التّقاطع بين نظريّة إدارة الخوف والقلق المالي: استكشاف التّأثير النّفسي للمخاوف الاقتصاديّة على الشّعب اللبناني
التّقاطع بين نظريّة إدارة الخوف والقلق المالي: استكشاف التّأثير النّفسي للمخاوف الاقتصاديّة على الشّعب اللبناني
The Intersection of Terror Management Theory and Financial Anxiety: Exploring the Psychological Impact of Economic Concerns on Lebanese People
Prince Ruby Razzouk برنس روبي رزّوق([1])
تاريخ الإرسال: 12-8-2024 تاريخ القبول: 30-8-2024
الملخص: يواجه اقتصاد لبنان تحديات كبيرة خاصةً في السّنوات الأخيرة، مع ارتفاع معدلات التّضخم، وانخفاض قيمة العملة، وعدم الاستقرار السياسي بعد انتشار فيروس كورونا (COVID-19)، وانفجار مرفأ بيروت، كلّ هذا ساهم في انتشار المخاوف المُتعلقة بالمال بين مواطنيه.
تفترض نظريّة إدارة الخوف (Terror Management Theory) أن وعي الإنسان لحتميّة الموت والفناء يُحفز الحاجة إلى دفاعات نفسيّة والتي تشمل المعتقدات، والرؤية الثّقافيّة والحفاظ على تقدير الذّات (self-esteem). يمكن للمخاوف الاقتصاديّة، وخاصة تلك المتعلقة بالمال والاقتصاد، أن تؤثر بشكل كبير على القلق الوجودي للأفراد. تستكشف هذه المقالة العلاقة بين نظريّة إدارة الخوف والمخاوف المتعلقة بالمال والاقتصاد في لبنان، مُسلطة الضوء على كيفيّة تأثير القلق الوجودي على مواقف الأفراد وسلوكياتهم في مواجهة عدم اليقين الاقتصادي، ما يدفعهم إلى البحث عن حلول رمزيّة لتّخفيف من قلق الموت.
الكلمات المفتاحيّة: نظريّة إدارة الخوف، القلق المالي، المخاوف الاقتصاديّة، التّهديدات الوجوديّة، آليات التكيّف.
Abstract
The economy of Lebanon has been facing significant challenges in recent years, with high inflation rates, a depreciating currency, and political instability following the spread of COVID-19, the Beirut harbor explosion all of this contributed to widespread financial concerns among its citizens.
Terror Management Theory (TMT) posits that human awareness of mortality drives the need for psychological defenses, which include cultural beliefs and self-esteem maintenance. Economic concerns, particularly about money and the broader economy, can significantly impact individuals’ existential anxiety. This article explores the relationship between Terror Management Theory (TMT) and worries about money and the economy in Lebanon, highlighting how existential anxieties can influence individuals’ attitudes and behaviors in response to economic uncertainties, leading them to seek symbolic solutions to alleviate their fear of mortality.
Keywords: Terror Management Theory, financial anxiety, economic concerns, existential threats, coping mechanisms
المقدمة
أدت الأزمة الماليّة اللبنانيّة، التي بدأت في العام 2019، إلى عدم استقرار اقتصادي واسع النّطاق واضطرابات اجتماعيّة، ما أثر بشكل عميق على الصّحة النّفسية للبنانيين. تستكشف هذه المقالة ظاهرة القلق المالي بين المواطنين اللبنانيين من خلال عدسة نظريّة إدارة الخوف (TMT)، وهي إطارٌ نفسي يدرس كيفيّة تعامل الأفراد مع وعيهم بحتميّة الفناء والموت. بناءً على ذلك يُوفر التّدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاجتماعي في لبنان سياقًا فريدًا لدّراسة التّفاعل بين انعدام الأمن المالي والمخاوف الوجوديّة. من خلال تطبيق نظريّة إدارة الخوف على الأزمة الماليّة اللبنانيّة، تهدف هذه المقالة إلى توضيح الآليات النّفسيّة الكامنة وراء القلق المالي، وتأثيره على السّلوك الفردي والمجتمعي.
تكمن أهمية هذه الدّراسة في إمكانيتها لتعزيز فهمنا لكيفيّة إدارة الأفراد للخوف والقلق في مواجهة عدم اليقين الاقتصادي، خاصة في سياق ثقافي يرتبط فيه الاستقرار المالي ارتباطًا وثيقًا بالمكانة الاجتماعية والقيمة الشّخصيّة. علاوة على ذلك، قد تُسهم الرؤى المستخلصة من دراسة لكيفيّة إدارة الأفراد للخوف والقلق وتحليلها، في توجيه السياسات والتّدخلات النّفسية التي تهدف إلى التّخفيف من آثار الأزمات الماليّة على الصّحة النّفسية.
خلفية الوضع المالي في لبنان: تنبع الأزمة الماليّة الحالية في لبنان من تفاعل مُعقد بين العوامل التّاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، حيث البلد الذي كان يُعرف سابقًا باسم “سويسرا الشّرق الأوسط” لصناعته المصرفيّة ومرونته الاقتصاديّة، بدأ في إظهار علامات الضائقة الاقتصاديّة في أواخر العام 2010، والتي بلغت ذروتها في أزمة كاملة في العام 2019. لطالما تميز النّموذج الاقتصادي اللبناني باعتماده الكبير على الخدمات، وخاصة الخدمات المصرفيّة والسياحة، والتّحويلات الماليّة من جاليته الكبيرة في الخارج. هذا النّموذج إلى جانب سعر الصرف الثابت لليرة اللبنانيّة مقابل الدوّلار الأمريكي، خلق وهمًا بالاستقرار أخفى نقاط ضعف هيكليّة أساسيّة، بما في ذلك الدين العام الكبير، والعجز في الحساب الجاري، والاعتماد المفرط على تدفقات رأس المال الأجنبي (ArabianBusiness.com, 2021).
الجوانب الرئيسة للأزمة
- انخفاض قيمة العملة: فقدت الليرة اللبنانيّة أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ العام 2019. أدى هذا ال انخفاض الحادّ في القيمة إلى إضعاف القوّة الشّرائيّة بشكل كبير في مجتمع يعتمد بشكل كبير على السلع المستوردة.
- الأزمة المصرفيّة: أدى نقص احتياطيات العملات الأجنبيّة إلى فرض قيود غير رسميّة على حركة رأس المال، ما حدّ من وصول المودعين إلى مُدخراتهم. أدى هذا إلى ” ليْلرة” الودائع بالدّولار، مع إتاحة السّحوبات فقط بالليرة اللبنانيّة بأسعار غير مواتية.
- تَخَلف لبنان عن سداد الدّيون لأول مرة في مارس 2020، ما أدّى إلى جعل نسبة دين وطني إلى الناتج المحلي الإجمالي تُصبح غير مستدامة، كما أدّى هذا التّخلف عن السّداد إلى تآكل ثقة المستثمرين وقطع لبنان عن أسواق رأس المال الدّوليّة.
- التّضخم المفرط: شهدت السّنوات الأخيرة معدلات تضخم سنويّة تصل إلى 200%، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات الأساسيّة، ما دفع الكثيرين إلى دون خط الفقر.
- البطالة: تسبب الركود في فقدان كبير في الوظائف وإغلاق الشّركات، إذ ارتفع معدل البطالة بشكل كبير، خاصة بين الشباب، ما أدى إلى تفاقم هجرة الأدمغة والاضطرابات الاجتماعية.
- عدم الاستقرار السياسي والفساد والطائفيّة أعاقت إدارة الأزمة والإصلاحات.
- إنهيار البنية التحتيّة: أدى سوء الإدارة والميزانيّة غير الكافية إلى تدهور الخدمات الأساسيّة مثل الكهرباء والرّعاية الصّحيّة والتعليم، إذ أصبحت انقطاعات التيار الكهربائي اليوميّة ونقص الأدوية ومغادرة المهنيين ذوي الخبرة أمرًا شائعًا.
- الصدمات الخارجيّة: وضعت جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت المدمر في أغسطس 2020 ضغوطًا إضافيّة على الاقتصاد والموارد العامة.
كان لهذه الأزمة المتعددة الأوجه آثار عميقة على اللبنانيين، إذ وصف البنك الدّولي هذه الأزمة أنّها واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصاديّة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التّاسع عشر. في العام 2023 قدّرت الأمم المتحدة أنّ أكثر من 80% من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر، مع مواجهة الكثيرين لانعدام الأمن الغذائي، نتيجةً لذلك تعرضت الطبقة الوسطى، التي كانت سِمة مميزة للمجتمع اللبناني، لضرر شديد إذ سعى العديد من المهنيين، بما في ذلك الأطباء والمهندسين والمعلمين، إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، ما أدى إلى هجرة كبيرة للأدمغة، بناءً على ذلك نرى أن الطبيعة المفاجئة والحادة للانهيار الاقتصادي تركت العديد من اللبنانيين يواجهون مستقبلًا مُبهمًا بسبب انعدام الأمان المالي، وفقدان المدخرات. هذه البيئة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطراب الاجتماعي خَلَقت أرضًا خصبة للقلق المالي ونَشَرته على النطاق واسع، ما أثر بشكل عميق على الصّحة النّفسية للبنانيين (Human Rights Watch, World Report, 2023).
نظريّة إدارة الخوف Terror Management Theory
طُوِّرت في العام 1986 نظريّة إدارة الخوف من علماء النفس الاجتماعي وهم: جيف غرينبرغ وتوم بيشزينسكي وشيلدون سولومون. تسعى نظريّة إدارة الخوف إلى تفسير جانب من التّفكير والسّلوك الدّفاعي عند البشر النّاجم عن الوعي والخوف من الموت. تفترض هذه النّظريّة أن البشر والحيوانات لديهم سِمات مشتركة عديدة منها الدّافع الغريزي للحفاظ على الذّات، لكن البشر على عكس الحيوانات الأخرى، طوروا قُدرات معرفيّة سَمَحت لهم أن يكون لديهم وعي وإدراك لذاتهم وقُدرة على التخطيط للمستقبل. هذه القُدرات المعرفيّة جَعلت الناس واعين ومُدركين لحتميّة الموت، فهم يفهمون أنّ الحياة يمكن أن تنتهي فجأة في أيّ وقت، الأمر الذي خَلق صِدامًا بين غريزة الحفاظ على الذّات لدى البشر مع فهمهم لحتميّة الموت، ما جعل النّاس يختبرون القلق والفزع والرعب عندما يفكرون في فنائهم وموتهم. حاول النّاس الهروب من ذلك من خلال دمج أنفسهم في هياكل ثقافيّة وحضاريّة تُوفر تجاوزًا وإرتقاءً للذات (مثل الدّين والعائلة والسياسة وما إلى ذلك). وفقًا لنظريّة إدارة الخوف، يشعر البشر بالتهديد بسبب الوعي بوجود وحتميّة الموت ويواجهون هذا التّهديد من خلال الاستثمار في الأنظمة الثّقافيّة، والحضاريّة التي تجعلهم يشعرون أنّهم أكثر من مُجرد حيوانات فانية. من خلال المشاركة في هذه الأنظمة وعدِّ أنفسهم ذوي قيمة داخلها، يتمكن الناس من الحفاظ على الاعتقاد أنّه على الرّغم من موت الجسد، فإنّ الذّات تستمر في البقاء ولو بشكل رمزي على الأقل من خلال الأثر أو البصمة التى تركوها خلفهم (Greenberg, Pyszczynski, & Solomon, 1986).
المفاهيم الرئيسة لنظريّة إدارة الخوف
- بروز الوعي لحتميّة الموت: الوعي بحتميّة الموت يؤدي إلى القلق الوجودي.
- حاجز القلق: تعمل الرؤى الثّقافيّة للعالم وتقدير الذّات كحواجز نفسيّة ضد قلق الموت.
- الرؤى الثّقافيّة والحضاريّة للعالم (Cultural Worldviews): تشمل المعتقدات المشتركة حول الواقع التي توفر المعنى والنّظام والوعد بالخلود الرّمزي أو الحرفي.
- تقدير الذّات: يتأتى تقدير الذّات من عيش الفرد وفاقًا لمعايير الرؤية الثّقافيّة والحضاريّة للعالم والتي تُحدد الأهمّيّة والقيمة للفرد.
- الدّفاعات القريبة والبعيدة: تُستخدم استراتيجيات فوريّة وواعية (قريبة) واستراتيجيّات لاواعية ورمزيّة (بعيدة) لإدارة الأفكار المتعلقة بالموت (Greenberg, Pyszczynski, & Solomon, 1986).
تطبيقات نظريّة إدارة الخوف: إنّ بروز الوعي لحتميّة الموت والفناء يدفع الناس إلى العمل بِجِد أكبر للدفاع عن رؤيتهم الثّقافيّة للعالم. فعلى سبيل المثال، إن حدوث صدمة أو أزمة مُجتمعيّة يُشكل تذكيرًا صارخًا للناس بالموت الفناء، ما يدفع أفراد المجتمع الى 1- إصدار عقوبات أشد على منتهكي القيم الأخلاقيّة، 2- الاستجابة بشكل أكثر سلبيّة للأشخاص الذين ينتقدون بلدهم، 3- منح مكافآت أكبر للأشخاص الذين يحافظون على المعايير الثّقافيّة، و4- إظهار المزيد من الاحترام للرموز الثّقافيّة، مثل عَلَم البلاد. تؤدي هذه الحاجة للدفاع عن الرؤية الثّقافيّة للعالم إلى تغذية التّحيز والعدوان، لأنّ تذكير الأشخاص بفنائهم يؤدي إلى 1- تقييمات أكثر سلبيّة للأشخاص من خلفيّات دينيّة أو عرقيّة مختلفة، 2- تفكير أكثر نمطيّة حول الأفراد من الأقليّات، و3- سلوك أكثر عدوانيّة تجاه الأشخاص ذوي الآراء السياسيّة المعارضة (Greenberg et al., 1997).
تُوفر نظريّة إدارة الخوف إطارًا لفهم كيفيّة تعامل الأفراد مع وعيهم لفِكرة الموت، إذ وفاقًا لهذه النظريّة، طورت النّفس البشرية آليات دفاعيّة لإدارة المخاوف الوجوديّة، بشكل أساسي من خلال الرؤى الثّقافيّة والحضاريّة للعالم والحفاظ على تقدير الذّات. وفاقًا لنظريّة إدارة الخوف، يدفع قلق الموت الناس إلى تبني رؤى للعالم تمنحهم الشّعور بالاحترام وتقدير الذّات، والاستحقاق والاستدامة وتسمح لهم بالاعتقاد أنهم يؤدّون دورًا مهمًّا في عالم ذي معنى. غالبًا ما تؤدي غريزة البقاء لدى الإنسان، والحاجة إلى تعزيز الأهمية الثّقافيّة في مواجهة الموت، إلى إظهار التّحيز والتّعصب أو الاعتقاد أنّ المجموعة التي ينتمي إليها المرء متفوقة على المجموعات الأخرى. بهذه الطريقة، يؤكد الناس أهميتهم الذّاتية ويعزلون أنفسهم عن خوفهم العميق من أنّهم يعيشون مجرد حياة غير مهمة يمحوها الموت (Goldenberg, Pyszczynski, Greenberg, & Solomon, 2000).
وفاقًا لنظريّة إدارة الخوف، يكون الأفراد مدفوعين لتطوير علاقات وثيقة داخل مجتمعهم من أجل الشّعور بالخلود، لإقناع أنفسهم بأنهم سيعيشون بطريقة ما – ولو رمزيًّا – بعد موتهم الحتمي، ولكن المخاوف الاقتصاديّة، وخاصة تلك المتعلقة بالشؤون الماليّة الشّخصيّة والاقتصاد العام، تمثل تهديدات وجوديّة كبيرة، لأنّ عدم الاستقرار الاقتصادي، المتمثل في انعدام الأمن المالي، فقدان الوظائف أو الركود الاقتصادي، يمكن أن يكون تذكيرًا قويًّا بالموت. مثل هذه التّذكيرات تعزز القلق الوجودي وتثير استجابات دفاعيّة تتفق مع توقعات نظريّة إدارة الخوف لناحية السّلوك (Hartley & Phelps, 2012).
تؤكد نظريّة إدارة الخوف أنّ الكثير من سلوكنا مدفوع بالحاجات المتداخلة للدفاع عن رؤيتنا الثّقافيّة للعالم والحفاظ على تقديرنا لذاتنا. فعلى سبيل المثال، يرى سولومون وجرينبرج وبيسزينسكي أنّ الماديّة المُفرطة وظيفتها الشّعور بتقدير الذّات وفي الوقت نفسه تعمل كعازل للقلق، إذ إنّ الامتلاك والاستهلاك المُفرط هما محاولات مُبطنة للتّأكيد أنّ المرء مميز وأنّه أكثر من مجرد حيوان مصيره الموت والتّحلل (Solomon, Greenberg, and Pyszczynski, 2004).
كما وجدت دراسة أجراها أرندت وآخرون حول استخدام نظريّة إدارة الخوف لتفسير الاضطرابات الاكتئابيّة، إنّ الاكتئاب يحدث عندما يفشل عازل القلق لدى الأفراد، ويفقدون الإيمان بالرؤية الثّقافيّة للعالم التي تُعطي معنى لحياتهم (Arndt et al. 2000)، كما وجدت دراسة أخرى أجراها كوهن وآخرين، حول تطبقت نظريّة إدارة الخوف على العملية السياسيّة، أن الوعي والتذكير بالموت والفناء نتيجة أحداث وأوضاع مأساويّة صادمة يزيد من تفضيل المشاركين في العملية الانتخابيّة المرشحين الكاريزماتيين الذين لديهم شغف بقضية ويُعبّرون عن رؤية واضحة عما يجب فعله في وقت الأزمة، لأن اختيار هؤلاء المُرشحين يجعل الناس يشعرون أنّهم جزء من حركة مهمة ذات بصمة دائمة على المجتمع والبلد (Cohen et al., 2004).
أظهرت الدّراسات أن المخاوف الاقتصاديّة تدفع الأفراد إلى السعي، والبحث عن المعنى والأمان من خلال الثروة الماديّة أو الانجازات المهنيّة أو الالتزام بالمعايير والقِيَم المُجتمعيّة، كل هذا ليس سوى آليات لتعزيز تقدير الذّات وتوفير شعور بالسّيطرة على التّهديدات الوجوديّة الناجمة عن عدم الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، عندما تًقوَّض هذه المساعي أو تهديدها – كما هو الحال أثناء حِقَب الرّكود الاقتصادي أو الأزمات الماليّة الشّخصيّة – يواجه الأفراد قلقًا وجوديًّا متزايدًا يظهر في أشكال مختلفة مثل زيادة التّوتر، الاكتئاب أو التّغيرات في العلاقات الاجتماعيّة (Hartley & Phelps, 2012). في هذا السّياق، نجد أنّه غالبًا ما تعكس الاستجابات المجتمعيّة للأزمات الاقتصاديّة مبادئ نظريّة إدارة الخوف، لأنّ إدراك وبُروز مفهوم الموت أثناء الأزمات يدفع الأفراد إلى تعزيز تقديرهم لذواتهم، والالتزام بشكل أكثر صرامة بالقيم والمعايير الثّقافيّة. على سبيل المثال، يمكن عدُّ السّلوكيات الجماعيّة مثل زيادة القوميّة والوطنيّة أو الالتزام بالقيم التّقليديّة أو التحولات في الأيديولوجيات السياسيّة كمحاولات لتعزيز الرؤى الثّقافيّة والحضاريّة للعالم على نطاق واسع وتخفيف القلق الوجودي عند مواجهة التذكيرات بالموت، سواء أكانت ضمنيّة أو صريحة (Greenberg et al., 2003).
من ناحية أخرى، قد يواجه الأفراد مستويات مرتفعة من القلق والضيق عند مواجهة عدم اليقين أو عدم الاستقرار المالي. ويرجع ذلك إلى أن الاستقرار المالي غالبًا ما يُنظر إليه كوسيلة لتحقيق الشّعور بالسيطرة والأمان في عالم غير مؤكد. عندما يكون هذا الاستقرار مهددًا، يلجأ الأفراد إلى استخدام آليات مواجهة غير ملائمة مثل التّجنب أو الإنكار، ما يزيد من مشاعر القلق والتّوتر. لذلك عندما يُذكَّر الأفراد بموتهم، يكونون أكثر ميل للانخراط في سلوكيّات ماليّة محفوفة بالمخاطر، مثل تحمل مستويات عالية من الدّيون أو اتخاذ قرارات استثماريّة مُتهورة، ما يُشير إلى أنّ الخوف من الموت يمكن أن يدفع الأفراد إلى إعطاء الأولويّة للمكاسب قصيرة المدى على حساب الاستقرار المالي طويل الأمد (Hartley & Phelps, 2012).
بسبب القُدرات المعرفيّة العليا يعاني البشر من إدراكين متناقضين هما الرغبة في الحفاظ على الذّات الى جانب الاعتراف أن الموت أمر لا مفر منه، ما يُسبب قدرًا كبيرًا من القلق. وفاقًا لنظريّة إدارة الخوف، يسعى البشر إلى تخفيف هذا القلق من خلال تطوير أنظمة معتقدات ثقافيّة، أو رؤى للعالم توفر شعورًا بالهروب من الموت وتجاوزًا له. على سبيل المثال، تؤدي الرؤى الدّينيّة للعالم إلى معتقدات في الخلود الحرفي (أي الاعتقاد في الحياة الآخرة). علاوة على ذلك، تعزز الرؤى الدّينيّة والعلمانيّة للعالم مفاهيم الخلود الرمزي من خلال تشجيع الاعتقاد أنه حتى عندما يموت الناس، يستمر جزء من هويتهم في العيش من خلال عائلاتهم وهوياتهم الاجتماعيّة والثّقافيّة وإنجازاتهم الشّخصيّة (Greenberg et al., 2003).
علاوة على ذلك، تفترض نظريّة إدارة الخوف أنّ تقدير الذّات هو عامل رئيس في الرؤى الثّقافيّة للعالم، إذ يثق الأفراد في أنّ رؤاهم الثّقافيّة للعالم ستمنحهم الخلود، لكن هذه الثقة تعتمد على ما إذا كانوا يشعرون أنّهم أعضاء قيّمون في أنظمتهم الثّقافيّة، وعلى درجة عالية من تقدير الذّات الذي هو مقياس لقيمة الفرد الذّاتية المتصورة. نتيجة لذلك، عندما يُذكَّر الناس بفكرة الموت من خلال الأحداث الصّادمة أو الأزمات القاسية، يجب أن يبذلوا جهودًا أكبر لتحقيق والحفاظ على تقدير الذّات، بالإضافة إلى الالتزام برؤاهم الثّقافيّة والحضاريّة للعالم، لِذا من أجل تَلَقي العزاء الوجودي، يجب أن يكون الشخص واثقًا من قيمته وأهميته داخل إطار رؤيته للعالم من حوله. تُحاول نظريّة إدارة الخوف شرح كيفي يحاول البشر الواعين بفكرة الموت تَجَنُب تذكيرهم بطبيعتهم الحيوانيّة الفانية، لأنّ البشر يريدوا أن يكونوا أكثر من مجرد كائنات فانية مُقيدة بقيود بيولوجية (Routledge et al. 2010).
القلق المالي: وفاقًا للجمعية الأمريكيّة لعلم النفس American Psychological Association (2017)، المال هو أحد أكثر مصادر التّوتر النّفسي شيوعًا وأهمية في أمريكا، إذ تشير التّقييمات المنخفضة للضغط المالي إلى قُدرةٍ أفضل على تلبية الاحتياجات الماليّة، وتُعدُّ القُدرة على تلبية الاحتياجات الماليّة موردًا مهمًّا لآليات التّكيف لدى الشخص. يمكن أن يؤثر الضغط المالي سلبًا على الصّحة النّفسيّة للشّخص، والثقة في الآخرين، والرضا عن الحياة، وزيادة الاكتئاب، و انخفاض تقدير الذّات، ما يغذي مستوى قلق الموت ويرفعه، إذا لم يستثمر الشّخص في رؤيته الثّقافيّة والحضاريّة للعالم (Sinclair et al. 2010).
يُعرَّف القلق المالي أنّه القلق والتّوتر والخوف الذي يعاني منه الأفراد بشأن رفاههم المالي. يمكن أن يُحَفز هذا القلق من خلال عوامل مختلفة، مثل عدم الأمان الوظيفي، والدّيون، والرّكود الاقتصادي، وتقلبات السّوق. أظهرت الدّراسات أن القلق المالي يمكن أن يكون له تأثير كبير على الصّحة النّفسيّة للأفراد، ما يؤدي إلى أعراض الاكتئاب والقلق وعدم الرضا العام عن الحياة (Sinclair et al. 2010). عند تطبيق نظريّة إدارة الخوف على القلق المالي، فإنّها تشير إلى أنّ الأفراد قد يستخدمون الموارد الماليّة والنّجاح المالي كوسيلة لإدارة مخاوفهم الوجوديّة. على سبيل المثال، قد يسعى الأفراد إلى تحقيق الأمن المالي والنّجاح من أجل تشتيت أنفسهم عن أفكار الموت وعدم استمراريّة الوجود، لهذا عندما يواجه الأفراد تحديات أو انتكاسات ماليّة، تصبح مخاوفهم الوجوديّة أكثر وضوحًا، ما يؤدي إلى زيادة مستويات القلق والضيق، الأمر الذي يُؤَثِر على الصّحة النّفسيّة والرفاهيّة العامة للأفراد وظهور أعراض القلق والاكتئاب، ومشاكل في الصّحة الجسديّة بسبب عدم القُدرة على التّكيف مع الواقع الجديد (Routledge et al. 2010)، بناءً على ذلك يؤدي الانشغال المستمر بالأمور الماليّة، وخاصةً أثناء الأزمات، إلى تفاقم المخاوف الوجوديّة والمساهمة في الشّعور بالعجز وفقدان السّيطرة، ما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الرؤى الثّقافيّة للعالم وتقدير الذّات كآليات تكيف لإدارة هذا القلق، أيّ أن الخوف من انعدام الأمن المالي يمكن أن يؤثر على عمليات صُنع القرار وسلوكيّات الأفراد لأن المخاوف الاقتصاديّة غالبًا ما تكون تهديدات وجوديّة، ما يُجبر الأفراد على التّعامل مع فكرة فنائهم في مواجهة عدم الاستقرار المالي ما يؤدي إلى تَغَيُرات كبيرة في السّلوك والمواقف الاجتماعيّة تجاه المخاطرة والأمن والتّخطيط طويل الأجل (Hartley & Phelps, 2012).
أظهرت الأبحاث أنّ الأنظمة العصبيّة الأساسيّة للخوف، والقلق تتداخل مع مناطق الدماغ المشاركة في عمليات اتخاذ القرار الاقتصادي، فالأفراد الذين يعانون من القلق المالي هم أكثر عُرضة للانخراط في سلوكيات مٌتهورة لتَجَنُب المخاطر المُحدِقة واتخاذ قرارات ماليّة غير عقلانيّة. يمكن أن يُعزى ذلك إلى حاجتهم المتزايدة للبحث عن الأمان والاستقرار في مواجهة التّهديدات المتصوّرة لرفاهيتهم، ولهذا السبب يكون الأفراد الذين يعانون من الضغط أو عدم اليقين الاقتصادي أكثر عُرضة لإظهار ردود فعل دفاعيّة تجاه التهديدات الوجودية، مثل زيادة في التفكير المادي، والاستهلاك وسلوكيات البحث عن المكانة (Hartley & Phelps, 2012). بناءً على ذلك نجد في لبنان، حيث تنتشر المخاوف الاقتصاديّة، العديد من الأفراد يندفعون إلى السعي وراء النّجاح المالي والثروة المادية كوسيلة لحماية أنفسهم من مشاعر الضُعف والفناء، هذا السعي يؤدي إلى زيادة التركيز على الأمن المالي ورموز المكانة والاستهلاك المُفرط وذلك من أجل حماية تقديرهم لذواتهم وشعورهم بالأهمية في مواجهة عدم الاستقرار الاقتصادي.
تطبيق نظريّة إدارة الخوف على القلق المالي في لبنان: إنّ تطبيق نظريّة إدارة الخوف على سياق القلق المالي في لبنان يُقدم منظورًا فريدًا لفهم الإستجابات النّفسية للأزمة الاقتصاديّة المستمرة. سنُظهر في هذا القسم كيف يمكن أن تتجلى مبادئ نظريّة إدارة الخوف في السياق اللبناني من خلال:
- عدم الاستقرار الاقتصادي كمثير لقلق الموت: تعمل الأزمة الاقتصاديّة الحادة كتذكير مستمر بالضعف واحتمال فقدان سُبل العيش، هذا التّذكير يمكن أن يعمل بشكل مشابه لقلق الموت في نظريّة إدارة الخوف، وفاقًا لذلك يثير انعدام الأمن المالي أفكارًا حول عدم قدرة المرء على تلبية الاحتياجات الأساسية، وتنشيط الادراكات المتعلقة بالموت بشكل غير مباشر.
- الرؤى الثّقافيّة للعالم كحواجز مُخَفِفة للقلق: إن تعزيز القيم اللبنانيّة التقليدية للمرونة والتّكيف يُشَكل وسيلة للحفاظ على التوازن النّفسي، كما أنّ تعزيز المعتقدات الدّينيّة، يوفر شعورًا بالأهمّية والاستمراريّة خارج الإطار المادي.
- تقدير الذّات والمكانة الماليّة: يَربط المجتمع اللبناني النجاح المالي ربطًا وثيقًا بالمكانة الاجتماعيّة، لذلك تُهدد الأزمة الاقتصاديّة تقدير الذّات، ما يدفع الفرد إلى اتخاذ تدابير مثل تأكيد الإنجازات غير الماديّة أو إعادة تعريف النجاح لجعله مَصدرًا بديلًا لتقدير الذّات.
- التمييز بين الجماعة الدّاخليّة والجماعة الخارجيّة: يتجلى هذا في زيادة الاعتماد على الأسرة وشبكات المجتمع القريبة من الفرد للدعم والموارد، وازدياد الانقسامات الطائفيّة القائمة، وإلقاء اللوم على الجماعات الأخرى كمُسببين للأزمة في لبنان، إلى جانب الانتقادات المتزايدة للنّخب السياسيّة والعوامل الدّوليّة التي يُنظر إليها على أنّها مسؤولة عن الأزمة.
- الخلود الرمزي عبر الإرث المالي للأجيال القادمة: إذ نرى ذلك من خلال الجهود المبذولة للحفاظ على الثروة باستخدام وسائل بديلة (مثل الاستثمار في الذّهب أو العقارات أو العملات الأجنبيّة).
- آليات الدّفاع: مثل إنكار شدة الأزمة وتبرير الوضع المالي للفرد، إضافةً لتبني القيم الثّقافيّة للتقشف والاقتصاد والابتكار وعدِّها فضائل.
- السّلوكيات المحفوفة بالمخاطر: مثل المشاركة في مخططات هرميّة للاحتيال أو المضاربة في العملات المشفرة، كمحاولات لتحسين الوضع المالي للفرد بسرعة والتّخفيف من القلق، أو على العكس من ذلك، تطبيق التّحفظ المالي والتّجنب الشّديد للمخاطر الماليّة كإجراء وقائي.
- بناء المعنى والسّردية: من خلال خلق روايات شخصيّة وجماعيّة تضع الأزمة الماليّة في سياق أوسع للتاريخ والهوية اللبنانيّة، وإعادة تفسير الصعوبات الماليّة كفرصة للنّمو الشّخصي أو الإصلاح المجتمعي.
- التّسامي فوق القِيم المادية: من خلال التّحول نحو التركيز على الجوانب غير الماديّة للحياة (مثل العلاقات والروحانيّة) كوسيلة للحفاظ على الصّحة النّفسيّة في في وجه الخسارة الماليّة.
- آليات التكيف الجماعي: من خلال المبادرات المجتمعيّة وأنظمة المساعدة المتبادلة كتعبير عن الرؤى الثّقافيّة، والحضاريّة التي تؤكد التّضامن والمرونة المجتمعيّة.
من خلال تطبيق نظريّة إدارة الخوف على السّياق اللبناني، يمكننا فهم بشكل أفضل العمليّات النّفسيّة الكامنة وراء القلق المالي وآليات التكيف المختلفة المستخدمة، بناءً على ذلك نرى أن العديد من السّلوكيات والمواقف التي لوحِظت بين اللبنانيين خلال الأزمة الماليّة يمكن تفسيرها على أنّها جهود لإدارة القلق الوجودي النّاجم عن عدم الاستقرار الاقتصادي الحاد.
المخاوف بشأن المال والاقتصاد في لبنان:تُقَدم نظريّة إدارة الخوف (Terror Management Theory) منظورًا فريدًا لتحليل العمليات النّفسيّة والدّيناميكيات الاجتماعيّة والسياسيّة في سياق الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، لأنّ لبنان لطالما تميز بانقسامات سياسيّة معقدة وتحديات اقتصاديّة واضطرابات اجتماعيّة، ما يجعله أرضًا خصبة لاستكشاف تداعيات الإدراك المرتبط بالموت والمخاوف الوجوديّة على السّلوك الفردي والجماعي.
في السّياق اللبناني، حيث تسود الصّراعات التّاريخيّة والتنوع الدّيني وعدم الاستقرار الاقتصادي، أصبحت المخاوف بشأن المال والاقتصاد أكثر انتشارًا في ضوء الأزمة الماليّة المستمرة في البلاد، وعدم الاستقرار السياسي، وأزمة كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت، وانخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة، وارتفاع معدلات التّضخم، والبطالة، كل ذلك خلق شعورًا بانعدام الأمن الاقتصادي وعدم اليقين بين السّكان. بينما يكافح الأفراد مع هذه التّحديات الماليّة، ازداد لديهم القلق الوجودي، ما دَفَعهم إلى البحث عن طُرق للتكيف والتّعامل مع التهديد الوشيك لقلق الموت.
منذ مدّة طويلة، أكدت نظريّة إدارة الخوف أنّ الرؤى الثقاقية والحضارية توفر للناس اليقين، والقدرة على تنبؤ ما يحصل في العالم حولهم من خلال الربط المنطقي للأمور، كل هذا سمح للأفراد بناء الاحترام والتّقدير لذواتهم وإدارة قلق الموت (Greenberg et al., 2000). يمكن رؤية تطبيق نظريّة إدارة الخوف في المشهد السياسي اللبناني من خلال استمرار الانقسامات الطائفيّة وسياسات بالحث عن الهُويّة، إذ يلجأ الأفراد إلى المعتقدات الثّقافيّة أو الدّينيّة كمصدر للمعنى والراحة في أوقات الأزمة الوجوديّة لأن هذه البنى الاجتماعيّة تشكل الرؤية الثّقافيّة والحضاريّة للأفراد وتعمل كعوازل ضد القلق الوجودي من خلال توفير الشّعور بالانتماء والأمان داخل مجموعة دينيّة أو عرقيّة معيّنة. علاوة على ذلك، أظهرت أبحاث نظريّة إدارة الخوف أن الناس يهاجمون، ويعتدون على أولئك الذين يهددون رؤيتهم للعالم لأنهم يُعَطلون أنظمة الدفاع العاملة على الحد من قلق الموت (McGregor et al., 1998).
قد يكون اللبنانيون أكثر ميلًا إلى التّمسك بشدة بمعتقدات جماعتهم، وقِيَمها للحفاظ على إحساس باستقرار الهوية في مواجهة التّهديدات الخارجيّة مثل عدم المساواة في الدخل، بما في ذلك المستويات العالية من الدَّين الوطني والتّضخم والبطالة. هذا الوضع المالي الهش يمكن أن يفاقم المخاوف الوجوديّة بين السكان، فالأفراد الذين يُذكَّرون بفنائهم يعيدون تأكيد قيمهم، وتقاليدهم ومعتقداتهم الثّقافيّة كوسيلة للتعامل والتّكيف مع عدم اليقين والضيق، هؤلاء الأفراد هم أكثر ميلًا لتبرير التّسلسلات الهرميّة الاجتماعيّة وعدم المساواة القائمة، إذ يسعون إلى الحفاظ على الشّعور بالنّظام والاستقرار في مواجهة عدم اليقين، ما يدفع الناس إلى إعطاء الأولوية للأمن على المدى القصير على حساب التّخطيط طويل الأجل، ويتجلى هذا في سلوكيات مثل تخزين المواد والموارد، واتخاذ قرارات محافظة لا تأثير قوي لديها، والتّردد في الانخراط في العمل الجماعي من أجل تغيير الوضع الراهن، هذا الأمر يُشكل إشكاليّة للشّعب اللبناني إذ يكون الأفراد أقل ميلًا لتحدي الوضع الراهن أو الدّعوة إلى التّغيير الاجتماعي.
وفاقًا لمهندسي نظريّة إدارة الخوف، فإنّ الأحداث المأساويّة التي تُنتج تلاعبًا قويًّا على المستوى الوطني في بروز قلق الموت، تُحدِث ردود فعلٍ لدى النّاس على النحو الآتي(Greenberg et al., 2003):
- إعادة تأكيد الرؤى الثّقافيّة للعالم: عندما يرتفع إدراك قلق الموت، تتوقع نظريّة إدارة الخوف أن الناس سيحتضنون رؤاهم الثّقافيّة للعالم بشكل أقوى من ذي قبل. شوهد هذا في أعقاب انفجار بيروت في 4 أغسطس 2020، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6000 آخرين، فأعاد الناس تأكيد إيمانهم بالدِّين الذي يؤمنون به، الذي يمثل أساس الرؤى الثّقافيّة للعالم لدى العديد من الأفراد. كما أصبح النّاس أكثر وطنية بشكل صريح، إذ رفرفت الأعلام اللبنانيّة في كل مكان، وانتشرت الأغاني الوطنيّة على الراديو، وأُعيد تصميم الشّعارات التّجارية باللونين الأحمر والأبيض. وهكذا، أعلن الناس بفخر إيمانهم بلبنان كوطن للجميع.
- انخفاض التسامح: عندما يزداد القلق من الموت، يصبح الناس أقلّ تسامحًا مع وجهات النظر والآراء المعارضة وأكثر تحيّزًا ضد المُختلفين. شوهد هذا في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، عندما شُكِّلت الحكومة الجديدة، واجه الأفراد الذين شككوا في سياسات الحكومة عداءً أكثر من المعتاد، وفي مثل آخر بعد مقتل باسكال سليمان في 9 أبريل 2024 ظهر التّحيز، والتّعصب المتزايد تجاه غير اللبنانيين وشوهد ذلك بشكل جلي أثناء الاحتجاجات ضد السوريين.
- زيادة الإيثار: الإيثار هو الاهتمام غير الأناني برفاهية الآخرين، هو فضيلة مُحترمة ومُقَدَرة للغاية في معظم الثقافات. التّصرف بطريقة إيثاريّة يجعل الناس يشعرون أنّهم مواطنون صالحون، ما يؤكد من جديد التزامهم برؤيتهم الثّقافيّة للعالم، ويعزز إحترامهم وتقديرهم لذواتهم. وشوهد ذلك في الأشهر التي تلت انفجار مرفأ بيروت، وقد ذهب العديد من الناس إلى بيروت للمساعدة بأيّ طريقة ممكنة بعد وقوع الانفجار، إذ وصلت التّبرعات بالدّم إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفعت التبرعات الخيريّة بشكل كبير.
- زيادة الحاجة للأبطال: الأحداث المُرَوِعة التي تُصبح تذكيرًا صارخًا بالفناء والموت تزيد من ميل النّاس إلى إعجابهم بأولئك الذين يمثلون ويدعمون القِيم الثّقافيّة، لأنّه أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الناس إلى أبطال يُجسدون هذه القيم. كانت هذه الحاجة واضحة في أعقاب انتشار كوفيد-19 عندما وقف اللبنانيون في 29 مارس 2020 لدقيقة من أجل التّصفيق من شرفاتهم لتحية الطاقم الطبي العامل في المستشفيات اللبنانيّة. أيضًا بعد انفجار بيروت، جَعَلت وسائل الإعلام من رجال الإطفاء أبطالًا أشداء. مع الأخذ في الحسبان أنّ الطاقم الطبي في المستشفيات، ورجال الإطفاء لديهم تاريخ طويل من العمل البطولي الذي لم يلاحظه أحد إلى حد كبير حتى وقوع حدث مُروع قام بشكل كبير بإثارة قلق الموت، ومخاوف الفناء ما تسبب في حاجةٍ مُلحة إلى أبطال يرفعون المعنويات.
كلما خَلَق حدث ما تذكيرًا لفكرة الموت في لبنان (اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، انتشار كوفيد-19، انفجار بيروت، الأزمة الماليّة) يبحث الناس عن قادة لديهم الرؤية والمعرفة للخروج من الأزمات الاقتصاديّة والماليّة والسياسيّة. عند فشل هذه المحاولات، رأينا كيف جاء الكثير من اللبنانيين إلى مرفأ بيروت عندما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولة لتفقد الأضرار، وقدّم العزاء لضحايا الانفجار الهائل قبل المسؤولين المحليين، إذ سمعنا الناس يهتفون لإعادة الانتداب الفرنسي للبنان، ما يعكس حجم اليأس لدى الكثير من اللبنانيين، كل هذا اليأس تُرجِمَ من خلال التردد في الانخراط في العمل الجماعي للثورة على الوضع الراهن، خاصة بعد ثورة 17 أكتوبر اللبنانيّة إذ لم يُنتَج قائد باستراتيجيّة واضحة، ما ولّد إشكاليّة للشعب اللبناني لأنّه فاقم الضغط السياسي والاقتصادي والمالي عليهم، وهذا ما تكلمت عنه نظريّة إدارة الخوف عند مواجهة الناس لعدم اليقين وإنهيار العالم الذي يعرفونه، يدفع ذلك الناس إلى نوع من الإستسلام وإعطاء الأولويّة للأمن على المدى القصير على حساب التخطيط طويل الأجل، وعدم اتخاذ قرار جَماعي من أجل تغيير الوضع الراهن.
لكي نتمكن من فهم ما يحصل ضمن السّياق اللبناني يجب أن نُدرك أن الناس يكتسبون المعرفة، والمعتقدات من خلال الملاحظة والتّجربة في تعاملهم مع الآخرين. هذه المعرفة تُحفز بشكل كبير السّلوك والمواقف البشريّة لأنها تمنح إمكانيّة التنبؤ، والهيكل، والتّماسك للعالم الذي يعيش فيه الشّخص، ولهذا السبب يميل البشر نحو الوصول الى خواتيم الأمور(affinity for closure) أي الحاجة لمعرفة معلومات محددة لتفسير موضوع معين ومعرفة سببه تمهيدًا لإغلاقه وإدخاله ضمن مجريات الفرد المُعاشة وخُبراته (Kruglanski, 1998)، بناءً على ذلك افترض كل من ديشين وكروغلانسكي (Dechesne and Kruglanski (2004 أنّه عندما يكون الموت بارزًا، يمكن أن تأخذ الحاجة للوصول الى الخواتيم الأولوية على الحاجة إلى تقدير الذّات، إذ يتمسك الناس بأي ملاحظات أو معلومات تلبي هذه الحاجة للتمكن من طيّ الموضوع، لأنّ العالم الذي يعيش فيه الشخص يهتز بشكل كبير عندما تقع المآسي بفعل الإنسان أو الطبيعة (زلازال، براكين، عواصف)، وتختلف المآسي التي يسببها الإنسان بشكل أساسي عن الكوارث الطبيعيّة، إذ يمكن أن تكون مقصودة، مثل السّرقة تحت تهديد السلاح في متجر، أو غير مقصودة، مثل انهيار جسر بسبب فشل تقني أو بنيوي، لهذا تعتمد الاستجابات على تلك المآسي المُولِدة للصّدمات في كثير من الأحيان على نيّة الجناة (شخص أو مجموعة). في حالة الحدث الصّادم الذي يسببه الإنسان من دون قصد، يشعر النّاجون بالغضب والإحباط بسبب الفشل في التّصرف من الجهة المسؤولة أو الحكومة، خاصة إذا كان هناك إهمال بشكل ملحوظ. أما بالنسبة إلى الأعمال المتعمدة التي يسببها الإنسان، عادة ما يكافح النّاجون لفهم الدّوافع وراء تنفيذ العمل، سواء أكان الفعل مدبّرًا أو عشوائيًّا، وفهم التّركيبة النّفسيّة للجاني أو الجناة، ومن يتحمل المسؤوليّة، وما إذا كانت العقوبة تعكس حجم الفعل المُرَوع (SAMHSA, 2014).
أما بالنسبة إلى السّياق اللبناني، فإنّ انفجار بيروت، وانهيار النّظام المصرفي، وقضيّة أموال المودعين في البنوك، كلها بقيت من دون خاتمة، فالجُناة مجهولون، ولا أحد يُحاسب، ولا عقاب يوازي الأضرار التي حصلت. في خِضَم هذه المعضلة، يمكن فهم سلوك اللبنانيين ضمن سياق نظريّة إدارة الخوف وقد كان الإدراك لفكرة الموت بارزًا، وتقدير الذّات منخفضًا، وعدم وجود خاتمة، ومستويات عالية من قلق الموت. كل هذا يترجم في تعميق الانقسام بين اللبنانيين الذين يتمسكون بهويتهم الدّينيّة والطائفيّة لتأكيد رؤاهم للعالم، ما يُشكل ملاذًا للتّعامل مع الصورة السّلبيّة للعالم الذي يعيشون فيه والصورة السّلبيّة عن أنفسهم لأنّهم فشلوا في إحداث تغيير في الواقع الذي يعيشون فيه (Greenberg et al., 2003).
الآثار المُتَرتبة: إنّ النّظر الى القلق المالي في لبنان من خلال نظريّة إدارة الخوف له تداعيات مهمة تساعد في فهم النفس البشريّة، وصنع السياسات، والتّدخلات. هذه التّداعيات تشمل مستويات فرديّة، مجتمعيّة، وسياسية ونراها على الشكل الآتي:
- الفهم النّفسي: يشير إطار نظريّة إدارة الخوف في هذه المقالة إلى أنّ القلق المالي قد يكون أكثر من مجرد استجابة للصعوبات الاقتصاديّة؛ بل قد يكون تعبيرًا عن مخاوف وجوديّة أعمق. يمكن أن يساعد هذا المنظور في تطوير نماذج أكثر شمولًا لفهم لضغط المالي وتأثيراته على الصّحة النّفسيّة. كما تُسلّط هذه المقالة الضوء على كيفيّة تأثير الرؤى الثّقافيّة للعالم الخاصة بلبنان على آليات التكيف، ما يشير إلى الحاجة إلى مُقاربات حساسة ثقافيًّا لفهم القلق المالي على صعيد أشمل، كما توضح هذه المقالة كيف يرتبط تقدير الذّات بالمكانة الماليّة في المجتمع اللبناني، ما يوفر رؤى حول التّأثير النّفسي للانتكاسات الاقتصاديّة.
- التّداعيات الكلينيكيّة والعلاجيّة: يحتاج المتخصصون في الصّحة النّفسية إلى معالجة المخاوف الوجوديّة إلى جانب القضايا الماليّة العمليّة عند علاج الأفراد الذين يعانون من القلق المالي، إلى جانب تضمين العلاج لعناصر تُعزز الرؤى الثّقافيّة والحضاريّة لعالم الفرد، وتقدير الذّات التي تعمل كعوازل ضد القلق.
- التّداعيات المُجتمعيّة: إن فهم منظور نظريّة إدارة الخوف حول تفضيل الفرد للجماعة الدّاخليّة التي ينتمي إليها يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيّات للحفاظ على التّماسك الاجتماعي أثناء الأزمات الاقتصاديّة، واتخاذ جهود وقائيّة من خلال زيادة الوعي بالتّحيز الطائفي المحتمل، أو لوم الجماعات الأخرى كاستراتيجيات لإدارة القلق. أمّا بالنسبة إلى الإعلام، يجب أن تكون التّقارير حول الأزمة الاقتصاديّة مُستمدة من الرؤية التي تمنحها نظريّة إدارة الخوف، وذلك للتّخفيف من تفاقم القلق الوجودي لدى الناس.
- التّداعيات السياسيّة: قد تكون السياسات التي توفر إحساسًا بوضع الأمور تحت السيطرة وتمنح عالمًا مساره قابل للتنبؤ، مفيدة بشكل خاص في إدارة القلق الجماعي، إلى جانب الحفاظ على الأمن والأمان بشكل أساسي لإدارة القلق الوجودي ما يؤكد الحاجة إلى شبكات أمان اجتماعيّة قويّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن عدُّ الجهود المبذولة للحفاظ على التّراث الثقافي اللبناني كوسيلة لتعزيز عوازل القلق الجماعي.
- التّداعيات على الأعمال والمؤسسات: قد يُطور أرباب العمل استراتيجيّات لدعم إحساس الموظفين بقيمة الذّات بما يتجاوز التّعويض المالي، كما يمكن للبنوك والمؤسسات الماليّة تصميم منتجات واستراتيجيّات تواصل تعالج ليس فقط الاحتياجات الماليّة ولكن أيضًا المخاوف الوجوديّة الكامنة( مثلًا برامج التأمين على الحياة).
اتجاهات البحث المستقبليّة
- الدّراسات الطوليّة: يمكن أن تدرس الدّراسات الطويلة الأمد كيفيّة تطور استراتيجيات إدارة الخوف على مدار أزمة اقتصاديّة طويلة الأمد.
- المقارنات بين الثقافات: يمكن أن تُسلّط الدراسات المقارِنة مع دول أخرى تعاني من أزمات ماليّة مشابهة الضوء على الفروقات الثّقافيّة في الاستجابات لإدارة الخوف.
ج- دراسات التّدخل: يمكن أن توفر الأبحاث حول فعاليّة التدخلات المستندة إلى نظريّة إدارة الخوف في معالجة القلق المالي رؤى قيّمة للممارسة الكلينيكيّة.
من خلال النظر في هذه الآثار المرتبطة بنظريّة إدارة القلق، يمكن للأطراف المعنيّة على مستويات مختلفة تطوير أساليب أكثر دقة وفعاليّة لمعالجة القلق المالي في لبنان، ومعالجة سياقات أخرى من عدم الاستقرار الاقتصادي.
الخاتمة: استكشفت هذه المقالة تقاطع القلق المالي ونظريّة إدارة الخوف في سياق الأزمة الاقتصاديّة المستمرة في لبنان. من خلال تطبيق مبادئ نظريّة إدارة الخوف على القلق المالي الواسع الانتشار الذي يعاني منه المواطنون اللبنانيون، تمكنّا من تسليط الضوء على كيفيّة عمل إنعدام الأمن المالي في لبنان كمُحفز قوي لبروز قلق الموت، ما يؤدي إلى تنشيط القلق الوجودي الذي يتجاوز المخاوف الاقتصاديّة البسيطة. تتوافق استجابات الشّعب اللبناني لهذه الأزمة – من تعزيز الرؤى الثّقافيّة للعالم والبحث عن مصادر بديلة لتقدير الذّات إلى الانخراط في سلوكيّات مٌتهورة لتَجَنُب المخاطر المُحدِقة والسّعي وراء المجازفة في الوقت نفسه – بشكل وثيق مع توقعات نظريّة إدارة الخوف حول كيفيّة إدارة الأفراد للرعب الناتج عن الوعي بالفناء والموت.
تُقدم نظريّة إدارة الخوف منظورًا فريدًا لفهم تأثير الأزمات الماليّة، وكيف يزعزع عدم الاستقرار الاقتصادي الحاد أُسس شعور الأفراد بالأمان والمعنى في الحياة. تشير نظريّة إدارة الخوف أيضًا إلى أنّ بروز مفهوم الفناء والموت إثر الأحداث المؤلمة والصّادمة يدفع الأفراد إلى تبني آليات دفاع نفسيّة تتأثر بالمعتقدات الثّقافيّة وضرورة الحفاظ على تقدير الذّات. في هذا السّياق، يمكن أن تؤثر المخاوف الاقتصاديّة، وخاصة المتعلقة بالمال والاقتصاد، بشكل كبير على القلق الوجودي، ما يؤدي إلى تفعيل الآليات المرتبطة بنظريّة إدارة الخوف.
علاوة على ذلك، تمكنّا من كشف أهمّيّة السّياق الثّقافي في تشكيل الاستجابات للقلق المالي، إذ تؤدي الرؤى والقيم الثّقافيّة الخاصة بالمجتمع اللبناني دورًا حاسمًا في كيفيّة تعامل الأفراد مع ظروفهم الاقتصاديّة وإضفاء معنى عليها، من هنا تبرز أهمّيّة صياغة طُرق تدخل حساسة ثقافيًا في مُقاربة القلق المالي. كما يُسلّط التّفاعل بين نظريّة إدارة الخوف والبيئة السياسيّة والاقتصاديّة في لبنان الضوء على دور المؤسسات المجتمعيّة في تشكيل استجابات الأفراد للتهديدات الوجوديّة، إذ يمكن أن تؤثر الخطابات السياسيّة والسّرديات الإعلاميّة والأطر المؤسسيّة على كيفيّة إدراك الأفراد واستجابتهم لبروز مفهوم الفناء والموت أمامهم، ما يساهم إمّا في تفاقم القلق أو تعزيز المرونة والتّماسك الاجتماعي.
References
-1American Psychological Association (2017). Stress in America: Coping with change. Stress in America Survey. Retrieved from http://www.apa.org/news/press/releases/stress/2016/coping-withchange.PDF
-2ArabianBusiness.com [Internet]. [cited 2021 Jun 14]. Lebanese pound: the most undervalued currency in the world. Available from: https://www.arabianbusiness.com/452653-lebanese-pound-the-most-undervalued-currency-in-the-world.
-3Arndt, J., Goldenberg, J. L.,Greenberg, J., Pyszczynski, T., & Solomon, S. (2000). Death can be hazardous to your health: Adaptive and ironic consequences of defenses against the terror of death. In P. R. Duberstein & J. M.Masling (Eds.), Psychodynamic perspectives on sickness and health. Washington, DC: American Psychological Association.
-4Cohen, F., Solomon, S.,Maxfield, M. , Pyszczynski, T.,& Greenberg, J. (2004). Fatal attraction: The effects of mortality salience on evaluations of charismatic, task-oriented, and relationship oriented leaders. Psychological Science, 15, 846–851.
-5Dechesne, M., & Kruglanski, A. W. (2004). Terror’s Epistemic Consequences: Existential Threat and the Quest for Certainty and Closure. In J. Greenberg, S. L. Koole, & T. Pyszczynski (Eds.), Handbook of Experimental Existential Psychology (pp. 247–262). The Guilford Press.
-6Greenberg, J., Pyszczynski, T., & Solomon, S. (1986). The causes and consequences of a need for self-esteem: A terror management theory. In R. F.Baumeister (Ed.), Public self and private self (pp. 189– 212). New York: Springer-Verlag.
-7Greenberg, J., Solomon, S., & Pyszczynski, T. (1997). Terror management theory of self-esteem and cultural worldviews: Empirical assessments and conceptual refinements. Advances in Experimental Social Psychology, 29, 61–139.
-8Goldenberg, J. L., Pyszczynski, T., Greenberg, J., & Solomon, S. (2000). Fleeing the body: A terror management perspective on the problem of human corporeality. Personality and Social Psychology Review, 4, 200-218.
-9Goldenberg, J. L., Pyszczynski, T., Greenberg, J., & Solomon, S. (2003). In the wake of 9/11: the psychology of terror. Washington, DC: American Psychological Association, [2003].
-10Hartley CA, Phelps EA. Anxiety and decision-making. Biol Psychiatry. 2012 Jul 15;72(2):113-8. doi: 10.1016/j.biopsych.2011.12.027. Epub 2012 Feb 10. PMID: 22325982; PMCID: PMC3864559.
-11Human Rights Watch, World Report. (2023). https://www.hrw.org/world-report/2023/country-chapters/lebanon
-12Kruglanski, A.W. (1998). Knowledge as a social psychological construct. In D. Bar-Tal & Kruglanski, A. W. (Eds.), The Social Psychology of Knowledge (pp. 109-141). Cambridge: Cambridge University Press.
-13McGregor, H., Lieberman, J. D, Solomon, S., Greenberg, J., Arndt, J., Simon, L, & Pyszczynski, T. (1998). Terror management and aggression: Evidence that mortality salience motivates aggression against worldview threatening others. Journal of Personality and Social Psychology, 74, 590-605.
-14Routledge, C., Ostafin, B., Juhl, J., Sedikides, C., Cathey, C., & Liao, J. (2010). Adjusting to death: The effects of mortality salience and self-esteem on psychological well-being, growth motivation, and maladaptive behavior. Journal of Personality and Social Psychology, 99, 897-916.
-15SAMHSA: Substance Abuse and Mental Health Services Administration. (2014). A TREATMENT IMPROVEMENT PROTOCOL: Trauma-Informed Care in Behavioral Health Services. HHS Publication No. (SMA) 14-4816.
-16Sinclair, R. R., Sears, L. E., Probst, T. M., & Zajack, M. (2010). A multilevel model of economic stress and employee well-being. In J. Houdmont & S. Leka (Eds.), Contemporary Occupational Health Psychology: Global Perspectives on Research and Practice: v1 (pp. 1–20). Hoboken, NJ: Wiley-Blackwell.
-17Solomon, S.,Greenberg, J. L., & Pyszczynski, T. A. (2004). Lethal consumption: Death-denying materialism. In T. Kasser & A. D. Kanner (Eds.), Psychology and consumer culture: The struggle for a good life in a materialistic world.Washington, DC: American Psychological Association.
-18World Bank. (2023). Lebanon Economic Monitor: Navigating Rough Seas. Washington, DC: World Bank Group.
[1]– أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية- كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة- قسم علم نفس.
Assistant Professor at Lebanese university- Faculty of Arts and Humanities- department psychology. Email: prince_razzouk@hotmail.com