P. سنة 1971)، وكذلك كُتيّبه “قلق في الحضارة”، يُترجم أحيانًا ضيق في الحضارة، ونُشر في المجلّة نفسها. (راجع في هذا الخصوص ما نُشر في لندن Freud S,2002)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس قسم العمل الصحّيّ الاجتماعيّ، الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الصحّة العامّة، الفرع الرابع.

 

إنّ القلق يطال الفرد والجماعة، وذلك لمتاعب الحياة وإحباطها على صعيد الفرد، لانتفاء الحسّ الإنسانيّ، الذي من المفترض أن يتحكّم بالعلاقة بين شعوب الأرض، على صعيد الجماعة.

  • تكمن الأهمّيّة أيضًا في ذلك الانتشار الواسع للاضطرابات النفسيّة والعقليّة، هذا ما خبرناه ميدانيًّا، عندما تكون لائحة انتظار المرض، للدخول إلى المستشفى، دالّة إحصائيّةً، وعدد الأسرّة محدود. كذلك ما جاء في نشرات عديدة لمنظّمة الصحّة العالميّة WHO على صعيد انتشار الاضطرابات عالميًّا.
  • من أجل فهم أعمق للإشكاليّات التشخيصيّة والتوصيفيّة، التي نجدها على صعيد الأمراض النفسيّة والعقليّة، التي كانت ملازمة لعلم النفس قبل استقلاله عن العلوم الأخرى وبعده.
  • وأخيرًا، من أجل فهم أكثر ديناميّة للاضطرابات النفسيّة والعقليّة، وتحديدًا اضطراب العُظام، وفق مفاهيم علم النفس الديناميّ، وعلم النفس التحليليّ.
  1. إشكاليّات البحث:
  • المقدّمة:

انطلاقًا من إيمانيّ بوحدة علم النفس، والمُستند إلى الميدان، هذه الوحدة التي ناضل الكثير من العلماء على تعزيزها وبناء قواعد الاستناد المعرفيّة خاصّتها، إلاّ أنّنا ما نراه اليوم من تصنيفات حديثة للاضطرابات النفسيّة والعقليّة، هو في جزء يساعد على التشظّي المعرفيّ والمفاهيميّ لمبادئ، ونظريّات علم النفس، وخصوصًا تلك التي مكّنته من الوصول إلى الاستقلاليّة الواضحة، ولكن غير المنجزة تمامًا، وتحديدًا عن مواضيع الفلسفة. (راجع في هذا الخصوص نظريّات الطبيب السويسريّ بلويلر Bleuler,E, 2010)

إنّ المتتبّع لتاريخ علم النفس، من المفترض أن يتوقّف عند العام 1590م، حيث استخدمت ولأوّل مرّة كلمة السيكولوجيا (علم النفس) من قبل الأستاذ الألمانيّ Goclenius، كعنوان لأحد مؤلّفاته، واستخدمها تلاميذه من بعده، ولكن ليس على نطاق واسع، لا بل مرّت سنين طويلة بعد تلاميذ هذا العالِم، لم تُستخدم كلمة السيكولوجيا، إلى أن جاء العالم فونت وأسّس أوّل مختبر في علم النفس عام 1879م. (Harman BL, 1946)

نعم مرّ علم النفس بإرهاصات كبيرة وكثيرة لكي يتّخذ هُويّته الموحّدة، كعلم فيه منظومة من المدارس وأهمّها المدرستين التحليليّة والسلوكيّة. هذا على الأقلّ، ما بحثنا به بين العام 1900م. والعام 1950م، حيث نشطت الكتابات والأبحاث من قبل علماء متميّزين ومميزين، في كلّ من ألمانيّا، وفرنسا، وأميركا، وبريطانيا، وروسيا. (Stepherd, M, 1995)

لا نريد الإسهاب في ذلك، لكن يمكننا القول إنّ تحليلنا لفترة الخمسين سنة هذه التي برزت فيها مدارس مُهِمَّة، نجد على الرغم من أنّ المنحى في إنضاج الهُويّة النفسيّة لعلم النفس، يحمل في البعض من فواصله بذور التشظّي، ودليلنا على ذلك هو أنّ العالم الفرنسيّ Lagache[1] قد أدرك ذلك، لذا جاء بنظريّته التوحيديّة في علم النفس (Roudinesco, E, 1977). إنّ تفنيذ لاغاش لهذه النظريّة، جاء في قوله إنّه على الرغم ممّا هو موجود في علم النفس من مناهج، إلاّ أنّه هناك اتّجاهين أساسيّين، الاتّجاه التجريبيّ الذي تمثّله المدرسة السلوكيّة، والاتّجاه العياديّ الذي تمثّله المدرسة التحليليّة. وإنّ هذين المنهجين متكاملين، ويأخذان من بعضهما البعض في الكثير من مواقع التفسير للأحداث النفسيّة، لذا فهما واحد حتّى لو حملا تسميتين، ولمّا كانا كذلك، إذًا فعلم النفس واحد. (Lagache, D, 1993).

إنّ المتتبّع للتطوّر الفكريّ للعالم لاغاش من الطبّ إلى التحليل النفسيّ، يجد في طيّات أفكاره ميلًا للمنهج العياديّ في تفسير الظواهر النفسيّة، خصوصًا المرضيّة منها، لهذا تعاون مع Lacan في بعض المسائل النفسيّة، خصوصًا في مسألة مثال الأنا Ego Ideal  (راجع Locan J, 1944).

إن تحليلنا المتخصر لنظريّة لاكاش كمقدّمة لإشكاليّتنا، هو في رؤيتنا المنهجيّة، التي تقول بأنّ منهجيّ البحث التجريبيّ والعياديّ، هما بالأصل ينحدران من الاتّجاه الطبيعيّ في تفسير المشاكل النفسيّة، وهنا يتمثّل المنهج التجريبيّ السلوكيّ، والاتّجاه الإنسانيّ في تفسير المشاكل، والظواهر النفسيّة، الذي يمثّلهُ المنهج العياديّ التحليليّ، ولا زال هذين الاتّجاهين يتحكّمان بتفسير السلوك في الكثير من الأبحاث ذات العلاقة، وما مدرسة بافلوف الشرطيّة القائمة على مفهوم المنعكسات، وردّات فعل الجهاز العصبيّ للإنسان والحيوان، إلاّ في صلب الاتّجاه الطبيعيّ في التفسير، ولقد استغله الأطباء لكي يضعوا شروطهم العلاجيّة والتفسيريّة في ذلك، التي حجّمت نوعًا ما، من التفسير العياديّ للظواهر النفسيّة.

من هنا، جاءت إشكاليّتنا التي تُساهم في تمكين المنهج العياديّ في التفسير، بعد استقراء الالتباسات التي حصلت في التشخيص، والتوصيف لنمط واحد من الاضطرابات ألا وهو الاضطراب الهذيانيّ Delusion Disorder أي الاضطراب العُظاميّ Paranoia.

  • إشكاليّات البحث:

تتمحور إشكاليّاتنا في الآتي من التساؤلات:

أوّلًا: هل إشكاليّة التوصيف والتشخيص للاضطراب الهذيانيّ (العُظاميّ)، لا زالت بحاجة إلى الدرس والتوضيح؟

ثانيًا: هل لا زلنا بحاجة إلى فهم أفضل لأعراض هذا الاضطراب؟ وهل المنظور النفسيّ الديناميّ Psycho – Dynamic، وكذلك التحليليّ، يقدّمان فهمًا أفضل لجذور المرض؟

  1. المنهج المُتّبع:

هو منهج البحث التاريخيّ المُقارن لآراء عدد من علماء النفس، الذين بحثوا في اضطراب العُظام، مُضاف إليه مخزون الخبرة الميدانيّة العياديّة في المستشفيات ذات العلاقة، مع الاستعانة بنماذج نصّيّة من أعراض لحالات عُظاميّة كنّا قد التمسناها في عملنا، وأرشفناها بغية الكتابة بها يومًا.

  1. المبحث الأوّل: إشكاليّة التوصيف والتشخيص:

لكي نبحث في ذلك، علينا تعريف الاضطراب العُظاميّ، فنقول: إنّه اضطراب هذيانيّ تضخّميّ Delusional and Grandiosity Disorder، يتّصف غالبًا بالهذيان غير المفكّك، والمنتظم غالبًا، والمتنوّع وفقًا لخبرات الشخص الحياتيّة.

هذا التعريف خاصّ بنا، وهناك تعريفات لفرويد، وكريبلن، وبلويلر، وغيرهم من الذين بحثوا في موضوع العُظام، لكن ليس هذا هدفًا من أهداف بحثنا. إنّما من يريد الاطّلاع فليُراجع التصنيف الدوليّ العاشر للأمراض ICD-10، والتصنيف الإحصائيّ للأمراض DSM-4-5. وكذلك ما كتبه بينتال، وتايلور في موضوع الأنساق النفسيّة والعُظام. (Bentail, RP, and Taylor, JL, 2005)

أضف إلى أنّ كلمة Paranoia، هي بالأساس كلمة يونانيّة، تتألّف من جزءين Para  وتعني الجنون وNoia وتعني العقل، والعُظام أيضًا كان يُسمّى باللغة اليونانيّة القديمة Megalomania، ويعني هوس العظمة، أو وهم اعتقاد العظمة.

إنّنا إذا أخضعنا هذين المصطلحين، اللذين استعارتهما منظومة الثقافة الألمانيّة في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، فإنّهما قد حملا شيئًا من الجدل، لأنّه ربّما كان المقصود في اللغة اليونانيّة غير ما هو مقصود في اللغة الألمانيّة، وذلك لأنّ كلّ لغة تحوي منظومة من الرموز ربّما تختلف عن غيرها.

إنّ الالتباس الذي حدث لمصطلح العُظام، كان واضحًا في الحوارات التي دارت بين ثلاثيّ مكتشفي هذا المصطلح وهم: فرويد، وبلويلر، وكريبلن (Kraeplen E, 2010). فمنذ بدايات القرن الماضي، حاول الثلاثيّ تفسير العلاقة بين العُظام، والعته المبكّر Demetria Praecox (صدر عن العالم كريبلن كتاب تحت عنوان العته المبكّر عام 1919)، وقد حاول أن يجعل من مصطلح العُظام أكثر وضوحًا. هنا إشكاليّة التوصيف والتشخيص، كانت جدليّة بين العلماء الثلاث. لهذا، فإنّ العالم فرويد لم يكتفِ بضمّه هذيان الاضطهاد إلى العُظام، بل أدرج هذيانات العشق والغيرة، وهذا تطوّر مُهِمّ في التكامل النسقيّ لتوصيف العُظام وتشخيصه. ولكن المشكلة، هي أنّ فرويد قد أيّد كريبلن ولو بصورة غير واضحة في إدراج الأخير لكلّ الهذيانات المزمنة تحت اللائحة الوصفيّة، والتشخيصيّة للعُظام.

هذا رأينا العياديّ فقد عقّد المشهد الوصفيّ الواضح للعُظام، لأنّ البعض من الهذيانات ذات منشأ عضويّ، حيث إنّ بعض الأورام الدماغيّة، وبعض المؤثّرات الكيميائيّة الإدمانيّة تؤدّي إلى الهذيانات. لذا، كان من الأفضل توصيف الهذيانات ذات العلاقة بالحالة العُظاميّة أكثر، لأنّ ذلك قادنا إلى التداخل بين بعض أعراض العُظام مع بعض أعراض العته المبكّر.(Noll R, 2001)

إنّ دراستنا لتاريخ تطوّر مصطلح العُظام، بيّن لنا ذلك الارتباك في مفهوم فرويد عن العُظام، ومجاراته لرأي كريبلن سنة 1911م. على أنّ هناك تمايز بين العُظام والعته المبكّر، بعد أن آمن كريبلن طويلًا في مسألة المشترك بين العُظام والعته المبكّر.

هذا الإرباك، جعل تلميذ فرويد، العالم بلويلر، يتكلّم عن الدمج بين العُظام والفصام، حيث استند على عرض التفكّك عند الفصاميّ، على أنّه عرض أوّليّ عند العُظاميّ، وهذا الفهم عُدّ من التعقيدات الأخرى التي دخلت على توصيف العُظام وتشخيصه، وجعلته يدخل ولسنين في دائرة الجدل العياديّ. المشكلة تكمن في أنّ العالم فرويد لحق بتلميذه في هذا المزج بين الاضطرابين رغم تأكيده، في سنوات عديدة سابقة، بأنّ العُظام هو غير الفصام في مسألة التثبيتات الأوّليّة Premier Fixations.

إنّ خبرتنا العياديّة، لم تجد قطّ أيّ أعراض تفكّكيّة أوّليّة في تاريخيّة نشوء الأعراض وتطوّرها لدى العُظاميّ، لأنّ المنطق العياديّ التحليليّ يقول: حيثما وجدت أعراض التفكّك في شخصيّة الإنسان، ترجمت أنماط من السلوكيّات التائهة والضائعة. وهذا ما لم نلتمسه لدى سبرنا لتاريخيّة الكثير من العُظاميّين. لذا، فإنّنا نتحفّظ على هذا الرأي الذي قيل من قبل بلويلر سنة 1911م.

أضف إلى أنّ العالم فرويد أطلق تشخيص العُظام على حالة شرايبر الذي درسها ولم يطلق توصيفات العته المبكّر، والفصام العُظاميّ، وغيرها من الأسماء والعناوين. وعلى الرغم من أنّنا، وبعد أن درسنا بعض المفاصل التطوّرية لحالة شرايبر، وجدنا أنّ فكرة فرويد في ربط العُظام بالمثليّة الجنسيّة كتثبيت أوليّ، قابلة للنقاش الذي ليس عنوان بحثنا الحاليّ، يمكننا أن نشير أن هناك تمايزًا بين أعراض الهلوسة لدى العُظاميّ، إن وُجدت، وأعراضها لدى الفصاميّ والموجودة غالبًا، فبالإضافة إلى مسألة ندرتها لدى العُظاميّ، ولكن إن وُجدت فهي محدودة وتخدم المسار الهذيانيّ العامّ وخصوصًا أعراض الاضطهاد Persecutory Disorders لدى العُظاميّ، وكذلك نجدها عند الاضطراب في الوظائف الجسديّة غير الإراديّة لديه، مثل عدم النوم لأيّام عدّة.

أمّا في مسألة التفكّك اللغويّ، وهو أحد المؤشّرات التشخيصيّة لنمط الفصام التفكّكيّ، فنحن لم نجد ذلك عند العُظاميّ لا في المنهج التاريخيّ الذي اتّبعناه، ولا في المنهج العياديّ المُمارس في الخبرة، وكذلك بالنسبة إلى الجمديّة الفصاميّة. لذا، يمكننا القول إنّ مسألة الربط بين العُظام والفصام، حتّى في مسألة الأعراض الأساسيّة والجوهريّة التي تميّزها، هي مسألة فيها الكثير من الشكّ. وقد بيّنا ذلك، حتّى عند الذين أسّسوا لها (walddinger, RJ, 1997).

كذلك مسألة الربط بين العُظام والوسواس القهريّ OCD، من خلال اشتراكهما في عرض الفكرة المسيطرة على السلوك، نقول: إنّ الفكرة الوسواسيّة Obsession لدى العصابيّ الوسواسيّ، غير قابلة للتأجيل أو للكبت. لذا، فالسلوك يجب أن يخضع لها، وإلاّ فإنّ منسوب القلق سيرتفع كثيرًا عند العصابيّ، وهذا سيشكّل له نوبة ذعر حادّة.

هذا الأمر غير مطابق لما هو عليه لدى العُظاميّ، لأنّه في الكثير من الأحيان يمكن أن يكبت الفكرة لحين التأسيس، لكي يصبح معتقَدًا فكريًّا غالبًا. لهذا، قلنا سابقًا، إنّ العُظاميّ في المراحل التي مرّ بها كان قادرًا على الفصل بين الأفكار الهذيانيّة والتضخّميّة وبين منظومة السلوك المطلوبة يوميًّا (عمل – جامعة – أصدقاء إلخ…)، أضف إلى ذلك أنّ مشاعر الذنب التي تعتري العصابيّ الوسواسيّ، خصوصًا الذي لديه وسواس الطهارة أكثر تعقيدًا وخطورةً على حياة المُصاب بالـــ OCD. إنّ مشاعر الذنب لم نجدها فاعلة لدى العُظاميّ، حتّى الذي يقتل والديه من أجل التكليف الإلهيّ، حيث يقول: لقد خدمتهما، وبعثت بهما إلى جنان الله الخالدة، وهي أفضل من عيشهم المأسويّ في هذه الدنيا الظالمة والزائلة. لقد خلّصتُ أمّي، وأبي من قذارة الحياة الدنيا، إلى طهارة الآخرة. (بعض من الأقوال التبريريّة لمريض عُظاميّ مصيّ الجنسيّة، كان قد قتل والديه). لذا، نحن نقول إنّ محاولة الربط بين فكرة الوسواسيّ المسيطرة، ومعتقد العُظاميّ الراسخ، ضعيفة، ولنا تبريرنا العياديّ في ذلك.

أخيرًا، وفي موضوع إشكاليّة التوصيف والتشخيص، أريد التوقّف عند التداخل الذي نجده في الكثير من المصادر والآراء التشخيصيّة بين اضطراب الشخصيّة شبه العُظاميّ Paranoid Personal Disorder واضطرابَي القلق والاكتئاب.

في المبدأ، إنّ مسألة الشخصيّة شبه العُظاميّة، نجدها نتاج حديث لمصطلحَي شبه العُظاميّ Paranoid، والوضعيّة شبه العُظاميّة Paranoid Position اللذين تكلّمت عليهما ميلاني كلاين في إطار مواقفها البحثيّة في مصطلح العُظام (POROT, A, 1960). إنّ هذا المصطلح يدلّ على المظهر الاضطهادي من الهذيان بالنسبة إليها، الموجود لدى العُظاميّ ولدى الفصاميّ حسب رأيها (Klein, M, 1947)، حيث تعرّفه على أنّه نمط من الأنماط العلائقيّة الأوّليّة بالموضوع، خصوصًا موضوع ثدي الأمّ الذي يظهر العلاقات الأوّليّة في الأربعة أشهر الأولى من حياة الطفل، ثُمَّ تقرّ بأنّ هذه الأنماط تظهر أيضًا لدى المراهقين والراشدين.

إن الموضوع السيّئ لثدي الأمّ، قد يتّخذ طابعًا اضطهاديًّا قلقيًّا تدميريًّا، قال عنه كريبلن إنّه نوع من الفصام الذي يشبه العُظام من حيث الهذيان، ولكن أعراض التفكّك مختلفة بينهما. إنّ وجهة نظر كلاين في هذا الموضوع، قالته عندما تحدّثت عن علم نفس الطفل، حيث إنّ تحليلاتها لبعض الأطفال الذهانيّين أوصلها إلى نتيجة مفادها أنّ هناك مخاوفًا اضطهاديّة هواميّة. هذه المخاوف، هي حالة شبه عُظاميّة أوّليّة يستجيب لها الطفل في بعض الأحيان بسلوكيّات قلقيّة، وإحباطات اكتئابيّة خصوصًا عندما يكون الموضوع سيّئًا وتدميريًّا.

رأينا العياديّ فيما تقدّم، لو سلّمنا جدلًا بوجود توصيف وتشخيص اسمه اضطراب الشخصيّة شبه العُظاميّ PPD، فإنّ التداخل بينه وبين القلق والاكتئاب، يستند إلى أنّ هذه الفكرة المشتركة بين كلاين وكريبلن، وُجدت عندما وجد العاملين بالمستشفيّات ذات العلاقة، وأنّ الأشخاص من شبه العُظاميّين يتنكّرون لهذه الأفكار غير الطبيعيّة، شبه الهذيانيّة في بداياتها، خصوصًا عندما تُنتقد من قِبل الأقربين المحيطين به، وبتقدّم السنين يتّجه إلى كبت هذه الأفكار سواء كانت اضطهاديّة، أو عُظاميّة تضخّميّة، ما يولّد لديهم سلوك الانسحاب، والعزلة الدفاعيّة، في هذه الأثناء، وعند تلك المراحل، يتسلّل القلق إلى أفكارهم الثمينة، نتيجة التسخيف الذي يبديه البعض من المعارف على هذه الأفكار. وكذلك تتولّد بذور الحزن والاكتئاب، عندما تجتاح شخصيّاتهم عاصفة الإحباط.

إن رأينا العياديّ أمام الذي تقدّم، انطلق منذ زمن، عندما تساءلنا طويلًا عن المصطلحات الأوليّة المُصاحبة للعُظام، مثل شبه عُظاميّ ووضعية عُظاميّة.

النقطة الأخرى في تفسيرنا لبعض نظريّات علماء التصنيف، في الأعراض العقليّة والنفسيّة، هو في اختيارنا لمصطلح شبه العُظاميّ Paranoid، الذي يستخدمه الكثير من المحامين لإنقاذ بعض المجرمين القتلة، لكي يفلتوا من حبل المشنقة، أذكر ذلك لأنّنا اختبرنا ذلك في بعض المحاكم ذات العلاقة.

لذا، أُشدّد على أنّ هذا المصطلح كان يجب أن لا يكون على لائحة التصنيف. لهذا، أرجو أن أكون قد أجبت عن إشكاليّة البحث الأولى المتعلّقة بالتوصيف والتصنيف، الذي ظهر أنّه يحتمل الكثير من التأويل، مّا عرّض مصطلح العُظام إلى الكثير من الالتباسات، وأنا مع وحدة المصطلح، وليس مع تشظّيه الذي حتمًا قد أضعفه، وكاد أنّ يلغيه نتيجة لبعثرته بين اضطراب الفصام، والاضطرابات النفسيّة الأخرى، مع إيماني أنّ القاعدة القلقيّة هي منطلق الكثير من الاضطرابات، ومنها اضطراب العُظام.

  1. المبحث الثاني:

هذا المبحث يتعلّق بالتساؤل الذي طرحناه في إشكاليّتنا الثانية ومضمونه: هل لا زلنا في حاجة إلى فهم أفضل لأعراض الاضطراب العُظاميّ؟

الجواب: نعم، ولا بدّ من أن نقدّم المنظور النفسيّ الديناميّكيّ Psychodynamic، وكذلك المنظور التحليليّ Psychoanalysis، للفهم الأفضل لهذه الأعراض.

بما أنّ أعراض العُظام، أي الأوهام، أو الاضطرابات الهذيانيّة، متعدّدة ومتشعّبة، (راجع في هذا الخصوص المقاييس النفسيّة الحديثة للاضطرابات النفسيّة والعقليّة)، لذا، سنكتفي بالاضطرابات الهذيانيّة الوهميّة التالية:

  • الهذيان الاضطهاديّ Persecutory Delusion
  • هذيان العظمة Grandiosity Delusion
  • هذيان الغيرة Jealousy Delusion

كذلك، سنحاول فهم أوّاليّات الدفاع التي يستخدمها العُظاميّ أكثر، والبعض من سمات شخصيّته، حيث إنّ ذلك نجده كافيًا لفهم الإشكاليّة الثانية.

  1. التحليل الديناميّ النفسيّ للهذيان الاضطهاديّ:

إنّ أعراض هذا النوع من الأوهام هي في أوهام الملاحقة والتجسّس، وأوهام الإيذاء، التوهمّ بأنّ هناك شخصًا، أو مجموعة من الأشخاص تحاول النيل منه، وأنّ هناك جماعة عالميّة قد شيّدت أقمارًا صناعيّة لمراقبة تحرّكاته، وأنّ هناك من زرع في دماغه جهازًا ليسرق أفكاره، وأنّ أحدًا قد وضع سلكًا على رأسه لإدخال أفكار فيه. هذه الأعراض قد جمعتها من أرشيف الحالات التي دخلت المستشفى وتابعناها بدقّة، وهي حوالي خمس عشرة حالة مؤرشفة جيّدًا.

“إنّ أغرب الحالات العُظاميّة التي سيطر على سلوكها أغرب الأوهام التي عايشتها، هو ذلك السلوك المُتمثّل بتناول الطعام والمأكولات كافّة تحت السرير المُغطّى بالشرشف”. وبعد البحث والتدقيق، تبيّن أنّ سلوكه هذا كان يستند إلى أنّ هناك مجموعة من الممرّضين “قادرة على رشّ السمّ بطعامه” بواسطة عيونها، لهذا فهو لا يأكل إذا قدّم له الممرّضون وجبات الإفطار، أو الغذاء، أو العشاء، فما كان إلاّ أن يذهب لوحده حاملًا إناءً مقفلًا إلى المطبخ، ويطلب من الطبّاخ سكب الطعام مباشرةً، ومن ثَمَّ يقفل الإناء، وهو عبارة عن طنجرة لها مفتاح، ثمّ يعود مسرعًا إلى غرفته ويجلس تحت سريره المُغطّى بالشرشف، ثمّ يتناول طعامه، وإلاّ فهو يمتنع عن ذلك لأيّام.

هذا العُظاميّ قَدِم من منزل أهله حيث كان لديه وهم أنّ أمّه تدسّ السّم له في قهوته وطعامه حتّى غدا تواجده في منزل أهله مستحيلًا، وذلك لأنّه كان ينقطع عن الأكل، ويظنّ أنّ كلّ الأهل أصبحوا متآمرين عليه أيّ إنّه عمّم الفكرة الاضطهاديّة من مصدرها وهي الأمّ، إلى كلّ الأهل”.

هنا يقع على عاتقنا كمتخصّصين، معرفة أنّ العُظاميّين الذين يدخلون المستشفى، هم بالحقيقة أُدخلوا عنوةً، لأنّه من النادر أن يدخل الشخص الذي لديه هذه الأعراض طوعًا، كونه يعتقد نفسه صحيحًا ومعافًى نفسيًّا وغيره هم المرضى. لهذا، فهو يدخل إمّا بواسطة إشارة النيابة العامّة الاستئنافيّة، وإما بمساعدة فريق متخصّص، بعد أن يكون قد شكّل إزعاجًا للسلطات المحلّيّة من كثرة اتّصالاته معهم، والشكوى الوهميّة عن الناس الذين يهدّدون حياته. ولا يتوقّف هنا مستوى الإزعاج، بل يتخطّاه ليصبح مصدر تهديد لغيره وخصوصًا أهله.

عندما نريد أن نُحلّل سلوك الرفض هذا، هو في الحقيقة رفضًا للعلاج، فهو إذًا سلوك مقاومة، وهذا بحدّ ذاته يُشكّل تحدّيًا للمتخصّصين في هذا المجال من ناحية تنفيذ البروتوكول العلاجيّ. لذا، وَجَب علينا كمتخصّصين التعامل جيّدًا مع هذه المقاومة، كفريق علاجيّ متعدّد المَهَمّات.

كذلك في سلوك الرفض، نجد أوّاليّة الإنكار، هذه الأوّاليّة قد ترافق الإرهاصات الأوّاليّة الهذيانيّة، التي انبثقت في فكر العُظاميّ، خصوصًا عندما يتداخل الشكّ مع اليقين في البدايات المرضيّة. هذا التداخل لا شكّ في أنّه يخلق قلقًا أوليًّا، لهذا يُصرّح العُظاميّون بأنّهم، في البدايات الأوليّة للأفكار الاضطهاديّة، كانوا غير مرتاحين، وكأنّهم يدخلون في شيءٍ جديدٍ غير مألوف. أحدهم يقول: “كنت أُفضّل فنجان القهوة من يد أمّي، ومن أَصدق من الأمّ في عمل فنجان “مظبوط” لابنها الوحيد، هو حبيبها وهي أعزّ حبيبة[2]. بعدين بلّشت أشكّ في أنّ أمّي من الممكن أن تؤذيني، لأنّ أبي ضغط عليها. أبي مجرم وهي خاضعة له، والنساء أذيّتهم صامتة. ألا تعرف يا دكتور كيد النساء؟ هذا الكيد يصل بهنّ إلى حدّ قتل أيّ أحد. في الحقيقة النساء مثل الأفاعين لا تحسّ بهنّ إلاّ عندما تلدغنك”.

هذا حوار من الأرشيف، يحتوي أسئلة وأجوبة فقمت بجمعها وترتيبها ليصبح نصًّا واضحًا للقارئ.

إنّ التحليل الديناميّ النفسيّ والبنيويّ لهذا النصّ، يمكن أن يعطينا الإشارات التالية:

  • إشارة مؤكّدة لتحوّل العلاقة بينه وبين الأمّ، من مشاعر حبّ وتعلّق وأمان، إلى علاقة تتّسم بالحذر والشكّ.
  • الشكّ هنا بالمحبوب الأوّل، ألا وهو الأمّ، وبما أنّ الشكّ محبط في بداياته لأنّه غير متوقّع، إذًا، فهو استعان بالأب كتبرير لتشويه صورة الأمّ المُحِبّة والمُضَحِّيَة في فكره ووجدانه، لأنّه كما قلنا، الأمّ رقم صعب في خيال الكائن الإنسانيّ وفي حياة الكائن الأدنى من الإنسان.
  • استخدم أوّاليّة الإسقاط البديل (مصطلح خاصّ بنا)، أي إنّ الصورة المشوّهة للأب كانت راسخة في ذهنه، لأنّ الأب كان مضطهدًا وعنيفًا، ولأنّه غير قادر على مواجهة الأب، لذا فإنّ هذا التشويه كُبت لفترة طويلة من الزمن. وكلّ كبت ينمو بجواره بذور العدوان، أي إنّ العدوان هو طفيليّ الكبت، وسلوك التشويه كان أهون على هذا الفتى، عندما كان يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا. لأنّه ليس قادرًا على الثورة بوجه الأب الذي باعتقاده كان ظالمًا. ولمّا استنجد بالأمّ، في عمر الواحد والعشرين ليحترمه الأب ويعيّنه في عملٍ ما، لم تكن الأمّ قادرة على مفاتحة الأب، وذلك كون العلاقة كانت متشنّجة بينهما. (أب يقول لابنه أنت فاشل، وصايع، وبلا قيمة، وولد يكره أبيه) هذا قول الأمّ. عندها، وفي لحظةٍ ما ومكان ما، لا يمكن قياسهما من قِبل أيّ متخصّص، تولّدت بذور الاضطهاد عندما شعر بأنّ أمّه متآمرة عليه وبأمرٍ من أبيه. ولكي يُغذّي بذور الاضطهاد هذه، أسقط التشويه المكبوت والمزمن، الذي كان خاصًّا لأبيه، على أمّه، فأصبحت صورتها مشوّهة، هنا، أزاح موضوع الكبت، وقذف بموضوع الشكّ نحو الأضعف في العلاقة ألا وهي الأمّ في مجتمعنا الشرقيّ التي تُحمّل الكثير من الفشل في بنية العلاقات الأسريّة، لأنّها ومع الأسف هي الأضعف. إذًا أصبح موضوع الأم، موضوعًا مهددًا لوجوده. ولما كانت العائلة (أخواته وأخوته وأبيه) حشدوا مع الأم ورفضوا أفكاره العُظاميّة الاضطهادية، لجأ إلى التعميم (كل الأسرة تكرهني). وهو في الحقيقة قد عمّم الكره والميول العدوانية حيال أسرته. وهو نوع من الإسقاط المباشر.

إن ميكانيزم الإسقاط Projection، وُجد حيث وُجد العُظاميّ (راجع Munro, A, 1994)، وهو الميكانيزم الذي يستخدمه الكثير من العُظاميّين لتسوية العلاقة بالواقع. ولكن، نتيجة لخبرتنا، هناك أنواع من الإسقاط غير التماهي الإسقاطي، هو مثلًا الإسقاط البديل.

أمّا في خصوص المواضيع الاضطهاديّة الأخرى، فلكلّ عُظاميّ، ديناميّة علائقيّة نفسيّة تؤسّس للإرهاصات الأوليّة للفكرة الاضطهاديّة خاصّته، هذا ما التمسناه بالخبرة عن المشترك في العناوين التي لها علاقة بأواليّات التوافق، كالكبت، والتبرير، والإزاحة وغيرها، فهي موجودة في منظومة العُظاميّ الهذيانيّ، ولكنّها تختلف بأواليّاتها، وتتمايز بتراتبيّتها الزمنيّة في حياة الاضطهاديّ، والتشكلات الأخرى المرافقة لها من شكّ، وتحريف، وتشويه تتعدّد أيضًا. وهذه ميزة الخبرة في هذا الميدان، حيث إنّ المرضى خير معلّم في مجال فهم الاضطرابات النفسيّة والعقليّة، ومنها اضطراب الهذيان (راجع Patrick, C, 1990 ).

إنّ الذي تقدّم، يؤكّد بلا أدنى شكّ أنّه لا زلنا بحاجة إلى فهم أفضل وأعمق لأعراض الاضطراب الهذيانيّ، وخصوصًا من المنظور النفس – ديناميّ والتحليليّ فيما يخصّ جذور الأفكار الهذيانيّة الاضطهاديّة، وحركتها في مسار حياة العُظاميّ.

  1. التحليل الديناميّ النفسيّ لهذيان العظمة Grandiosity Delusion

إنّ هذا النوع من الهذيان، هو الذي أعطى الهُويّة لهذا الاضطراب. لقد أضافه فرويد، كنوع من أنواع الهذيان الذي يحصل لدى العُظاميّ، بالإضافة إلى هذيانيّ الاضطهاد، والعشق، والغيرة (Freud, S, 1959).

إنّ مضمون هذيانات العظمة في العالم الإسلاميّ والعربيّ، غالبًا ما تكون دينيّة، هذا ما التمسناه في عملنا الميدانيّ. أقول هذا، لأنّه من خلال قراءاتي لبعض الملفّات من أرشيف الحالات العُظاميّة في الغرب، وجدت أنّ منظومة الهذيانات متنوّعة من ناحية العظمة، مواضيعها رؤساء، فنّانين، رموز أسطوريّة وقليل منها مواضيعه دينيّة. مهما يكن من أمر فإنّ الهذيانات التي لها علاقة بالعظمة الدينيّة. ومن خلال الأرشيف الخاصّ بنا، يتكرّر بها كثيرًا رموز الأنبياء، والأولياء، والأئمة، كذلك فإنّنا لمسنا ما نسمّيه الهذيانات الدينيّة التبادليّة (مصطلح خاصّ) بين الأديان. فمثلًا، مسلم يتّخذ موضوع هذيانه، رموز دينيّة مسيحيّة والعكس، والسبب في ذلك هو الاختلاط الثقافيّ والدينيّ.

كذلك هناك هذيانات متعلّقة بالإنجازات العظيمة، ولقد التمسنا حالة تدّعي أنّه هو الذي أسّس الأمم المتّحدة مع العلم أنّه ولد بعد تأسيس عصبة الأمم بأربعين سنة. وهذيانات لها علاقة بالانتصار في الحروب، أو هم أحفاد الملك الفلانيّ، أو الزعيم الفلانيّ.

في المبدأ، مضمون هذيان العظمة، يرتبط بثقافة الفرد، وحركة مثال الأنا لديه. وهل مثال الأنا هذا كان متكيّفًا مع الجماعة الثقافيّة التي ينتمي إليها؟، أم كان مهمّشًا؟

كذلك، فإنّي أريد أن أوضّح، أنّ التضخّم الأنويّ Grandiosity، الذي استقرّ عليه العُظاميّ، والذي ميّز تفكيره، لم يحدث الآن، بل هو نتاج سلسلة من الأحداث والتطوّرات الفكريّة التي كانت قد أخذت سنين طويلة لكي تستقرّ على هذه الفكرة الوهميّة بالنسبة إلى المحيطين به، ولكنّها الفكرة الواقعيّة التي يستميت في الدفاع عنها.

أي إنّ العُظاميّ، كان قد “نحت” الأفكار والحجج التي تقرّب وهمه من منطق السامعين. لهذا نقول، إنّ العُظاميّ ذكي، ولكنّه ذكيّ بالتحريف المتّقن إن صحّ التعبير. مثالنا على ذلك، الحالة التي التمسناها سنين طويلة داخل المستشفى، وسمّيناها حالة الدين الجديد. وباختصار، رجل محامي، كان يبلغ من العمر 51 سنة، عندما التقيناه في المستشفى، وكان قد دخل المستشفى بعمر السبعة والثلاثون عامًا، غير متزوّج، وينتمي إلى أسرة متوسّطة الحال، ولكنّها معروفة في وسطها، يدّعي أنّه مخترع القرآن الإنجيليّ التوراتيّ القائم في المضمون على شورى الإمام الحسين. ولما كان لكلّ دين لغته، كان عليه اختراع لغة، يكتب بها نصوص هذا الدين لكي يشرحه للآخرين بغية انضمامهم إلى هذا الدين. هذه اللغة تشبه الخطّ الكوفيّ، ولكن الكلمات والجُمل ليس لها معنى باللغة العربيّة. لذا عندما كان يعطيني نصًّا، أطلب منه أن يقرأه هو لأنّي لا أعرف قراءته بحسب هذه اللغة التي يعتمدها. القراءة غير مفهومة، ولكنّه كان يشرح لي معناها.

بعد البحث والتدقيق، تبيّن أنّ بعض هذه الجمل المكوّنة لهذه اللغة هي آيات قرآنيّة كان قد حرّف في شكل الكلمة وتركيب أحرف الكلمة وتراتبيّة الأحرف، وتراتبيّة الكلمات في الآية. ولكي لا يُكتشف لم يكتب باللغة العربيّة،لأنّنا سنكتشف ذلك، فكتب بهذه الصورة الشكليّة.

إنّ التحريف في خدمة المعتقد ثقافة بعض الأسوياء، فكيف هو عليه عند العُظاميّين؟ أضف إلى أنّ تحريف الآيات القرآنيّة (هو مسلم) يفترض تشويهها Distortion ومن ثَمَّ تحويلها في خدمة معتقده الواهم. كذلك فقد استعار من الإنجيل، بعض الآيات، وكذلك من مزامير داوود.

إنّ هذا التوليف، ليس بالإمكان تفسيره لأن النفساني كان يجب عليه ان يكون ضليعًا في التفسير لكتب الديانات التوحيدية الثلاث، ولكن ما قمنا به هو البحث في المشترك بين هذه الأديان.

إن المجال لا يتّسع لشرح حيثيات هذه الحالة، حيث إنّنا سنحاول نشر الحالات التي اطّلعنا على ملفّاتها عندما تسنح لنا الفرصة. ولكن بالعودة إلى هذه الحالة التي سأشرح من خلالها هذيان العظمة، هو في تاريخيّة المرض الذي تطوّر عنده.

هذا الفتى كان ناصريًّا في ريعان شبابه، وكان الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله، رمزه ومثاله، (يقول كان كلّ شيء)، فعندما أمّم قناة السويس، ذهبتُ إلى مصر من دون ما أملك قرشًا، وكنتُ حافيًا في بعض الأحيان. كان رمز قوّتي، وشرفي، وعزّتي، وكان أمل هذه الأمّة، ولكن عندما مات انتكستُ وتهتُ في الشوارع. شعرت بالضياع وأنّ أحلامي قد تحطّمت. منذ ذلك الحين، تبدّلت أموري النفسيّة، أصبحت ناقمًا، خصوصًا على الفلسطينيّين، لأنّهم فتحوا معركة الأردن، وجاء عبد الناصر لكي يُصلح بين الفلسطنيّين والأردنيّين، ولكن القتال استمرّ، وأُصيب عبد الناصر بالسكتة القلبيّة حال رجوعه من الأردن. لو كان باقيًا لكنّا قد حرّرنا فلسطين.

نعم، انهيار الرمز يؤدّي عند بعض الناس إلى انهيار في الشخصيّة، لأنّه كان قد وظّف طاقة الحبّ حياله وسلّم له كلّ ما يملك من فكر ووجدان. إذًا، هو حالهُ حال المغروم الذي يخسر فجأةً حبيبته. إنّه مرّ بخسارة وجدانيّة، عاطفيّة، عقائديّة لا تُعوّض، لهذا حصل له انهيار نفسيّ ناتج عن الجرح النرجسيّ الذي أصاب شخصيّته.

السؤال الذي طرحناه على أنفسنا، ما الذي أدّى به إلى الهذيان الدينيّ؟ ولكوني مطّلع جيّدًا، وباحث في تاريخ هذه الحالة، أقول: إنّ الفكر القوميّ الذي كان يعتنقه هذا الفتى الناصريّ، كان متوجّهًا في جزء منه إلى تحرير فلسطين، وحقّق انتصارات في هذا المجال وكذلك انتكاسات. لكن كان هناك أمل بوجود الزعيم عبد الناصر. سقط هذا الأمل، شكّك في الفكرة، اتّجه إلى التيّارات الدينيّة علّه يجد البديل. وكان يدخل في حوارات معهم، ولكن وجدهم بعيدين عن خطّ تحرير فلسطين. عندها، اتّجه نحو الذات، وحدثت القفزة من مشاعر الإحباط والانكسار النفسيّ، والخوف على المصير، والشعور بأنّ الأمّة مستهدفة، وهذا شعور اضطهاديّ، إلى احتواء هذا الاضطها، ومن ثَمَّ القفز إلى منظومة التضخّم الأنويّ، والدخول في نسق مشاعر العظمة.

تحقّق ذلك بالاقتراب من الله، هو العزيز الحكيم القدير على حدّ قوله (قول المريض). طبعًا نحن نؤمن بعزّة الله. هذا الاقتراب استغرق سنين، إلى أن توصّل إلى هذا الاختراع القرآنيّ الإنجيليّ التوراتيّ المبنيّ على شورى الإمام الحسين. هذه عقيدة جامعة توحيديّة، وهو سيتكفّل بإيصالها إلى الناس ابتغاءً لرضى الله، والله فقط. هنا الرمز الإنسانيّ المفقود، يرمز إلى الذات الإلهيّة، حيث انتفت المسافة بينه وبين الله. حتّى إنّه ادّعى النبوّة، وأنّ الله قد كلّفه بنشر هذا الدين. فعندما نزل إلى الشوارع، وإلى الجوامع يدعو إلى هذا الدين، بدأت المشاكل بينه وبين مجتمعه، إلى أن استقرّ في المستشفى كإقامة طويلة.

أردتُ في هذا الاختصار أن أقول: إنّ التوازن النفسيّ في جزء منه قائم على الرموز – رموز دينيّة، أو دنيويّة، إنهيارها يولّد مشاكل نفسيّة لدى البعض، خصوصًا من لا يمتلك الحصانة العاطفيّة والوجدانيّة التي قد تعينه عند الأزمات. لذا كانت شخصيّة هذا الفتى جوفاء، وما ادّعاؤه إلاّ سلوك موارب لكي لا يكشف الانكسار الوجوديّ الذي مرّ به.

السؤال الذي يحمل سمة الجديد في هذا البحث، هو إذا كان الهذيان العُظاميّ الذي يعبّر عن التضخّم الأنويّ، هو نتاج لهذيان اضطهاديّ؟ الجواب، وحسب الخبرة، نعم، لأنّه ليس كلّ شخص عُظاميّ قادر على تحمل القلق الذي يشعر به نتيجة الأوهام الاضهاديّة. إنّه ينزعج جدًّا من سمة العجز Powerless، لأنّها إذا ظلّت تراوده بشكل دائم، فالقلق سيتصاعد Generation of Anxiety . لهذا تحدث لديه انتفاضة داخليّة باتّجاه الذات، فيفرض إبدالها، لذا يذهب إلى العظمة، وتعني القوّة Powerful، وهنا استبدل العجز بالقوّة، وهو استبدال هواميّ، وهميّ.

تستدعي هذه القفزة أيضًا التخلّص من صفات الشخصيّة ذات النزعة الاضطهاديّة كلّها، كصفة الشكّ، والتفسير المشوّه للواقعDistortion Interpretation ، ومن ثَمَّ الانتقال إلى أوهام العظمة، الادّعاء بالنبوّة والتفوّق، والشعور الوهميّ بتقدير الذات. هنا، مستوى القلق انحداريّ لأنّ العقيدة الوهميّة قد ترسّخت، وفيها شيء من التسامي Sublimation، وأنّ الشخصيّة تعيش أجواء نرجسيّتها. إذًا، الذين لديهم وهم العظمة متصالحين مع ذواتهم، على شرط أن لا تهدّد عقيدتهم الهذيانيّة، وهذا هو المشكل في منظومة العلاقات مع هؤلاء.

أمّا في خصوص أوهام الغيرة، فهي قليلة مقارنة بالأوهام الاضطهاديّة والعُظاميّة، وتحصل غالبًا في العلاقات العاطفيّة، وجذورها طفوليّة، تتعلّق بالمواضيع الأوليّة التي ارتبط بها الطفل منذ ولادته، وكذلك تتعلّق بالتثبيتات. إنّ أوهام الغيرة، وفق خبرتنا، تؤدّي إلى أوهام، ومشاعر اضطهاديّة. المحبّ يشعر أنّه مضطهد من قبل المحبوب، يهمله أو يخونه. إنّ مشكلة أوهام الغيرة، من الممكن أن تؤدّي إلى حالات عدوانيّة شديدة لدى العُظاميّ، كحالة زوج قتل زوجته تحت وهم الشكّ في أنّها تخونه. إنّ أوهام الغيرة هي نتاج التفاعل العاطفيّ، والإشباع اللبيديّ.

إنّ طبيعة الشخصيّة العُظاميّة هي بالتأكيد شخصيّة هجاسيّة، أو ذات نمط هجاسيّ، وإلاّ من أين تأتي كثافة الشكّ، وهي شخصيّة عاجزة فارغة من الداخل، فهي تنهار عند أيّ خسارة، وهي شخصيّة ذات نزعة نرجسيّة، أي لديها ميل في حبّ الذات، والتفوّق خصوصا عند الشخص الذي لديه وهم العظمة.

يتّضح ممّا تقدّم، أنّنا بحاجة دائمًا إلى فهم أفضل لأعراض الاضطراب العُظاميّ، وأنّ المنظور النفسيّ الديناميّ، والتحليل مهمّ في ذلك، لأنّ الوضعيّات النفسيّة ليست عفويّة جامدة، بل وضعيّات نفسيّة فكريّة متحرّكة.

  1. الخلاصة:

إنّ البحث في العُظام مهمّ لتعزيز تمايز علم النفس وقدرته على معالجة المواضيع التي تحمل شيئًا من الجدل والتعقيد. وقد اتّضح كم هو معقّد هذا الموضوع من الناحيتين التشخيصيّة، والتفسيريّة، التأويليّة، ولقد بيّنا كم هو مهمّ التفسير الديناميّ النفسيّ لمنظومة الأمراض العقليّة والنفسيّة، وذلك للتداخل بينها وبين أعراضها.

نرجو أن نكون قد وفّقنا في ذلك، وأن نكون قد دمجنا خبرتنا في هذا المجال من خلال ما أوردناه في هذا البحث.

المصادر

  1. American Psychiatric Association, DSM-IV, 2000.
  2. Bentall, RP; Taylor, JL (2006): Psychological Processes and Paranoia, Behavioral Sciences and Law, 24 (3).
  3. Bleulor, E, (2010): The Theory of Schizophrenia, Nahu Press.
  4. Ellis, H.D, Young, A.W, (1990): Accounting to Delusional Misidentification; The British Journal of Psychology, 157 (2).
  5. Fodor N, and Gaynor F. (1950): Freud Dictionary of Psychoanalysis, Philosophical Library, New York.
  6. Freud, S, (1959): Recommendation in The Technique of Psychoanalysis, Collected Papers, Vol 2, New York, Basic Book.
  7. Freud, S, (1971): L`Avenir d`une illusion, P.U.F, Paris.
  8. Freud, S, (1971): Malaise dans la Civilisation, P.U.F, Paris.
  9. Freud, S, (2002): Civilization and it`s Discontent, Penguin, London.
  10. Joseph, B, (1988): Projective Identification, Melanie Klein Today, Vol. 1, PP 65 – 78.
  11. Hareman, BL, (1946): Encyclopedia of Psychology, New York.
  12. Klein, M, (1947): Notes on some Schizoid mechanism, International Journal of Psychoanalysis, Nº 27.
  13. Kraepelin, Emil, (2010): Paranoia and Different Forms of Delusions, Oak
  14. Lacan, J, (1994): The Four Fundamental Concepts of Psycho – Analysis, Penguin, London.
  15. Lagache, D, (1993): The work of Daniel Lagache, Karnack Books, London.
  16. Mronski, J, Ross, Gl, (1983): Paranoia and the Structure of Powerlessness, American Sociological Review, 48 (2).
  17. Munro, A (1994): Delusional Disorder, Cambridge University Press- London.
  18. Noll R, (2011): The Rise and Fall of Dimension Praecox, Harfard University Press.
  19. Patrick Casement, (1990): On learning from the Patient, London.
  20. Perry, J.C, and Others, (2013): Defense mechanism in Schizophrenia type, Borderline Antisocial, and Narcissistic Personality Disorder, Psychology 76 (1).
  21. Porot A, (1960): Manual Alphabétique de psychiatrie, P.U.F, Paris.
  22. Rosenfield, H, (1947): Analysis of Schizophrenic Stat with Depersonalization, International Journal of Psychoanalysis, 28.
  23. Roudinesco, E (1997): The Four Fundamental Concepts of Psycho – Analysis, Penguin, London.
  24. Roudinesco, E, (1997): Jacques Lacan, Oxford University Press, London.
  25. Shephard, M, (1995): Two Faces of Emil Kraepelin, The British Journal of Psychiatry, 167 (2).
  26. Spillius, EB, (1989): Melanie Klein Today, Vol,2.
  27. Waldinger, RJ, (1997): Psychiatry for Medical Students, American Psychiatric Journal, August.

[1]  لاغاش لديه كتاب عنوانه وحدة علم النفس، نُشر في باريس سنة 1966 وتُرجم إلى العربية.

[2]   نص باللّهجة العامّيّة اللبنانيّة في الأصل، ولكن قمتُ بتعديله وفق اللغة العربيّة الفصحى. النصّ جزء من حوار دار بيني وبين أحد العُظاميّين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website