foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

إيديولوجيّة الرفض بين جبل عامل وإيران

0

إيديولوجيّة الرفض بين جبل عامل وإيران

د. حسن بعلبكي*

المقدّمة

حين نتكلّم على العلاقات بين جبل عامل في لبنان وإيران، فإنّنا لا نعني تلك العلاقات الطبيعيّة التي توثّقت بعد الفتح الإسلاميّ بين إيران والكثير من المناطق العربيّة عامّة، وبلاد الشام، والتي يشكّل جبل عامل جزء منها خاصّة، بل نقصد تلك العلاقات الجيوالساسيّة والثقافيّة والدينيّة التي أدّت إلى تأثّر وتأثير متبادلين على الأصعد كافّة. لذلك سنختصر الكلام في العلاقات الوثيقة التي ربطت جبل عامل بإيران في مرحلتين متباعدتين، زمنيًّا، لكنّهما متّصلتان بعرى ووشائح وثيقة، تراخت في بعض المراحل، لكنّها لم تنقطع أبدًا.

         المرحلة الأولى: كان التأثير من جبل عامل باتّجاه إيران في زمن الصفويّين، وقبيل عهدهم بقليل.

         المرحلة الثانية: كان التّأثير من إيران باتّجاه جبل عامل قبيل الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، وبعد نجاحها في نهايات القرن الماضي.

في المرحلة الأولى: ساهم علماء جبل عامل في المرحلة التّأسيسيّة للدولة الصفويّة وخصوصًا في البناء الفكريّ لهذه الدولة التي أعلنت التّشيّع مذهبًا رسميًّا لها، وكادت تتّجه إلى الغلوّ فيه، لو لم يلجم العلماء العامليّون اندفاع السّاسة الصفويّين، ويصحّحوا المسار الفكريّ للدولة بحماية المذهب الاثنيّ عشريّ من تحريفات الغلوّ الصوفيّ، الذي كان ممكن أن يمتدّ تأثيرهم من الدّين إلى السياسة والثقافة.

في المرحلة الثانية: قام العلماء الإيرانيّون قبيل نجاح الثّورة الإسلاميّة، وبعدها بدور مهمّ في تحريك الجمود المخيّم على الأفكار في جبل عامل. هذا الدور بدأ منذ ستينيّات القرن العشرين، ووصل إلى أوجّه بعد انتصار الثورة الإيرانيّة، وقد امتدّ هذا التأثير من الدين إلى السياسة، والثقافة أيضًا. ومهما يكن من أمر، فالمرحلة الأولى هي التي أسّست للمرحلة الثانية.

ونشير هنا إلى أنّ الدّراسات المتخصصة بالعلاقة بين إيران وجبل عامل، كلها كانت تقترح تحليلات للتّطور الشّيعيّ المعاصر والمتعلق بالوضع الإيرانيّ. وقد اتخذت هذه العلاقة وجهتين:

         الأولى: تتعلق بدراسة الحركات الفكريّة التي انحرفت عن الإسلام، مهما تباينت درجات الانحراف.

         الثانية: تتعلق بالحركة الدستوريّة([1]) وقد شارك فيها علماء فرس وكانوا في الطليعة. وبعد أن عُرفت حقيقة هذه الحركات، عمّق بعض الباحثين مقارباتهم لأوساط رجال الدين ولاحظوا ما فيها من أفكار إصلاحية. في هذا السياق يمكن تسجيل نقطة البداية للحركات السياسيّة  الشّيعيّة الحديثة مع نهاية الدولة العثمانيّة، هذه النهاية التي أفسحت في المجال أمامهم للخروج من التّقيّة إلى ميدان الواقع، بعد أن زال الخطر الذي كان يهددهم بالزوال([2]). وقد نما خلال هذه المراحل نهج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر. في النّجف دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، أكاديميّ منذ خمسة وعشرون عامًا، كاتب، وباحث في شؤون حركات المقاومة، والصراع العربيّ – الإسرائيليّ، له العديد من الدراسات والأبحات في مجلاّت متعدّدة.

سياسي سمح لهم أن ينتظموا في تشكيلات سياسية وإدارية وكان هذا النّهج يسير بتغطية مباشرة من المرجعيّة الدينيّة الشّيعيّة في النجف الأشرف أو في إيران ويكتسب من هذه المرجعية مشروعيته. شكلت هذه العلاقة أنموذجًا حمى الطائفة الشّيعيّة في لبنان من الزوال وأوصلها إلى مطلع القرن العشرين لتشكل قوّة سياسيّة في المراحل التي سبقت وواكبت تشكيل دولة لبنان الكبيرعام 1920 م، وعلى مستوى إيران سبقت وواكبت الثورة الإسلاميّة، ابتداءً من الثورة الدستوريّة عام 1906م([3]).

إنّ هذه الدراسة تهدف إلى إظهار العلاقة السياسيّة والدينيّة والتّوظيفات الجيو سياسيّة بين جبل عامل وإيران قبل الثورة الإسلاميّة التي قام بها الإمام الخميني، وتسليط الضوء على الحركات الإصلاحية التي قامت في المنطقتين لأن رجال الدّين الشّيعة كانوا قادة هذه الحركات في إيران وجبل عامل.

في البعد السياسي

إنّ نظرية “النيابة العامّة للفقهاء” التي طورها علي بن عبد العال الكركي العامليّ وطبّقها عمليًّا في المرحلة الأولى، ظلت تتفاعل سلبًا وإيجابًا طيلة القرون التالية، وتتطوّر ببطء إلى أن وصلت على يد الإمام الخميني إلى نظريّة ولاية الفقيه التي على أساسها قامت الثّورة وقامت الجمهوريّة الإسلاميّة، ونجاح الثّورة كان الدّافع والمحفّز لنهوض المقاومة الإسلاميّة في لبنان. وقد انفرد الأصوليون بهذا النهج من دون غيرهم، كما حصل مع الميرزا الشّيرازي في ثورة التنباك في إيران، وقيادة الحركة الدستوريّة عند الأخوند الخراسانيّ، وحركة التأميم عند الكاشاني، ثم الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة عند الإمام الخميني([4]). ومن نافل القول إنّ هذه المقاومة التي استمدّت الدّعم الفكريّ والسياسيّ من الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة التي كانت نقطة الضوء الوحيدة في هذه العتمة التي تخيّم على الأقطار العربيّة والإسلاميّة.

في البعد الفكريّ

ينتسب العلماء الإيرانيّون الذين أثّروا في جبل عامل جزئيًّا إلى جذور عربيّة من طريق الأب أو الأم، أو هم تتلمذوا على يد هؤلاء من طريق علاقتهم بحوزة النّجف الأشرف، أو أنّهَم ينتسبون إلى عائلات كانت قد هاجرت من جبل عامل في المرحلة العثمانيّة كالسيّد موسى الصدرعلى سبيل المثال لا الحصر، والسيّد الداماد من طريق الأم، وهم ينتمون فكريًّا إلى التيّار الاجتهاديّ الذي أسّس له الشهيدان الأوّل والثاني وكان يمثّله في إيران تلاميذهما، ثمّ أبناء هؤلاء وتلاميذهم إلى آخر السلسلة. ومن “المحقّق الكَركِي” إلى  “الشيخ البهائيّ، والإمام الخمينيّ، والسيّد موسى الصدر… ثمّ تعرّف العامليّون على كتاباتِ علماء الثورة الإسلاميّة:  كالإمام الخمينيّ، والشهيد مطهّريّ، وعليّ شريعتي وغيرهم. وهذا هو التّأثير الفكريّ القادم هذه المرّة من إيران باتّجاه لبنان موزّعًا نتائجه، وثماره على الصّعد كافّة. ومن اللافت جدًّا أن يكون أوّل كُتّاب القِصّة من ذوي المكانة في إيران، في القرن العشرين، هو الكاتب “محمّد علي جمال زاده”  الإيرانيّ من أصل لبنانيّ…

تأثير العلماء العامليّين في إيران

كان للعامليّين في مطلع القرن العشرين أفق يترقّبونه غير الإمبراطوريّة العثمانيّة، فقد كانوا ينظرون نحو إيران التي كان مذهبها الرّسميّ المذهب الشّيعيّ منذ قيام دولة الصفويّين. وهذا الاشتراك في المذهب، إضافة إلى الريبة القائمة بين العثمانيّين والشّيعة من اتباع دولتهم أوحيا إلى المراقبين الأجانب بمواقف لا تخلو من المبالغة. فقد كتب “ورتابه” في ذلك “بما أنّ المتاولة هم من الشّيعة، فإنّه من السهل أن نفهم أنّهم يضمرون في سرّهم نفورًا شديدًا من الحكومة العثمانيّة، وذلك على الرغم من إعلانهم الطاعة لها. وتتّجه كلّ عواطفهم في بلاد الشام نحو الفرس، إذ يعدُّون أنّ بلادهم حصن لدينهم، وسياج لإيمانهم”([5]).

وقد نقل “لورتيه” إنّ جدران منازل الشّيعة في تلك الحِقبة كانت تكسوها صور تمثّل شاه الفرس، أو مشاهد مصوّرة من كتاب الملوك درّة الأدب الفارسيّ. وأضاف قائلًا: إنّ المتاولة في تركيا لم يكونوا إلاّ في حماية القناصل الفرس، ولم تكن فعالة([6]). وتبقى ملاحظته حول عجز القناصل الفرس عن الحماية مناسبة. وهي تعبّر عن الرأي الشائع، والمقبول لدى المؤرّخين، والقائل بأنّ شيعة جبل عامل كانوا منعزلين في هضابهم، بلا صلة بالخارج، وبأنّهم كانون يتمتّعون بدعم من دولة عظمى، خلافًا لباقي الطوائف. فقد كانت فرنسا تحمي الموارنة، وروسيا تحمي الأرثوذكس، وبريطانيا العظمى تحمي الدروز، والدّولة العثمانيّة تحمي السّنة، أمّا الشّيعة فكانوا متروكين لحماية أنفسهم بأنفسهم([7]). ولئن كان الشّيعة في جبل عامل لا يحظون بالدّعم السياسيّ، والاقتصاديّ من إيران، فإنّهم كانوا يشاركون إيران في وحدة العقيدة، والقيم، والشعائر. لذلك كان الأعيان، والأدباء، والعلماء يعيرون انتباههم لما يجري من أحداث في إيران، والمدن المقدّسة في العراق، وكان لمجلّة العرفان الدّور البارز في توثيق العلاقة بين إيران، وجبل عامل التي كانت تتابع عن قرب القضايا الساسيّة في إيران وتنقل صداها إلى لبنان. وكما يقول الشيخ مرتضى مطهّريّ: إنّ لعلماء جبل عامل، دورًا مُهِمًّا في الخطوط العامّة للدولة الصفويّة الشّيعيّة، فالصفويّون كانوا صوفيّة، ولو لم يتعدّل خطّ الصوفيّة (لدّرويش) بسيرة فقهيّة عميقة على يد علماء جبل عامل، ولو لم تتأسّس على أيديهم حوزة فقهيّة عميقة في إيران، لكان خطُّ الصوفيّة الصوفيّ الدرويشيّ ينتهي إلى ما انتهى إليه العلويّون في الشّام، أو تركيا، وكان لهذا العامل أثر كبير في صيانة السّيرة العامّة للدولة، والأمّة الإيرانيّة من تحريفات الصوفيّة تلك، ثمّ يضيف إنّ لفقهاء جبل عامل الدور البارز بتأسيسهم الحوزة الفقهيّة في أصفهان، وحقًّا كبيرًا في ذمّة الأمّة الإيرانيّة([8]). ويبدو أنّ السيّد عبد الحسين شرف الدين كان أكثر تقبّلًا للعلماء الفرس. فبحكم الصلات الوثيقة التي كانت تربطه بآل الصدر، وكان لهم فرع في إيران، كان أقرب العلماء العامليّين إليهم. وقد استدعى عالمًا فارسيًّا ليخلفه في مدينة صور.

أسباب الهجرة العامليّة إلى إيران

إنّ الصراع العثمانيّ الصفويّ كان من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى هجرة العامليّين إلى إيران، فضلًا عن حاجة الدولة الصفويّة إلى علماء ينشرون المذهب، ويعلّمون مبادئه. إنّ بعض المؤرّخين تحدّثوا عن علاقات بين أهل جبل عامل وإيران  منذ القرن السابع الهجريّ، عصر السلطان” أولجايتومحمّد خدا بنده”  الذي جمع حوله عددًا من علماء الشّيعة، حاولوا جهدهم نشر المذهب، والردّ على المخالفين، وقيل إنّ من بينهم علماء من جبل عامل([9]).

ويذكر المؤرّخون أنّ العلاقات قامت أيضًا في القرن الثامن الهجريّ بين السربداران ([10])“وبين علماء من جبل عامل، وأنّ أحد أمرائهم علي بن المؤيّد حاول أن يستقدم الشهيدَ الأوّل  شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن مكّي العامليّ الجزينيّ”، إلى خراسان لنشر العقيدة، لكنّ الشهيد الأوّل لم يستجب لنداء أمير خراسان ولم يسافر إلى إيران، ولكنّه كتب “اللّمعة الدمشقيّة” وهو كتاب فقهيّ مختصر ليكون مرجعًا فقهيًّا لهم، وكان السربداران”  قد أسّسوا دولتهم من قبلُ على أساس الخطّ الصوفيّ المعادي للفقهاء، لكنّ آخر أمرائهم عليّ بن المؤيّد هو الوحيد الذي تحوّل باتّجاه الخطّ الفقهيّ الاثني عشريّ الممثّل بالفقهاء.

استنتاجات

نصل في خاتمة هذا البحث إلى استنتاج مؤدّاه أنّ علماء عامليّين هاجروا إلى إيران واستوطنوا فيها منذ القرن السّابع الهجريّ، واستمرّت هذه الهجرة بتشجيع من حكّام إيران في عهود متعدّدة إلى أن جاء الصفويّون إلى الحكم، فزاد عدد المهاجرين إلى إيران طوعًا، وكرهًا لأنّ حكّام إيران بدأوا بتشجيع الشّيعة على الذهاب إلى إيران، منذ عهد الشاه إسماعيل الصفويّ، فهاجر عدد من علماء الشّيعة إليها بتشجيع من الدولة الصفويّة، وهربًا من ضغط العثمانيّين، وتمتّعوا بالحرّيّة الساسيّة، والدينيّة المطلقة، لا سيّما زمن الشاه طهماسب الذي كان يجلّ العلماء ويعظّمهم([11] (وقد أطلق يد علماء الدين في شؤون المملكة فاندفعوا إلى بناء هذه الدولة فكريًّا على أساسٍ اثني عشريّ(([12].

إنّ من درسوا في النّجف الأشرف من علماء جبل عامل كانوا قد تأثّروا، بالحركات الفكريّة التي عمرت بها المجالس الفارسيّة بين نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وكان وقّع فتوى السيّد محمّد حسن الشّيرازيّ بتحريم تدخين التّبغ أوّل حدث يهزهم، فقد التزموا بهذه الفتوى في جبل عامل، والبعض امتنع عن زراعة التّبغ مع أنّ هذه الزراعة كانت تعدُّ أهمّ ركائز الاقتصاد العامليّ. وذلك في أثناء حِقبة شهيرة من تاريخ الشّيعة، وتاريخ إيران المعاصرين. فقد أعطى ناصر الدين شاه امتيازًا لأحد البريطانيّين، “البارون روتير” يضمن له حقًّا حصريًّا بزراعة التبغ، وبيعه، وتصديره لمدّة خمسين عامًا. ولم تكن تلك أولى محاولات الشاه لملء خزانة الدولة ببيع ثروات البلاد إلى الشركات الأجنبيّة. إلاّ أنّ مبادرته هذه المرّة لقيت حركة احتجاج تمثّلت بالمظاهرات الشّعبيّة. وكانت النقمة تغلي في صفوف العلماء في إيران، والعراق، وجبل عامل في لبنان. وقد أرسل جمال الدين الأفغانيّ، وكان الشاه قد نفاه، رسالة إلى المرجع محمّد حسن الشّيرازيّ، يحثّه على الردّ، فقد نشر رشيد رضا سنة 1908م في مجلّة المنار، الرسالة الأولى التي أرسلها الأفغانيّ إلى السيّد الشيرازيّ([13]). ولمّا لم يتراجع الشّاه لا أمام الضغط الشعبيّ، ولا أمام تدخّل المجتهدين، أفتى المرجع بتحريم التدخين فاتُبعت فتواه حتّى وصلت إلى داخل بلاط الشاه نفسه فاضطر إلى الانصياع، وألغى الامتياز الشهير. لعلّ الدوافع المتعدّدة التي حدت بالمجتهدين إلى الثورة على التسلّط الأجنبيّ، تكون قليلة الأهمّيّة إلاّ أنّ هذه المرحلة كانت في نظر العالم الإسلاميّ دليلًا على قوّة المرجعيّة الدينيّة إن اتّحد الشعّب بهم في وجه الاستعمار([14]).

هذه الرسالة التي أرسلها جمال الدين الأفغانيّ للسيّد الشيرازيّ، نُشرت في مجلّة العرفان سنة 1922م([15]), بداية الانتداب الفرنسيّ على سوريا ولبنان، ولذلك من السهل الافتراض أنّ نشر هذه الرسالة التاريخيّة من دون حواشٍ كان بهدف التحريض على إقامة المقارنة بين الموقفين، وكانت أنموذجًا يُحتذى. وقد روى السيّد محسن الأمين لأصدقائه في الكتلة الوطنيّة في دمشق، ومن باب التحريض على الانتداب، والاستعمار الفرنسيّ، ومن باب المقارنة مع الثورة الإيرانيّة ضدّ الاستعمار الأجنبيّ عام 1936م، إنّ الشّاه أمام الموقف الشعبيّ، وأمام الموقف الدينيّ لفتوى الشّيرازيّ لم يكن يجرؤ على تدخين النرجيلة في حِقبة مقاطعة التبغ، وذلك لأنّ نساء القصر كنّ قد أخفينه انصياعًا لفتوى الشيرازيّ، وهذا يدلّ على مدى الارتباط، وقوّة التّضامن الوطنيّ([16]).

الثورة الدستوريّة وتداعياتها

إنّ دراسة الدور الذي قام به علماء الدّين في الثّورة الدستوريّة الفارسيّة قد أسال حبرًا كثيرًا، وولد مواقف متناقضة لدى المحلّلين([17]). كانت وضعيّة البلاد الإيرانيّة قبل استرجاع الاستقلال بالغة الصّعوبة، وعندما شاع، وذاع من الاستبداد، وإهراق الدماء، والانتهاكات الصّارخة التي كانت تجري داخل إيران في عهد محمّد عليّ شاه، وكانت تؤثّر على السّكان، وتهدّد الأمن فيها والاستقرار، أفتى المرجع محمّد كاظم الخراسانيّ، وهو في النّجف الأشرف بوجوب محاربته. والخراسانيّ شخصيّة دينيّة، واجتماعيّة مميّزة تمثّلت بشجاعته النادرة، وبحزمه الموصوف، وبرأيه النافذ، ما كان يؤهّله أن يحتلّ موقعًا قياديًّا وسلطة معنويّة كبيرة الاهتمام. منذ ذلك الوقت أخذ يعالج القضايا بأساليب سلميّة وناجحة، ويبذل جهودًا كبيرة في توضيح حقيقة الانتهاكات التي يمارسها الشّاه، وعلى نطاق واسع قلّ نظيره، ولذلك التزم الأخذ بمبادئ جمع من العلماء، والمراجع الكبار، وعملوا على تأييد الحركة الدستوريّة، ونشر الحرّيّة كاملة، منهم الشّيخ عبد الله المازندرانيّ، والسيّد إسماعيل صدر الدين، والشيخ محمّد تقيّ الحائريّ الشيرازيّ عالم سامراء، فأفتى هؤلاء بتلك الفتاوى، ونهضوا للمحافظة على تلك الدولة، وكان إلى جانبهم رجالًا أشداء يدافعون عن حقوقها التي ينبغي صونها، وحمايتها من الانتهاك خدمة لمصلحة البلاد. ومن خلال مراقبة التطوّرات التي طرأت على تلك الحركة يمكن القول إن العلماء العامليّين في النجف أخذوا يتابعون كلّ حركة، وكلّ تحرّك، واستعانوا بسعيهم الدؤوب لبناء دولة جديدة للوطن الجديد في إطار المبادئ الإسلاميّة. وكثير من هؤلاء قدّموا خدمات لا تُنكر للثورة في إيران، والوطن في لبنان، لكن الجدير بالذكر، والاهتمام أنّهم ظلّوا دائمًا كتلة متكاملة متراصّة، وكان كلّ منهم وطنيًّا مخلصًا لبلاده، ومناضلاً متقشّفًا على المستوى الشخصيّ، ونقل هذه التجربة إلى لبنان.

تعد الثورة الدستوريّة من أهمّ الأحداث، والتطوّرات السياسيّة التي شهدها تاريخ إيران الحديث والمعاصر، ووفق ما ذكرته المصادر فإنّ الثورة الدستوريّة كانت حصيلة عاملين أساسين:

الأوّل: تذمّر القاجاريّين من مساوئ الحكم القاجاريّ، وسوء الأوضاع الاقتصاديّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة للبلاد في عهدهم.

الثاني: الاتّصال المستمرّ بين إيران وأوروبا في القرن التاسع عشر، وتسرب الأفكار الحديثة إليها، وهذا خلق شعورًا في إيران بحاجتها إلى تحقيق الانتقال إلى النظام الملكيّ الدستوريّ.

وعلى الرغم من هذه العوامل، إلاّ أنّ هناك مجموعة من العوامل التي أسهمت في قيام الثورة الدستوريّة في إيران بالإمكان تصنيفها إلى عوامل داخليّة، وأخرى خارجيّة، ومن أهمّ العوامل الداخليّة التي يمكن عدّها عوامل مباشرة هي:

1- ظهور عدد من المثقّفين طالبوا بالإصلاح، ومقاومة الاستبداد القاجاريّ، وإقامة حكم دستوريّ في إيران، ومنهم: فتح عليّ أخندوف، ومحمّد خان مجد الملك، ويوسف مستشار الدولة التبريزيّ، وميرزا مالك خان ناظم الدولة، ولا يفوتنا جمال الدين الأفغانيّ الذي لا يغفل دوره في التّقريب بين المثقّفين ذوي التوجّه الغربيّ الذين تبنّوا الأفكار الدستوريّة، وبين رجال الدين.

2- الصحافة الإيرانيّة في الداخل التي تمثلت بوجود ما يشبه المنظمة السّريّة التي كانت مَهَمَّتها توزيع جريدة (قانون)، وغيرها من المنشورات التي كان يحرّم دخولها إلى البلاد.

3- سوء الأوضاع الاقتصاديّة للبلاد، والأزمة التي واجهها الحرفيّون الإيرانيّون بشكل خاصّ جراء فتح ملوك القاجار أبواب البلاد أمام السلع، والمنتجات الأوروبيّة، وتدهور الإنتاج الحرفيّ دفع الآلاف منهم إلى التوجّه إلى أذربيجان للعمل في حقول نفط باكو، وأثناء وجودهم هناك سنحت لهم فرصة الاحتكاك بالحركات السياسيّة والثورويّة في روسيا.

أمّا في ما يخصّ العوامل الخارجيّة فهي:

1- الاتّصال المستمرّ بين إيران وأوروبا في القرن التّاسع عشر عن طريق إرسال البعثات الدراسيّة، وفتح ممثليّات دبلوماسيّة إيرانيّة في العديد من العواصم الأوروبيّة.

2- الصحافة الإيرانيّة في الخارج، وما مارسته من دور مُهمّ في تحريض الإيرانيّين ضدّ الحكام القاجار، واستبدادهم بالشعب الإيرانيّ، ودعوتهم للثورة ضدّهم، وتشديدهم الرقابة على الصحف في داخل البلاد إلى مغادرتها، وإصدار الصحف في الخارج، وتعريف الإيرانيّين بالتطوّرات السياسيّة الحاصلة خارج بلادهم، ومن أبرزها صحيفة النجمة التي صدرت في إسطنبول عام 1876م، وصحيفة قانون التي صدرت في لندن عام 1890م، وصحيفة حكمت في القاهرة.

3- الجاليات الإيرانيّة في الخارج ودورها في نقل أخبار التطوّرات، والحركات الثورويّة الدستوريّة في البلاد التي يقيمون فيها فضلًا عن الجاليات التجاريّة في كراتشي، وبومباي، وكلكتا في الهند. وكابل، وهراة في أفغانستان. ومرو، وبخارى، وسمرقند في مناطق آسيا الوسطى، وبغداد، وإسطنبول، والقاهرة في الدولة العثمانيّة.

4- الثورة الدستوريّة التي قامت في روسيا عام 1905م شارك فيها الكثير من العمال الإيرانيّين الموجودين في روسيا وقتها، وقد أثرت تلك الثورة في قيام الثورة الدستوريّة في إيران، وهناك تشابهًا كبيرًا بين الثورتين الإيرانيّة والروسيّة.

بدأت أحداث الثورة الدستوريّة عام 1905م، فقد شهدت إيران في بدايتها ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الموادّ الغذائيّة ما شكّل أزمة اقتصاديّة في البلاد، وقد نشأت هذه الأزمة بسبب موسم الحصاد السيِّئ، والانقطاع المفاجئ في تجارة المناطق الشماليّة من إيران مع روسيا بسبب انتشار وباء الكوليرا، ونشوب الحرب الروسيّة اليابانيّة عام 1904 – 1905م، ما حدا بالحكومة الإيرانيّة أن تزيد من الضرائب على التجّار المحلّيّين.

كيف انطلقت الثورة

انطلقت الثورة في إيران من جراء حادثة بسيطة حدثت في عام 1905م، وخلاصتها: أنّ نفرًا من أهل البازار خالفوا بعض الأوامر الحكوميّة فأمرت الحكومة بشدّ أقدامهم في الفلقة، وجلدهم بالسياط، وكانت تلك عادة متّبعة تقع بين حين وآخر في عهد الشاه من دون أن يعيرها الناس اهتمامًا كبيرًا، وتجمّع عدد كبير منهم بينهم جماعة من رجال الدّين فذهبوا إلى مسجد الشّاه القريب من سوق البازار الكبير بغية الالتجاء فيه.

إنّ الالتجاء من التقاليد التي اعتاد الإيرانيّون عليها منذ العهد الصفويّ، وهم يسمّونه (البست)، ومعناه أن يذهب الناس إلى أماكن معيّنة كالمساجد، أو الأضرحة، أو بيوت المجتهدين، أو السّفارات الأجنبيّة، أو الإسطبلات الملكيّة، أو ميادين المدفعيّة، أو محطّات التلغراف، وهناك لا تستطيع الحكومة أن تلقي القبض عليهم. استطاع الإمام في مسجد الشّاه أن يطرد الملتجئين إليه بإيعاز من الحكومة، وبمعونة جماعة من أعوانه، فخرج المتلجئون من المسجد، وهم أكثر حماسًا من قبل، وانضم إليهم أناس آخرون، وتوجّهوا إلى بلدة الشّاه عبد العظيم على بعد بضعة أميال من طهران فالتجؤوا إلى المرقد  الموجود فيها، وهناك أعلنوا أنّهم لا يخرجون من مكانهم إلاَّ بعد إجابة مطالبهم، وكان من بين مطالبهم عزل عين الدولة من منصبه، وتأسيس دار للعدالة أطلقوا عليها اسم “عدالة خانه”. أخذ عدد الملتجئين في بلدة الشاه عبد العظيم يتكاثر يومًا بعد يوم، وكأنّ الناس وجدوا في ذلك فرصة لشفاء غليلهم من الحكومة، وصار الوعاظ والروضخونيّة – أي قرّاء التعزية – يصعدون المنابر ليندّدوا بالحكومة، وشجبوا أعمالها([18]). وما زاد في أهمّيّة هذا الالتجاء أنّ اثنين من أكبر علماء طهران كانا من بين الملتجئين وهما: السيّد محمّد الطباطبائيّ، والسيّد عبد الله البهبهانيّ، كما كان بينهم الواعظ المشهور آغا سيّد جمال الدين الأفغانيّ الذي كان صلة الوصل بين جميع دعاة الإصلاح([19].(

أرسل الشاه إليهم رسوله الخاصّ ليسترضيهم، فقابلوا الرسول بجفاء وأرجعوه خائبًا. واضطر الشاه أخيرًا أن يرسل إليهم كتابًا مسجّلًا بخطّ يده يتعهّد لهم فيه بإجابة مطالبهم. وعند هذا وافقوا على العودة، واستقبلتهم الجماهير في طهران استقبال الفاتحين. ولا حاجة بنا إلى القول بأنّ مكانة الطباطبائيّ، والبهبهاني قد ارتفعت ارتفاعًا هائلًا في نظر الجماهير يومذاك.

تفاقم الثورة

يبدو أنّ الشاه لم يستطع تحقيق وعده حيث أخذ على يده صهره عين الدولة. وفي منتصف آيار 1906م أصيب الشاه بالشلل، فانتهز عين الدولة الفرصة ليضرب ضربته، فقد أصدر أمره بإلقاء القبض على السيّد محمّد الطباطبائيّ، وحين جاء الجنود للقبض على هذا المجتهد الكبير تجمع الناس لتخليصه من أيديهم، فوقع من جراء ذلك اصطدام بين الجنود والأهالي سقط فيه أحد الأهالي قتيلًا، وشاء القدر أن يكون هذا القتيل من طلبة العلم، وسيّدًا من ذريّة الرسول(ص). ولما جرى تشييع القتيل وقع اصطدام آخر سقط فيه خمسة عشر قتيلًا. توتّر الوضع في طهران إلى الدرجة القصوى، وغادر طهران كثير من المجتهدين، وذهبوا إلى بلدة قم المقدّسة للالتجاء فيها، ثمّ أصدروا بيانًا هدّدوا الشّاه فيه أنّهم سيغادرون إيران جميعًا إلى العراق ما لم يَفِ بوعده لهم في تحقيق المطالب الشعبيّة. وأغلق أهل البازار دكاكينهم تأييدًا للمجتهدين، فأصدرت الحكومة أمرًا بنهب كلّ دكان يغلقه صاحبه. وهنا حدث حادث له مغزاه العميق. فقد ذهب فريق من أهل البازار إلى المفوضيّة البريطانيّة ينشدون معونتها، وحين وجدوا منها تشجيعًا التجؤوا إليها فخيّموا في حديقتها الواسعة الواقعة في ضاحية قولهك، وهناك أخذ عددهم يزداد يومًا بعد يوم، وأعلنوا أنّهم لن يرجعوا إلى فتح دكاكينهم حتّى تجاب مطالب المجتهدين([20]).

وفي هذا يقول السّيد هبة الدّين الشهرستانيّ في مذكّراته التي سجّل فيها بعض أحداث الثورة: “إنّ التجاء التجّار إلى المفوضيّة البريطانيّة أحدث فيهم تطوّرًا فكريًّا، ووعيًا سياسيًّا جديدًا، فهم كانوا قبلئذٍ يطالبون بتأسيس مجلس الـ(عدالت خانه)، ولكن زوجة المفوض البريطانيّ أخذت تُفْهِمهم بأنّ طلبهم هذا لا قيمة له، وأنّ هدفهم يجب أن يكون أوسع من ذلك وأهمّ، وهو الحرّيّة، والمساواة، والشّورى. وقد كانت تلك السيّدة مثقّفة، فاستطاعت أن تحدث فيهم التأثير المطلوب”([21]).

مهما يكن الحال فإنّ التجاء أهل البازار إلى المفوضيّة البريطانيّة كان حدثًا مثيرًا تحدّثت عنه صحف العالم، وأخذت تفسّره تفسيرات شتّى، ونشرت جريدة التايمز اللندنيّة في عددها الصادر في 14 أيلول من عام 1906م وصفًا للحادثة أرسله إليها مراسلها في طهران: “إنّ الالتجاء إلى المفوضيّة بدأ في شهر تمّوز، وأخذ عدد الملتجئين يتضخّم بسرعة حتّى بلغ في شهر آب اثني عشر ألفًا، وأصبحت الأسواق كلّها مغلقة، وكانت حديقة المفوضيّة مليئة بالخيام، وهي مزدحمة بشتّى الفئات، تجّارًا، وعلماء، وحرفيّين وغيرهم، وأخذوا يضبطون أنفسهم ضبطًا دقيقًا، فلم ينتج عنهم على الرغم من كثرة عددهم شيئًا منافيًا للقيم، وكانت مطابخهم، وتحضير طعامهم في غاية النظام، وكان منظرهم في الليل رائعًا حيث كان لكلّ خيمة “روزخون”(الروزخون شيخ يقرأ السيرة الحسينيّة) خاصّ بها، فيجتمع سكان الخيمة حوله ليستمعوا إلى قِصّة المقتل حيث يبكون على طريقتهم العجيبة، ويضربون رؤوسهم من شدّة الحزن…”([22]).

ولا نجانب الواقع إن قلنا إنّ المراجع قد انقسموا في الحوزات المستقلّة بين مؤيّد للحركة، وبين مؤيّد للشاه. ومن النّجف جاء الدّعم الأساسيّ للثورة، والدفاع الشرعيّ عن المطالبة الدستوريّة من مراجع التقليد، أبرزهم الملا كاظم الخراسانيّ، والشيخ عبدالله المازندرانيّ)[23])، وعبر مجموعة من العلماء في مقدّمتهم حسين النائينيّ([24]). ذلك أن محمّد عليّ شاه الذي ارتدّ على الدستور الذي فرضته الحركة الشّعبيّة على والده مظفّر الدين، لجأ إلى تقديم صيغة دستوريّة مشوّهة، وإلى تعطيل المجلس التشريعيّ المنتخب، فكانت فتوى المرجع كاظم الخراسانيّ التي تقول: “إنّ الإقدام على مقاومة المجلس الّتشريعيّ، ]هو[ إقدام على مقاومة أحكام الدّين الحنيف، فواجب المسلمين أن يقفوا حائلاً دون أيّ حركة ضدّ المجلس”([25]).

وهكذا بدأ التحرّك السياسيّ، والاجتماعيّ، وزاد روح الحماس حيث أصبح له شأن عظيم، ومكانة مرموقة في المجتمع الإسلاميّ آنذاك. ما اضطر الشاه أخيرًا إلى الرضوخ لإرادة الشعب، فعزل عين الدولة من منصبه، ونصّب في مكانه رجلًا من أنصار الثورة هو نصرالله خان، ثمّ أصدر أمره بإجراء الانتخابات للمجلس النيابيّ الذي سمّي بـ”المجلس الشوريّ الملّيّ”([26]).

نتائجها

أعطت الحركة الدستوريّة عددًا من النتائج كان بعضها سلبيًّا، والآخر إيجابيًّا بسبب عدم قطعيّة بعض رجال الثورة وتحفظاتهم، ثمّ عدم تنفيذ بعض موادّ الدستور ندرج أهمّها:

– تثبيت الدستور، وقيام المجلس.

– إعلاء كلمة العلماء، وتبجيلهم لقيادتهم الحكيمة للحركة الدستوريّة، وتفانيهم في سبيل الأمّة.

– تأديب المعارضين لمصالح الشعب، وضربهم وتنحية الشاه، وأعوانه.

– اشتداد عداوة الروس للنظام تحت ظلّ الدستور، وما نتج عن ذلك حركة مُهِمَّة قام بها المصلح والمجاهد الخراسانيّ.

– وقوع حوادث لم تكن بالحسبان في أنحاء المملكة الإيرانيّة، وخصوصًا في مقاطعة أذربيجان ومقرّها تبريز، نتيجة استغلال بعض المصلحين الفرصة، ووقوع الخسائر الفادحة في الأموال والأرواح([27]).

لئن كانت تلك الأحداث قد انتهت في الأحوال كافّة بهزيمة الشاه، فإنّها تركت في جسد الحكم القاجاريّ جراحًا لم يكون من السهل أن تندمل. ولعلّ أقسى جراح تلك السلطة مقتل الشاه كرمز من رموز النظام، وأحد أقوى أفراد الأسرة المالكة آنذاك، فقد أشارت إلى الإمكانات التي لا يزال الثوّار قادرين على اللجوء إليها، لتحقيق غايتهم الأساسيّة التي كانت، وباتت دائمًا تنشر الفوضى، والرعب، وإشغال القوى الأمنيّة، والسياسيّة حتّى سقوطها، وتسلّم الحكم مكانها. أصبح هذا الشعور مترسّخًا لدى الثوّار، ولم يكن مقتل الملك عمليّة انتقام من شخص. على أيّ حال، كان الثوّار يرون أنّه يستحقّ الانتقام، بل كان مؤشّرًا واضحًا على مواصلة الثورة، وأنّ الثوّار قادرون على تحقيق أهدافهم الثورويّة، والسياسيّة.

التأثير السياسي والفكريّ بين إيران وجبل عامل

إنّ التسامح المذهبيّ الذي عُرف به التيّار الاجتهاديّ هو الذي أسّس لهذا الانفتاح الفكريّ على المذاهب الأخرى لدى علماء الثورة، وإذا عدنا إلى سيرة الشهيدَين الأوّل والثاني، ولتلاميذ الشهيد الثاني، ثمّ للشيخ البهائيّ قبل غلبة التيّار الإخباريّ في إيران، لوجدنا حرصهم على محاورة المسلمين الآخرين من غير الشّيعة من دون عقدٍ، ومن دون تشنّج ،أو مداراة، وجميعهم سافروا إلى الشام، وإلى مصر للأخذ عن العلماء فيهما، والشهيد الثاني وتلامذته كانوا يدرّسون الفقهَ في مدارس جبل عامل، وبعلبك على المذاهب الخمسة(([28]، والشيخ البهائيّ سافر إلى دمشق، وحلب، ومصر ،والقسطنطينيّة، وحاور علماءها، وكتب بعد عودته إلى إيران “الرسالة الاعتقاديّة” يعرّف فيها الفكرَ الاثني عشريّ، وخصائصَه بطريقة موضوعيّة، مستقرئًا ما كان ميدان خلاف بين متكلّمي الشّيعة والسنّة وفقهائهم، مبرّئًا الاثني عشريّة من الاعتقادات الباطلة التي تؤمن بها الفرق الغالية([29]). وكلّ ذلك دليل على انفتاح هؤلاء العلماء على المسلمين الآخرين، وعدم تقوقعهم على ذاتهم داخل شرنقة المذهب،

وهذا ما فعله السيّد موسى الصدر حين جاء إلى لبنان وأنشأ علاقات ودّيّة بعلماء المسلمين والمسيحيّين، وما فعله الإمام الخمينيّ حين دعا إلى الوحدة الإسلاميّة للوقوف في وجه الاستكبار العالميّ.

الحواشي

** دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر.

[1] – سيرة السيّد محسن الأمين، تحقيق وشرح هيثم الأمين، دار الريّس للكتاب والنشر، بيروت 2000، ص 125.

[2] – نجيب نور الدين: إيديولوجيا الرفض والمقاومة، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت 2003، ص 18.

[3]  – المصدر نفسه، ص 18.

[4] – المصدر نفسه، ص 108.

[5] – Wortabet,John M.D Researches into the Religions of Syria ,James Nisbet ,London, 1860,p.281.

[6] – Lortet, Louis,La Syrie D’aujourd’hui.Hachette,Paris,1884,p134.

[7]– Olmert,Joseph,The Shi ‘is and the Lebanese State, in Shi ‘ism, Resistance and Revolution,ed Marti Kramer, Mansell Publishing,Londres, 1987,p. 190.

[8] – مرتضى مطهّريّ، الإسلام وإيران، تعريب محمّد هادي اليوسفيّ، دار التعارف للمطبوعات، 1400هجرية، ص 253 .

[9] – نظام الدين مجير شيبانى، تشكيل شاهنشاهى صفوى، انتشارات دانشگاه تهران، – 1345 ه. ش 1966 م، ص 49.

[10] – السربداران” أمراء تولّوا الحكم بعد زوال حكم الإيلخانيّين مدّة نصف قرن تقريبًا من 1337 إلى 1381 م. أهمّيّتهم التاريخيّة أنَّهم حملوا لواء التشيّع وحاولوا نشره قبل الصفويّين.

[11] – محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، ج3، بيروت 1983، ص 81.

[12] – صادق بحر العلوم، لؤلؤة البحرين، مطبعة السمّان، النجف الأشرف، 1966م، ص 151 و152.

[13] – مجلّة المنار:المجلّد العاشر، العدد11، ص 820.

[14] – Amanat,Abbas:”In Between the Madrasa ans the Marketplace:theDesignation of Clerical Leadership inModern Shi’ism” in Authority and Political Culture in Shi’ism,ed.said Amir Arjomand,State University of New York  press,  Albany,1988,p.119.

[15] – مجلّة العرفان: المجلّد الثامن،عدد1، ص 124.

[16] – حسن الأمين: “محسن الأمين سيرته بقلمه وأقلام آخرين” نصوص جمعها حسن الأمين (ب. م) 1983م، ص 220.

[17]– Abdul-Hadi Hairi: Shi’ismand Constitutionalism in Iran A study in the Role Played by the Persian Residents of Iraq in Iranian Politics.Brill,Leiden,1977,p.127.

[18] – Asghar Fathi, “Preachers as substitutes for mass media: the case of Iran 1905-1909 “in Towards                amodern Iran:Studies in Thought,Politics and Society ,ed.Elie Kedourie et Sylvia Haim,Frank Cass,       Londres,1980 , p. 169.

[19] – صابرينا ميرفان: حركة الإصلاح الشيعيّ، ترجمة هيثم الأمين، دار النهار للنشر، ط1، بيروت 2003م، ص 160.

[20] – د. عليّ الورديّ: لمحات اجتماعيّة، ج5/ ص: 107 – 109.

[21] – عليّ الخاقانيّ: شعراء الغري، النجف 1956م، ج1/ ص: 85.

[22] – أدوارد براون: انقلاب إيران / فارسيّ، ص 119.

[23] – صابرينا ميرفان: حركة الإصلاح الشيعيّ، (مصدر سابق)، ص 161.

[24] – محمّد حسين النائينيّ (1860 – 1936): لقد عرض وجهات نظر علماء الكلام الشيعة حول الحكومة الدستوريّة في إطار عقائديّ فأعطاها بذلك أسسها المنهجيّة، وكان النائينيّ تلميذ السيّد محمّد حسن الشيرازيّ في سامراء قبل أن يصبح أمين سرّه في أواخر حياته. فكان منقطعًا لنقد الاستبداد، وللدعاية السياسيّة، وكتب رسالته تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة في المدّة بين إلغاء الدستور سنة 1908م، واستعادته إذ كان النقاش حاميًا. وتقوم براهينه على إثبات أنّ الدستوريّة توافق الشريعة، معتمدًا بصورة أساسيّة على القرآن والسُنّة، وإقرار مبدأ الشورى الذي يقول به القرآن. للمزيد: انظر: Luizard , Pierre-Jean: La Formation de L’Irak contemporain.Le role Politique des Ulemas chiites a’ la fin de la domination ottoman et au moment de la creation de L’Etat irakien, CNRS,Paris,1991,p 296.

[25] – حسن الأسديّ: ثورة النجف، ص: 69.

[26] – د. علي الوردي: لمحات اجتماعيّة، ج5/ ص: 109 – 110.

[27] – مجلّة العرفان اللبنانيّة، ج7/18 تمّوز 1909م، ج7/ ص: 358.

[28] – محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف، ج7، بيروت 2003م، ص 144.

[29] – دلال عبّاس، بهاء الدين العامليّ أديبًا وفقيهًا وعالمًا، بيروت، دار الحوراء، ط1، 1995 م، ص 572.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website