foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

نحو النّصّ والخطاب

0

نحو النّصّ والخطاب

                                                          سوزان محمّد زعيتر*

المقدّمة

لمّا كان التواصل مفروضاً بين البشر، تنوّعت طرائقه وأغراضه التي تصبّ في مجال محدّد، فاختلفت أنماط التّعبير وتعدّدت النّظريات حوله.

وبما أنّ النّصّ بوصفه أحد أفعال التواصل يقتضي معرفة بالمحيط الألسني، وبالبناء وبالأنظمة القوليّة المنظّمة في بنية الذّهن البشريّة ذلك أنّ هذا الذّهن ينظّم شؤونه في ترسيمات واضحة متماسكة لها قوانينها وأساليبها الخاصّة بعيداً من التشوّش والارتباك والفوضى التي تعتري الذّهن البشري أحياناً.

إنّ “اللّغة أكثر طرق الاتّصال الإنسانيّ استعمالاً وأعظمها تطوّرًا. وما تتضمّنه هذه العبارة على جانبٍ كبيرٍ من الأهميّة، إذ يعني كونها وسيلة اتّصال أنّها تقوم أساسًا بنقل المعلومات بطريقةٍ ما، أيّ أنّها رسالة بين مُرْسِلٍ ومُسْتَقْبِلٍ.

والرّسالة إمّا تنقل صوتيًّا من خلال الهواء، وإمّا كتابةً بوساطة علامات مكتوبة. فاللّغة، إذًا، صورة من صور الاتّصال”([1]).

أسعى في هذا البحث إلى التقديم البسيط حول التكيّف مع النّصّ بكونه فعل تواصل، وتمييزه من الخطاب فعل التّواصل الآخر، لعلّ ما فيه من تنظيم ومن علميّة أتوخاها تسدّ ثغرة أو نقصاً وتزيدني معرفة في حال أصبت.

المبحث الأوّل: الكلام ووظائفه

1- العلامة اللّغوية

العلامة اللّغوية وفق الرّؤية السّوسيريّة، بنية متماسكة قوامها دال ومدلول (Signifiè, Signifiant)، فلا دال بلا مدلول، ولا مدلول بلا دال. ويعني ذلك بالنسبة إلى التفكيكيّة سيطرة المفهوم (المدلول) على الدّال والذّات المفكرة على الموضوع. ففي اللّحظة الحاسمة، لحظة النّطق بالكلام، يكون معنى ذلك الكلام هو المعنى الماثل في الذّهن. وهو معنى غير قابل في تلك اللّحظة لأن يتحوّل إلى (دالّ) جديد يفتح الباب أمام معنى جديد وهكذا دواليك.

نسف وحدة طرفي العلامة هو أولى استراتيجيّات تفكيك النّصّ وحرمانه من سلطته التقليديّة المعروفة له في ظلّ الحداثة في أن يقول أو يعني شيئاً ما يمكن تثبيته. وحرمان النّصّ من أن يعني شيئاً هو قبل ذلك، حرمان الدّال العلامة اللّغوية من أن يرتبط بمدلول واحد أو محدّد.

2- الكفاية اللغويّة

رأى سوسير أنّ اللّغة منظومة من العلامات التي تعبّر عن فكر ما، فهي شبيهة بالإشارات العسكريّة وأبجدية الصّمّ والبكم وغير ذلك.

فاللغة نظام اجتماعيّ يشمل النّحو والتراكيب والمفردات التي تشكّل عنصر فعل التّواصل والصّلاحيّة النّصيّة. في حين أنّ الكلام فردي يتحقق على لسان الفرد. و”اللّغة منظومة علامات مترابطة وهي الممكن، أمّا الكلام فهو الحقيقيّ وهو استخدام للّغة”([2]).

ثمّ إنّ اللّغة “تُدرس عن طريق مناهج متعدّدة للدّلالة والأسلوب والمعجم والنحو والصّرف والتّشكيل الصّوتي، ويدرس الكلام عن طريق منهج الأصوات”([3]).

إنّ اللّغة مجموعة من الإشارات. ويرى سوسير بمنظور شموليّ، أنّ “اللّغة هي كل نظام معين من الإشارات المضاعفة، وتستخدم في نقل رسالات إنسانيّة”([4]). واللّغة أداة من أدوات الإيصال، لكنّها الأرقى ، ففيها يتميز الإنسان من سائر (الحيوان)، وبها صار (الفصيح) على حدّ تعبير الجاحظ([5]) وبها صارت النّفس الناطقة هي الإنسان من حيث الحقيقة”([6]).

طوّر تشومسكي ثنائية سوسير إلى ثنائيّة الكفاية اللّغويّة والأداء اللّغوي، فالكفاية اللّغوية جهاز كامن في بنية الذهن يتألف من قواعد اللّغة، ومن العناصر الّتي تنطبق عليها تلك القواعد (المعجم) أمّا الأداء اللّغوي فيعني التحقيق العيني للكفاية اللّغويّة.

نستنتج من كلّ ذلك أنّ قواعد اللّغة الصّرفيّة والنّحويّة والمعجميّة الّتي يمتلكها مستخدمو اللّغة المثاليون تمكنهم من أن يفهموا وينتجوا، ويقبلوا أو يرفضوا جملاً لا تحصى من لغتهم، وفقاً لأحكام القواعد. ولكن هل تكفي القواعد الصّرفيّة والنّحويّة والمعجميّة لإنجاز فعل التواصل؟

3- الكفاية التواصليّة

أوّلاً: لمعرفة الكفاية التواصليّة علينا تعريف التواصل، الّذي هو الأداة التي تنقل رسالة من متكلّم إلى مخاطب عبر استخدام شيفرات لغويّة مشتركة بينهما، وتتعيّن الكفاية التواصليّة بالمعرفة الضمّنيّة بقواعد اللّغة وبالقواعد الثّقافيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة الّتي تتحكم بعمليّة التخاطب في السيّاق الاجتماعيّ فالكفاية التواصليّة تشمل إذاً:

  • الكفاية اللّغويّة: المعرفة الضمّنيّة بقواعد اللّغة وفهم الكلام وإنتاجه.
  • الكفاية اللّغويّة الاجتماعيّة: مهارة استعمال مختلف أنماط ظروف التواصل (إنشاء حكاية واقعيّة في موقف تواصلي).
  • الكفاية الثّقافيّة الاجتماعيّة: كرسم حادثة تاريخيّة.
  • الكفاية المرجعيّة: المعرفة بأشياء العالم المحيط بالفرد (استخدامات ممكنة لأشياء متنوّعة).
  • الكفاية الاستراتيجيّة: مهارة استعمال الاستراتيجيّات الكلاميّة لإنجاز الأفعال التواصليّة (إدارة فعل تواصلي).

بالتالي نلحظ أنّ الكفاية اللّغويّة أي إنتاج جمل سليمة وصحيحة استناداً إلى قواعد اللّغة ليست سوى عنصر واحد أو شرط من شروط الكفاية التواصلية. ما يستدعي الانتقال من النظري إلى العملي أو من القاعدة إلى الممارسة، ذلك أنّ المهمّ ليس معرفة المعنى العام للجملة “القواعديّة”، إنّما قصديتها أو دلالتها، هي فعل تواصلي. ولإنجاز الفعل التواصلي كان الكلام لا لإنجاز جمل.

4- من الجملة إلى الملفوظة: (القول)

الجملة إنشاء ألسني نظري في حال إنتاجها، وتناولها مفردة ومعزولة عن أي سياق ألسني، أو موقف تواصلي، يمكن تكريرها إلى ما لا نهاية من غير أن تحيل إلى أي واقع، وهي بذلك تنتمي إلى المجال التّقديري أو الافتراضي. وبمجرّد أن يتلفّظ بها في سياق معيّن، تصبح الجملة ملفوظة وحيدة.

تنتمي الملفوظة (= القول) إلى مجال الممارسة. وبهذا، نتكلم على معنى عام للجملة، وعلى دلالة خاصّة للملفوظة. كمعنى الجملة لا يتعلّق بظرف وإطار وموقف، أما دلالة الملفوظة فمرتبطة بالموقف، ما يعني أنّ الملفوظة هي التي تنتمي إلى الفعل التواصلي، إذ إنّها نتيجته، وهي وحدة الرسالة التي يبلّغها المتكلّم إلى المخاطب. انطلاقًا من كل ذلك، يمكننا تمييز التّفسير البراغماتي، من التفسير الدّلالي، ذلك أن التفسير البراغماتي تداولي ينظر إلى الملفوظة في مجال الممارسة والموقف والحياة، أمّا التفسير الدلالي فهو تفسير للجملة تفسيراً يتطابق مع معناها العام، بمعزل عن تناولها في موقف أو سياق معيّن، ويمكننا إنجاز هذا التفسير نحوياً، ومعجمياً.

وهذان التفسيران يخضعان لاكتساب الكفاية اللّغويّة وحدها، أي: للمعرفة الضمنيّة بقواعد اللّغة الصرفيّة والنحويّة والمعجميّة، والتي تتحقق عبر القواعد التّوليديّة والقواعد التّحويليّة، التي قال بها تشومسكي.

أمّا التفسير البراغماتي فهو تفسير للجملة في مجال الممارسة. والتّفسير الدلالي المعتاد والمألوف للجملة يقوم بمعادلات نحويّة (كتب داني رسالة – داني كتب رسالة…) أو بمعادلات معجميّة (وبّخت الأمّ ابنها – أنّبت الوالدة ولدها…)، أما النفسي العلمي (البراغماتي)، فهو تفسير لجمل في مجال الممارسة والتداول، حيث التلفظ بها في موقف وسياق وظروف ما. فإذا قلت لرفيق لك: “إنّها تمطر”، فيعرف قصدك من ظروف القول، لكأنك تقول له: “خفف سرعة السيارة، أو “لا تقم بنزهتك، أو: أغلق الباب”. وهكذا فقد نستخدم عدداً من الجمل لتأدية طلب واحد، في موقف تواصلي ما. إذاً، في التواصل، ولمعرفة القصديّة أو الدلالة العلميّة، علينا تحديد المتخاطبين، ومعيّنات المكان والزّمان، والسياق التواصلي وظروفه.

5- من الملفوظة إلى التلفظ: (= القول وقائله)

الملفوظة اسم مفعول، مجهول، هي نتيجة التّلفّظ الذي يحمل دلالة فعل القول. والفرق بين الملفوظ والتّلفّظ كالفرق بين المنتج وعملية الإنتاج.

يشتمل التّلفظ كيفية القول، والموقف الذي يتحقق فيه، والمتلفّظ. فعناصر التلفظ هي: المتخاطبون- ظروف التخاطب – مكانه – زمانه.

نستنتج أنّ الموقف التّلفظي موقف يتبادل فيه متخاطبان أو أكثر الكلام. وكلّ تبادل كلامي يقتضي متكلماً ومخاطباً يتبادلان في موقف وزمان ومكان معيّن. فعند قول أحدهم: “سأزوركم غداً في مدرستكم…” فإنّ كلّ كلمة في قوله تحيل إلى الفعل التواصلي، إذ تميّز في ذلك القول ما يأتي:

  • ضمير المتكلم المستتر (=الأنا).
  • ضمير المخاطبين الظاهر (=كم).
  • الزمان (= غدا، س).
  • المكان (=المدرسة).

حينئذ تتحول الملفوظة إلى تلفّظ. إذ نبحث عن التّلفظ عن:

  • المتخاطبين.
  • المكان ومؤشّراته.
  • الزّمان ومؤشّراته.
  • ظروف التّخاطب.

6- من التّلفّظ إلى فعل التّواصل: وظائف الكلام

يفترض كلّ تلفّظ وجود آخر نسعى إلى التأثير عليه، أو إقناعه، أو حثه على إنجاز عمل معيّن، أو تقديم معرفة معيّنة بموضوع، أو تثقيفه أو الإفادة منه… فالذي يتكلم يأخذ ويعطي، يفهم ويُفهم، يتضمن كلامه رسالة (= مرسلة) يتوخّى ابلاغها إلى متلقّ حاضر أو غائب، ما يعني أنّ فعل التكلّم يصبح خطاباً.

ولقد حدّد جاكوبسون عوامل التّواصل بستّة هي:

المرسل- المرسّل إليه – المرسلة – السّياق – الاتّصال – البناء الرّموزي. وينتج من تركيز الكلام على كلّ منها أو فيه، وظيفة للكلام أو أكثر. وجمعيها، أي: العوامل والوظائف سنقدّمها عبر ترسيمة تساعد على مقاربة النّصوص النّثريّة، على اختلاف أنواعها، إلى جانب الإفادة منها لمقاربة النّصوص الشّعرية، وقد وجد جاكبسون “أن عمليّة الاتّصال بين اثنين قوامها: مرسِلٌ، رسالةٌ، مَرسَلٌ إليه”([7]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

\

 

يرسل مرسِل مرسلة إلى مرسَل إليه، تتطلّب المرسلة موضوعاً يجري الكلام عليه، إنّه المرجع، أو المحتوى الّذي يشير إلى السّياق، يقدّم المرسِل معلومات عنه يفهمها المرسَل إليه، وتتطلّب المرسلة شيفرة لغويّة مشتركة بين الطّرفين (بناء رموزي)، وإنشاء قناة اتّصال، وهذا الاتصال يتيح إنشاء التّواصل واستمراره.

إذا تركّز الكلام على المرسِل، وفي ذاته، تولّدت الوظيفة الانفعاليّة أو التّعبيريّة (الذّاتية أو الوجدانيّة)، ومن ظاهراتها حروف التّعجب وتعابيره. وهيمنة هذه الوظيفة تكشف عن محوريّة ذات المتكلّم، ومشاعره، وأفكاره، ومقاصده، ورغباته، وموقفه، ومناداته ما يجول في خاطره.

أ- لاحظ كيف يركّز المتنبّي كلامه على ذاته، وانفعاله، فعبّر عن حاله وموقفه:

أصخرة أنا مالي لا تحركني                 هذي المدام، ولا هذي الأغاريد؟

ماذا لقيت من الدنيا؟ وأعجبه                أني بما أنا شاك منه محسود

خلقت ألوفا، لو رجعت إلى الصّبا           لفارقت شيبي موجع القلب باكيا([8])

إذا تركّز الكلام على المرسل إليه، أي: على المخاطب، تولّدت الوظيفية النّدائيّة، ومن مؤشّراتها ضمائر المخاطب/ المخاطبين، الأمر، النهي، الالتفات، المصادر الحاملة طلباً. ومن هذه الوظيفة التّأثير في الآخر، وحثّه، وحضنه، والإيعاز إليه، وإرشاده، وإقناعه، وتعديل رأيه. ويقترن الإيعاز والإقناع، أحياناً، بالتّبرير أو التّعليل لإفهام المخاطب، لذلك يطغى على هذه الوظيفة النّمطان: الإيعازي والبرهاني.

لاحظ كيف يركز الإمام علي (ع) كلامه على أتباعه، مثيراً، ومؤثّراً، ومؤنّباً، ومقنعاً، ومعبّراً في آن معاً:

“ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، سرّاً وإعلاناً، وقلت لكم: أغزوهم قبل أن يغزوكم، فو الله، ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتّى شنت الغارات عليكم، وملكت عليكم الأوطان فيا عجبا، والله يميت القلب، ويجلب الهمّ: اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فقبحًا لكم وترحًا حين صرتم غرضاً يرمي، يُغارُ عليكم ولا تغيرون، وتّغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون… يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الجمال! لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم!…” ([9]). (النوع خطابة، النمط برهاني)

إن هذه التراكيب موضوعها المرسَل إليه (المتلقّي)، ووظيفتها إفهامه أنّه المقصود بهذه المعلومات لكي يقوم بما طُلب منه.عندما يتركز الكلام على السّياق، أي على الموضوع والمحتوى. تتولّد الوظيفة المرجعيّة، أو التّعينيّة أو التّثقيفيّة، إذ يقصد من الكلام تزويد الآخر بالمعرفة والثّقافة حول الموضوع. وفي هذا المنحى، نتكلّم على الوجه الخبريّ، أو الإعلاميّ للملفوظات، فتهيمن رسالة من نوع: الماء يتبخّر عند المئة درجة وهذه الوظيفة المركّزة في السّياق وعليه، تمثّل التّبرير الأساسيّ لإنشاء عملية التّواصل، على غرار كلامنا على موضوعات ووقائع معيّنة، أو على وثائق وثقافات وتاريخ، أو على البيئة والمجتمع.

يغلب في هذه الوظيفة، استخدام النّمط التّفسيري بمتفرّغاته: الخبري = التفسيري المقتضب، والتّوضيحي، أو الإبلاغي المعلّل والمفصّل، فضلاً عن النّمط الوصفيّ في الدّرجة الصّفر، أي: الوصفي الموضوعي والخارجي.

أ- لاحظ تركيز البحتري كلامه على بركة المتوكّل:

يا من رأى البركة الحسناء رؤيتُها            والآنسات، إذا لاحت مغانيها

يحسبها أنّها، في فضل رتبتها               تعدّ واحدة، والبحر ثانيها

تنصبّ فيها وفود الماء معجلة               كالخيل خارجة من حبل مجريها…([10])

(النمط: وصفي خارجي)

ب- ولاحظ كيف يركز د. فؤاد الحاج كلامه على دماغ الإنسان، وكيف يتذكّر؟

“في دماغ الإنسان ألف مليار خليّة، وكلّ خليّة متّصلة بعشرات الخلايا بوساطة أسلاك عصبيّة. صورة منظر، أو ذكرى حادثة، تحتلّ عدّة مئات من آلاف الخلايا، وتأخذ حيّزاً مقاسه نصف ميلمتر. يتذكّر الدّماغ الحادثة عندما تنطلق شرارة كهربائية من أوّل هذه الخلايا إلى آخرها، ثم يتكرّر انطلاق الشّرارة في الخلايا نفسها، من أوّلها إلى آخرها، مرّات عديدة، طيلة المدّة الّتي خلالها تمثّل الحادثة أمام تفكير الدّماغ”.                     (النوع: علمي، النمط: خبري تفسيري)

إنّ هذه الوظائف الثّلاث: التّعبيرية المركّزة على “الأنا”، والنّدائية المركّزة على “الأنت”، والمرجعيّة المركّزة على “الهو”، هي الوظائف الأساسية في عمليّة التّواصل.عندما يتركّز الكلام على المرسلة، فتكون ذاتيّة المرجع، تتولد الوظيفة الشّعرية أو الجماليّة، تغلب الوظيفة الشعرية، أو الإبداعية أو الفنيّة على النّصوص الّتي يتركّز فيها الكلام على الرّسالة. عندما يتركز الكلام على الإيصال، تتولد الوظيفة التّنبيهية، أو التّفاهميّة: ألو – أتسمعني؟ أنت معي؟ ومنها التأكيد، والتّكرار، والأطناب.

عندما يتركّز الكلام على البناء الرّموزي، تتولّد الوظيفة التّقعيديّة، أي، وظيفة ما وراء اللّغة أو (الميتالسانيّة). وهذا يعني أنّنا نستخدم اللّغة للكلام على اللّغة وقواعدها.

المبحث الثاني: نحو النّصّ والخطاب

1- من الملفوظة إلى المتتالية

تتألف الكلمة من مكونات صوتية صغرى تسمى لوافظ، وليس لهذه اللوافظ قيمة دلاليّة، إنما هي ذات قيمة تمييزيّة، اختلاقيّة أو تضادية، بحيث إن تبدّل لافظ واحد / ب/ أو/ م/، أو / ص/… من كلمة إلى أخرى يعدل الدّلالة ويغيرها، وهكذا يتغير المدلول من “مصير” إلى “مسير”، بمجرد إبدال اللافظ /ص/، باللافظ /س/. ففي الكلمات إذا مؤتلفات صوتية، ومختلفات أو متضادات صوتية، وهذه المختلفات هي التي تبدل الدلالات…

وتتكون الجملة من سلسلة من الكلمات المترابطة الخاضعة لقواعد صرفية ونحوية ومعجمية دقيقة، ما يضفي عليها معنى مكتفياً بذاته.

ولقد رأينا أن للجملة معنى عاماً تحتفظ به، كامناً فيها، منذ إنشائها… إلا أنّ مجرد التلفظ بها في سياق لغوي، أو في موقف أو وضع ما، يحولها إلى ملفوظة ذات دلالة خاصة تستفيدها من السياق والموقف… عندئذ ننتقل من الكفاية اللّغوية الّتي تتحقق في الأداء الكلامي، إلى الكفاية التواصلية التي تتحقق في التبادل والخطاب…

وعندما تستدعي ملفوظة، أو أكثر، في الموقف التداولي (= البراغماتي)، ملفوظة أخرى أو أكثر، يُستكمل الفعل التواصلي، ويشكل متتالية متجانسة ومترابطة ومتعاضدة، فالمتتالية تتكون على الأقل من ملفوظتين: أنت مراهق (ملفوظ 1) فمن المستحسن أن تحصل على عطلة (ملفوظ 2). والمتتالية ذات ترسيمة تعكس حركة كاملة برهانية، أو تفسيرية، أو سردية، أو وصفية، أو حواريّة… وهي وحدة تعبيريّة ضمن نمطها الخاصّ، البرهاني، أو التّفسيري، أو السّرديّ، أو الوصفي، أو الحواري.

2- من المتتالية إلى النّصّ

النص بناء لغوي، قد يتكون من متتالية واحدة (= سلسلة من الملفوظات المترابطة التي يستدعي بعضها بعضها الآخر)، أو من متتاليات متنافرة: سردية، وصفية، برهانية، تفسيرية، حوارية، إلا أنّها، في هذه الحال يجب أن تتعاضد وظيفياً لتحقق بنيته الدلاليّة الكبرى أو الكليّة.

3- النّصّ: تعريفه

النّصّ لغة

المفهوم اللّغوي لكلمة نصّ في لسان العرب في مادّة نصص: النّصّ رفعك الشّيء. نصّ الحديث ينصّه نصًّا بمعنى رفعه وأظهره، وفلان نصّ أي استقصى مسألته عن الشيء حتّى استخرج ما عنده، ونصّ الحديث ينصّه نصًّا، ونصّ كلّ شيءٍ مُنتهاه([11])، والنّصّ مصدر وأصله أقصى الشيء الدال على غايته أو الرفع والظهور ونصّ المتاع: جعله بعضه فوق بعض([12]).

النص اصطلاحاً، فمعناه في معجم المحيط يطلق على الكلام والمفهوم من الكتاب والنّصّ يعني في معجم المصطلحات في اللّغة والأدب: الكلمات المطبوعة أو المخطوطة الّتي يتألّف منها الأثر الأدبي النّص عند رولان بارت: النسج دائماً إلى الآن على أنّه نتاج وستار جاهز يكمن خلفه المعنى الحقيقي ويختفي بهذا القدر أو ذاك، فإنّنا الآن نشدّد داخل النّسيج على الفكرة التوليديّة الّتي ترى إلى النّصّ يصنع ذاته عبر تشابك دائم تنفكّ الذّات وسط هذا النّسيج، ضائعة فيه كأنّها عنكبوت تذوب هي ذاتها في الإفرازات المشيّدة لنسيجها ولو أحببنا استحداث الألفاظ لأمكننا تعريف نظريّة النّصّ بأنّها علم نسيج العنكبوت. وجاء في مصطلح اللّسانيات أنّنا نطلق مصطلح النّص على مجموعة (الملفوظات) أو العبارات اللّسانية الّتي تخضع للتحليل، فالنصّ هو “نموذج سلوك لساني سواء أكان منطوقًا أو مكتوبًا” لأنّه وبكلّ بساطةٍ كل مادّة لسانية مدروسة تشكّل بالتّساوي نصًّا([13]).

فالنّص في معناه العام، هو الكلام المنطوق أو المكتوب الّذي يشكّل وظيفة تواصلية محدّدة (مثلاً: قصيدة، أقصوصة، أو فصل من كتاب، أو تقرير إخباري، أو عِظة…) ويصلح نموذجًا لوصف اللّغة وتحليلها([14]).

ويمكننا القول إن “النّصّ مجموعة من الأحداث الكلاميّة، الّتي تتكون من مرسِل للفعل اللّغويّ ومتلقٍّ له، وقناة اتّصال بينهما، وهدف يتغيّر بمضمون الرّسالة، وموقف اتّصالي اجتماعي يتحقّق به التّفاعل([15]).

4- النّصّ كلّ لا يتجزّأ

النّصّ منعكس لثقافة المجتمع بكافة شبكاته المعقدة عبر التاريخ والجغرافيا والعلاقات بين الأفراد، هو مجموعة من العلاقات اللّغويّة الّتي تخدم فكرة أو مجموعة أفكار أو مفاهيم قابلة للتفسير والشرّح والتأويل ممّا يمهد لتطويع النّصّ لقراءات جديدة أو تأكيد قراءة ما.

وقد قامت اللّسانيات النّصيّة على أساس أنّ النّصّ الأدبي كلاً لا يتجزّأ. وتمثل في كونه اتّجاهاً اتخذ من النّصّ محوراً للتحليل اللّساني، لأنّه يبدأ من النّصّ وينتهي به. وقد عرّف النّصّ أنّه حديث تواصليّ، يلزم سبعة معايير مجتمعة، وتزول عنه النّصّيّة إذا تخلّف واحد من هذه المعايير.

وهذه المعايير هي: الاتساق – الانسجام – القصديّة – القبوليّة – الإعلاميّة – الموقف أو المقام – التّناص.

1- الاتساق (Cohesion) أو التّماسك أو السّبك أو التّضام

وهو الرّبط النحوي أو الترابط النّصيّ وهو مجموع الإمكانيّات المتاحة في اللّغة لجعل أجزاء النص متماسكة بعضها ببعض، والاتساق على نوعين هما: الاتساق الدلالي والاتساق التركيبيّ.

ويتحقق الاتساق التركيبي عبر الوصل بين الجمل بأدوات الرّبط، والأسماء الموصولة، وحروف التفسير والتعليل…

أما الاتساق الدّلالي فيتحقق عبر الإحالة، حيث يوظّف الكاتب الضّمائر (الهاء – هو – هم…) الّتي تحيل على ما يسبق وتسمّى إحالة قبليّة. كما يوظّف أسماء الإشارة الّتي منها ما يحيل على ما يسبق وتسمّى إحالة قبليّة…

فالضّمائر وأدوات الإشارة تحقق اتساق النّصّ، فالاتساق إذاً؛ هو التماسك بين الأجزاء الّتي تشكل النّصّ من خلال الوسائل اللّغويّة، أو الرّوابط، الّتي تجعل العناصر المكوّنة لوقائعه مترابطة بعضها ببعض، ولا يتحقق التماسك إلا بتوفير وسائل التماسك والالتحام الّتي تجعل النّصّ كينونة واحدة ذات استمراريّة ومن أهمّ الوسائل: الإحالة، الاستبدال، الحذف، الرّبط والتكرار…

أ- الإحالة

يرى: روبرت دي بوجراند أنّ الإحالة هي “العلاقة بين العبارات من جهة، وما تشير إليه من الأشياء والمواقف في العالم الخارجي”.

تتوفر في كل لّغة طبيعية عناصر تملك خاصّة الإحالة، وأهم هذه العناصر: الضمائر وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وأدوات المقارنة… فهذه العناصر تشير إلى أشياء، أو مواقف سابقة أو لاحقة، عن طريق ألفاظ أو متتاليات أخرى. فالضمائر للغائب: (إلهاء، هو، هم)، تحيل على ما سبق في النّصّ، أي أنّها إحالة قبلية. وأسماء الإشارة: (هذا، هذه، هنا) قد تحيل على ما سبق في النّصّ، أي أنّها إحالة قبلية، وقد تحيل على ما هو لاحق (إحالة بعدية).

وتنقسم الإحالة إلى نوعين رئيسين هما: الإحالة المقامية، والإحالة النّصيّة، وتتفرع الإحالة النصيّة إلى إحالة قبلية، وإحالة بعديّة. أمّا الإحالة المقاميّة فهي إحالة إلى خارج النّصّ بشكل نمطي لأنّها تشير إلى المقام (المتكلم/ المتكلمين، المخاطب/ المخاطبين).

ب- الضمائر المقارنة

تكتسب الضمائر أهمية بصفتها نائبة عن الأسماء والعبارات والجمل المتتالية، ولا تقف في أهميتها عند هذا الحدّ، بل تتعداه إلى كونها تربط بين أجزاء النّصّ المختلفة شكلاً ودلالة.

ج- الاستبدال

عمليّة تتمّ داخل النّص، إنّه تعويض عنصر في النّصّ بعنصر آخر، ويُعَدّ الاستبدال صورة من صور التماسك الّتي تتّم في المستوى النحوي – المعجمي بين كلمات أو عبارات على أن معظم حالات الاستبدال النّصي “قبلية” أي لا علاقة بين عناصر متأخره وعنصر متأخر، ولهذا يعد الاستبدال مصدراً من مصادر تماسك النّصّ والاستبدال شأنه شأن الإحالة –في كونه- علاقة اتساق، إلا أنّه يختلف عنها في كونه يتم في المستوى المعجمي بين كلمات أو عبارات، بينما الإحالة علاقة معنوية تقع في المستوى الدّلالي ويستحيل فهم ما تعنيه عناصر مستبدلة – إلا بالعودة إلى ما هي متعلقة به قبلياً – وهذا معنى الاستبدال – البحث عن الاسم، أو الفعل، أو القول الذي يسدّ هذه الثغرة، وهذه الحقيقة تؤكد مساهمة الاستبدال في تماسك النّصّ، فالاستبدال في أساسه أي ارتباط بين مكوّنين من مكونات النّصّ أو عالم النّصّ يسمح لثانيهما أن ينشط هيكل المعلومات المشتركة بينه وبين الأوّل. وقد لجأ هارفج إلى الاستبدال عن طريق الاستبدال البديلة كوسيلة هامة لإنشاء الرابطة بين الجمل، وشرط الاستبدال في النّصّ أن يتم استبدال وحدة لّغويّة بشكل آخر يشترك معه في الدلالة، حيث ينبغي أن يدّل كلا الشكلين اللّغويين على الشيء غير اللّغوي نفسه مثلاً: “استلقى القط ميمي على الكنبة، إنّه يشعر براحة، هذا الحيوان المنتفش غمز بعينه” فكلمة الحيوان لا يمكن فهمها إلى بالرجوع إلى مذكور سابق “القط”. ويعرف (دوبريز) منهج الاستبدال بأنّه “منهج يتكون من إقامة متنوعات متشابهة ومتطابقة في اللّغة، وفي الوقت نفسه تتضمن كل عنصر من النّصّ”.

فالمعلومات الّتي تمكّن القارئ من تأويل العنصر الاستبدالي توجد في مكان آخر في النّصّ فعلاقة الاستبدال التي تختلف عن الحذف تترك أثراً، أثره هو وجود أحد عناصر الاستبدال… فالمستبدل يبقى مؤشراً يسترشد به القارئ للبحث عن العنصر المفترض، مما يمكنه من ملء الفراغ الّذي يخلقه الاستبدال، وينقسم الاستبدال إلى ثلاثة أنواع:

1- استبدال اسمي: يتم باستخدام عناصر لّغويّة أسميّة (آخر، آخرون، نفس).

2- استبدال فعلي: يتم باستخدام الفعل “يفعل”.

3- استبدال قولي: يتم باستخدامك (ذلك، لا).

د- الحذف

يتمّ الحذف عندما تكون هناك قرائن معنوية أو مقالية تؤمئ إليه، وتدل عليه، ويكون في حذفه معنى لا يوجد في ذكره، وفي نحو النّصّ يجب أن تراعى القرائن المعنويّة والمقامية، لأنّ السياق والمقام من أساسيات الحذف، حيث تكون الجمل المحذوفة أساساً للربط بين أجزاء النّصّ من خلال المحتوى الدّلالي، وتتنوع أنواع الحذف عنه هاليداي ورقيّة حسن:

أ- الحذف الاسمي: حذف اسم داخل المركب الاسمي.

مثال: أي قميص ستشتري؟ هذا هو الأفضل؟ أي هذا القميص.

ب- الحذف الفعل: المحذوف يكون عنصرًا فعليًّا.

مثال: السفر الّذي يمتعنا برؤيته/ أنوي السفر.

ج- الحذف داخل ما يشبه الجملة:

مثال: كم ثمن هذا القميص؟ خمسة جنيهات.

هـ- الربط

وهو من الأمور المهمة في اتساق النّصّ، لأنّه يجعل النّصّ وحدة متماسكة، مترابطة ومتعاضدة، وقد سم “جون كوين” الربط إلى قسمين:

الربط الواضح

وهو استعمال وسائل تركيبيّة قويّة: حروف العطف (الواو، لكن…) أو ظروف (مع أن…) أو غيرهما…

الربط التضميني

وهو استعمال التجاوز البسيط.

ويستشهد “جون كوين” بالمثال على هذين القسمين:

  • الشمس زرقاء والشمس تتلألأ.
  • الشمس زرقاء الشمس تتلألأ.

فيرى أنّ العبارة الثانية خالية من حرف العطف، ولكنّها، مع ذلك مأساوية للعبارة الأولى في المعنى. فالربط بين الشمس والسماء هو التجاوز الّذي جعلهما ينتميان إلى حقل دّلالي واحد.

و- السبك المعجمي

ويكون بين المفردات، ويتحقق بوسيلتين هما:

  1. التكرار: ويقصد به تكرار لفظين يكون المرجع فيهما واحد، مثل عودة الضمير على متقدم في مثل قولنا: (السماء نجومها مضيئة) فالضمير (ها) يعود إلى متقدم ولا يمكن تفسيره إلى ما يحيل إليه، ومن ثم ترتبط الكلمة (الثانية) بالكلمة (الأولى). ويعد هذا التكرار من قبيل الإحالة إلى سابق.
  2. التضام: المصاحبة المعجميّة ويراد بها العلاقات القائمة بين الألفاظ في اللّغة مثل (الولد/البنت) علاقة التضاد، وعلاقة التقابل، وعلاقة الجزء بالكل، وعلاقة الجزء بالجزء، مما يشيع في اللّغة عامة وفي علم الدّلالة خاصة.

السبك النحوي: ويتحقق بالعطف والإحالة والوصف، وغيرها من وسائل التضام. تلك هي أهم مناطق عمل مفهوم (الاتساق) في اللّسانيات النّصيّة.

2- الانسجام (Coherence)

ويُقصد بالانسجام ذلك المعيار الّذي يختصّ بالاستمراريّة المتحقّقة للنّص، أي استمراريّة الدّلالة المتولّدة عن العلاقات المتشكلة داخل النّصّ. ويقوم (الانسجام) عن طريق التحقق العديد من العلاقات الدّلالية بين أجزاء النّصّ مثل:

  • علاقات الربط (الوصل والفصل، وبالإضافة، والعطف).
  • علاقات التبعية: (الإجمال والتفصيل، والظرفية، والسببية، والشرط والأجزاء، والعموم والخصوص).
  • ويرى محمد خطابي أنّه ليس هناك نصّ منسجم في ذاته، وغير منسجم بذاته باستقلال عن المتلقي، بل أن المتلقي هو الّذي يحكم على نصّ منسجم، وعلى آخر بأنّه غير منسجم. تلك هي أهم ملامح مصطلح (الانسجام) وهو كمصطلح أعم من (الاتساق) بل ويحتويه.

والاتّساق والانسجام وجهان لعملة واحدة هي النصّ، فالأوّل يُعنى بكيفيّة ربط مكوّنات النصّ السّطحي (الكلمات)، والثّاني يعنى بكيفيّة ربط تصوّراته ومفاهيمه. إذْ ينبغي “على النّصّ في مجمله أن يتّسم بسمات التّماسك والتّرابط”([16]).

3- القصدية (Intentionali)

وهو التعبير عن هدف النّصّ، لأنّ النّصّ يغدو الوسيلة بغيّة الوصول إلى هدف محدّد.

ويختص القصد بمنتج النّصّ لأنّ منتج النّصّ فاعل في لّغة النّصّ، ومؤثر في تشكيلها وتركيبها، على أساس أنّ النّصّ وسيلة من الوسائل، للوصول إلى غاية يريد الكاتب إيصالها إلى القارئ، أو إيصال القارئ إليها. ويقول “جون أوستين” في هذا الصّدد: “إنّ اللّغة نشاط وعمل ينجز… بنية وقصد يريد المتكلّم تحقيقه، جرّاء تلفّظه بقول من الأقوال”([17]).

4– القبولية

يتحقق على مستوى علاقة النّصّ بالمتلقي، من خلال إظهار موقف المستقبل للنّصّ، من حيث تماسك النّصّ وتماسكه.

5- الإعلامية

تختص بالعامل المؤثر في القارئ من خلال الوقائع النّصيّة. فالنّصّ يحمل معلومات محدّدة إلى القارئ تجعله يقبل النّصّ، أو يرفضه.

6- الموقف أو المقام

يختصّ بالعوامل الّتي تجعل نصاً ما مرتبطاً بموقف ساند. فمعنى النّصّ واستخدامه يتحدّد أصلاً من خلال الموقف.

7- التناص

يختصّ بالعلاقات الّتي تربط مع نصوص أخرى سابقة له، من حث التجربة والسبك والقصد.

5- النّص والسياق

السياق إطار عام تنتظم فيها عناصر النّصّ، ووحداته اللّغويّة، ومقياس تتصل بواسطته الجمل في ما بينها وتترابط، وبيئة لّغويّة وتداولية ترعى مجموع العناصر المعرفية التي يقدمها النّصّ للقارئ. ويضبط السّياق حركات الإحالة بين عناصر النّصّ، فلا يُفهم معنى كلمة أو جملة إلاّ بوصلها بالّتي قبلها، أو بالّتي بعدها داخل إطار السّياق.

وكثيراً ما يرد الشبه بين الجمل والعبارات مع بعض الفوارق الّتي تميز بينها، ولا نستطيع تمييز تلك الفوارق إلا بالرجوع إلى السياق اللّغوي، ولحظ الفوارق الدقيقة التي طرأت بين الجمل، فكل سياق للألفاظ يجرّ ضرباً من المعنى بجزئياته وتفاصيله. والسّياق، الصورة الكليّة الّتي تنتظم فيها الصور الجزئية، ولا يفهم كل جزء، إلا في موقعه من “الكل”. للسياق أنواع كثيرة منها:

  • السياق المكاني: ويعني سياق الكلمة أو الجملة داخل النّصّ، أو إن حصرنا الحديث في النّصّ القرآني نقول إنّ السياق المكاني وسياق الآية أو الآيات داخل السورة وموقعها بين السابق من الآيات واللاحق، أي مراعاة سياق الآية في موقعها من السورة، وسياق الجملة في موقعها من الآية، فيجب أن تربط الآية بالسياق الّذي وردت فيه، ولا تقطع عما قبلها وما بعدها.
  • السياق الزمني للجمل أو الكلمات: بالنسبة إلى النّصّ القرآني هو السّياق الزمني للآيات، أو سياق التنزيل، ويعني سياق الآية بين الآيات بحسب ترتيب النزول.
  • السياق الموضوعي: ومعناه دراسة الكلمات أو الجمل التي في النّصّ بحسب الموضوع الّذي يجمعها، أو دراسة الآية أو الآيات الّتي يجمعها موضوع واحد، سواء أكان الموضوع عاماً كالقصص القرآني، أو الأمثال أو الحكم الفقهية، أم كان خاصاً كالقصة المخصوصة بنبيّ من الأنبياء، أو حكم من الأحكام أو غير ذلك.
  • السياق المقاصدي: ومعناه النظر إلى الجملة أو الجمل بحسب النيّات وبواعث القول.

ومقاصده. وأما النّص القرآني، فالسّياق المقاصدي للآيات القرآنية هو دراسة الآيات من خلال مقاصد القرآن الكريم الشاملة، والرؤية القرآنية العامة للموضوع المعالج.

  • السياق التاريخي بمعنييه العام والخاص: فالعام هو سياق الأحداث التاريخية القديمة التي حكاها القرآن الكريم، والمعاصرة لزمن التنزيل، والخاص هو أسباب النزول.
  • السياق اللّغوي: وهو دراسة النّصّ من خلال علاقات ألفاظه بعضها ببعض، والأدوات المستعملة للربط بين هذه الألفاظ، وما يترتب على تلك العلائق من دلالات جزئية وكلية.

وينبغي تحكيم كل هذه الأنواع من السياق عند دراسة النّصّ اللّغوي عامة، والنص القرآني خاصة بمنهج سياق متكامل، وإلاّ فإنّ الاقتصاد على السياق التاريخي سيحوم حول النّصّ، ولا يجاوزه، وأما الاقتصار على السّياق الداخلي وحده من دون الالتفات إلى الأحداث التاريخية المحيطة به، أو المصاحبة لنزوله، فسيجعل النّصّ بنية لغوية مغلقة تقتصر على ما تفيده الألفاظ من معان ودلالات.

6- أهمّ مصطلحات النّص

أ- الكلمة – الموضوع

الكلمة – الموضوع لها موقع خاص في النّصّ، ويمكننا أن نستدل عليها بتواترها (نسبة تكرارها)، ووسع انتشارها، والمواقع اللافتة الّتي ترد فيها، في النّصّ، وهي تعتبر أهم ثوابته.

ب- الكلمة – المفتاح

هي الكلمة الأساسية في جملة أو بيت أو نّصّ. تضيء معنى الكل، وتنتج تأثيراً يشع في السّياق كله.

  • -هي في جوهرها فكرة – مرجع، تفتح نوافذ التفسير في النص.
  • تتواتر في النّصّ، وتمنحه خاصية معينة، وتلمّح إلى المسكوت عنه.
  • تمثل عنصراً أساسياً من المعلومة الّتي يوظف النّص كله لتوصيلها، وهي من الكلمات الّتي يتوجب الاحتفاظ بها عند التلخيص.
  • يتوافر في النّصّ عدد من الكلمات المفاتيح.

ج– الحقل الدّلالي

الحقل الدّلالي لكلمة معينة هو مجموع دلالاتها المعجمية الأساسية المباشرة، والسياقية المستفادة من استخدامها في الخطاب أو النّصّ.

1- قد يذكر المعجم معنى واحداً للكلمة، مثالاً:

الأرض: الكرة السيارة التي نحن عليها.

أما السياق، فقد يمنحها دلالات مختلفة، وفقاً لاستخدامها، إذ قد تحمل دلالات مكان الإثم، أو المنفى، أو العدم، أو الموتى، من منظور رومنطيقي أو ديني. فمن المفيد جداً دراسة المتكررات في النّصّ، ليس لكونها من كلماته الأساسية، إنما لكشف تطورها الدّلالي فيه.

2-قد يذكر المعجم مجموعة من المعاني للكلمة الواحدة، حينئذ نتكلم على تعدديّة دلالاتها، مثالاً: رحل

رحل عن المكان   = تركه/    رحل عن الوطن= هاجر/     رحل إلى المكان= انتقل

رحل البعير= حطّ عليه الرحل (= مركب للبعير)   /     رحل البلاد = طافها، وتنقل فيها

رحل بسيفه = رفع سيفه عليه.

أما السياق فقد يكسب الكلمة “رحل”، عن طريق علاقات المماثلة، أو المجاورة، دلالات مختلفة، مثالاً: رحل فلان: فارق الحياة، مات…

د- الحقل المعجمي

هو مجموعة الألفاظ والتعابير الّتي تتعلق بفكرة واحدة، أو تتناول موضوعاً موحداً، أو حدثاً…

نحو: الحقل المعجمي للطبيعة: ربيع، خضرة، عصافير، ينابيع، أزهار…

يتضمن الحقل المعجمي:

1- الألفاظ المرتبطة بالموضوع.

2- اشتقاقات الكلمة المتصلة بالموضوع: علم، عالم، عليم، معلوم، معلم، تعليم…

3- مترادفات الكلمة: سعادة، غبطة، فرح أو حزن، تعاسة، قنوط…

4- الاضداد: جميل ≠ قبيح.

ويمكن أن نصنف عناصر الحقل المعجمي بالتدرج، من الأسماء إلى الصفات، فالأفعال…

نحو: حقل القضاء.

الأسماء: القاضي – القضاء – الحكم – المحامي – الدعوة- المحكمة.

الصفات: العادل- المنصف –المحقّ –الصحيح – الصائب –العدل –النزيه –المستقيم –الأمين…

الأفعال: قضى –حكم –اشتكى – ادّعى –اتهم –دافع –شهد –لا أنزل عقوبة تأديبية –أدان – اعترف بذنبه…

يفرق بعض الباحثين بين الحقل المعجمي، والحقل المفهومي، إذ يتكون، وفقاً لهم، الحقل المعجمي من الدوالّ، والمفهومي من مدلولاتها، إلاّ أنّ الاستخدام الحالي يساوي بينهما، فيستخدمان بالمفهوم نفسه.

هـ- البنيّة والبنيويّة

البنيّة هي الموضوع المبني، والعلاقات البانية له. إنّها تنظيم دقيق للمحتوى، أو هي المحتوى مدركاً عبر تنظيم متصور كخاصية لما هو واقعي. فالبنيويّة طريقة يتناول الباحث بواسطتها المعطيات الّتي تنتمي إلى حقل معرفي معين، ويخضعها إلى معايير عقليّة، غايتها كشف قوانين العمليات التي يجرّبها الذّهن البشريّ لإدراك البنية الذّهنية الكليّة، أو القوانين التي تعمل بها النفس، أو قوانين التفكير وتطوره ضمن مجتمع معين. والبنيويّة نظرية وصفية تعتمد المراقبة والتصنيف واعتبار بنيّة الظاهر.

و- البنيّة الدلاليّة الكليّة

هي مفهوم حدسي مجرّد يمكن الاستدلال عليه بالجواب على سؤالين متلازمين، بعد الانتهاء من مراقبة النّصّ / الخطاب:

  • علام جرى الكلام؟ أي الموضوع المحوري.
  • لمّ جرى الكلام على ذلك الموضوع؟ أي: القصدية والغائبة.

وهذه البنيّة مضمونية، ومشروطة بتعاضد النّصّ الوظيفي.

ز- السيميوطيقا

هي العلامات، يدرس إنتاجها وتفسيرها وأنظمتها، واستخدام الذّهن البشري لها، لفهم الأشياء، ولتوصيل معارفه إلى الآخرين. وهذا العلم، في عصرنا، هو حصيلة التقاء البراغماتية، والظاهراتية والبنيوية.

تعدّ البنيويّة تطبيقاً للسيميوطيقية، وهما تستندان إلى الألسنية، وتستخدمان الأدوات عينها، إلاّ أن السيميوطيقية قد تجاوزت، اليوم، البنيوية…

المبحث الثالث: مفهوم النّصّ والخطاب

1- الخطاب: تعريفه

الخطاب لغة “خطب”، الخطب هو الشأن أو الأمر صغُر أو عظُم وقيل هو سبب الأمر، فيقال: ما خطبك؟ إلى ما هو أمرك؟ وتقول: هذا خطبٌ جليل وخطبٌ يسير. والخطب هو الأمر الّذي تقع فيه المخاطبة والشّأن والحال ومنه قولهم: جلّ الخطب أيّ عظم الأمر والشّأن.

وجمعه خطوب، وخطب المرأة خطبة بكسر الخاء. طلب إلى وليّها أن يزوّجه منها، وخطب الخطيب خطبة بضم الخاء، والخطبة الكلام المنثور والمشجع ونحوه، ورجل خطيب، حسن الخطبة والخطاب/ والمخاطبة مراجعة الكلام “تبادله بين اثنين أو أكثر”([18]). في القرآن الكريم جاء مصطلح الخطاب في عدّة مواضيع، يقول الله تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ([19])، وفصل الخطاب هو الكلام الواضح البيّن، لا يعتريه أيّ غموض ولا يقبل التّأويل وقوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ([20]). وهنا جاء الخطاب بمعنى الأمر والشأن.

أما اصطلاحاً فالخطاب هو كلّ ملفوظ يندرج تحت نظام اللّغة وقوانينها فهو نصّ وإذا ما خرج ليندرج تحت السّياقات الاجتماعيّة سمّي خطاباً، فالخطاب إذاً يضطلع بمهمّة توصل الرّسالة ومن ثمّ فهو مغمور في الإيديولوجيا، ومبالغ في خرق النّظام بحثاً عن المراجع. وهكذا تنظر “يمنى العيد” إلى الخطاب. وانطلاقاً من قولها هذا، صدر حكم مقتضاه أنّ النّصّ الأدبي هو خطاب، وليس سوى خطاباً. فإن النّص الأدبي في أبسط مظاهره (كلام) ولأنّه كذلك، وجدت العلوم المهتمّة بالأفراد طريقاً له، والنّصّ الأدبيّ يبدعه فرد منغرس في الجماعة، ويتجه به إلى مجموع القرّاء، لذلك تناوله علم الاجتماع بالدّرس وهكذا إلى آخر العلوم الإنسانيّة علماً علماً، لكلّ منها طريقة تسلكه إلى الظّاهرة الأدبيّة فتمتحن مناهجها عليها. ينطلق صاحب النّصّ من كون النّصّ الأدبيّ مظهراً كلاميًّا احتوته علوم اللّسان من منطلق أنه سلوك لفظي يومي ويتّصف بطابع الفوضى والتحرّر، ويشكّل مصدراً للّغة، لكونه نتاجاً فرديًّا صادراً عن وعي وإرادة، واختيار حرّ من قبل الناطق الّذي يستخدم أنساقاً للتعبير عن فكره الشخصيّ مستعيناً في إبراز ذلك بآليّات نفسيّة وفيزيائيّة. ولم يقتصر دور اللّسانيّات وحدها على النّصّ الأدبيّ بل تنازعتهم علوم متعدّدة، كعلم النفس والاجتماع لكون النّصّ الأدبي ابتداعه فرد منغرس في الجماعة وله عمق ورؤية تختفي وراء نسقه المرئيّ الّذي هو خطّ اللّسانيّات، والغرض من إبداع النّصّ الأدبيّ ليس سوى التوجّه به إلى مجموع القرّاء… وبذلك تكتمل الحلقة التواصليّة مشكلة من باثٍّ ومتلقًّ ورسالة مشحونة ببلاغ، بالإضافة إلى الشيفرة المتعارف عليها لفكّ الرّموز البيانيّة للخطاب، ذلك لأنّ النّصّ لا يتمّ إلاّ بين شخصين فما فوق، لأنّ الكلام لا يتمّ إلاّ به، وإنّ التواصل لا يتحقق إلاّ بوجوده، وقد أشار القاضي عبد الجبّار إلى أنّ المخاطبة مفاعلة، ولا تستعمل إلاّ بين نفسين يصحّ لكلّ منهما أن يخاطب ابتداءً ويجيب صاحبه عن خطابه. وبدر الدين الزركشيّ عرّف الخطاب بأنّه “الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيء للفهم، فليس الخطاب إذًا كلامًا سائبًا، وإنّما هو كلامًا له مقصديّة، وهو يقتضي اللّفظيّة، أو التلفّظيّة، أيّ أن يكون كلامًا جاريًا بين الطّرفين، ويقتضي التّواضع والتعاقد بينهما”([21]).

ولذلك يمكن القول إنّ للخطاب جذور في اللّسانيّات لكونه يستمدّ وجوده من ثنائيّة اللّغة والكلام الّتي قال بها “De Saussure” في محاضراته الشّهيرة للخطاب.

2- بين النّصّ والخطاب

يقول سعيد يقطين إنّ “العلاقة قائمة بين النّصّ والخطاب وأنّها متعدّدة الأوجه انطلاقاً من الرأي الّذي يرى أنّهما واحد، أي هما وجهان لعملة واحدة تسمّى النّصّ كما تسمّى الخطاب، وهناك من يرى أنّ النّصّ أهمّ من الخطاب وهو أقرب إلى المنطق”([22])، وهناك من يرى عكس ذلك، ومن الأسس الّتي بنى عليها “سعيد يقطين” نظريّته للنّصّ والخطاب:

  • انطلاقه من الشّعريّة باعتبارها نظريّة عامة للخطاب الأدبيّ مع أنّه يحصر عمله في السّرديّات بصفتها فرعاً من تلك النّظريّة.
  • تشبّعه بالرّوح البنيويّة كما تجلّت في الأدبيّات الغربيّة وتعامله مع إنجازاته، كونها تمثيلاً لحقبة جديدة من التفكير والتّنظير.
  • لجوؤه في مؤلفه “تحليل الخطاب وانفتاح النّصّ” إلى ربط الخطاب بالمظهر النّحويّ والنّصّ بالمظهر الدّلاليّ وقد جاء ذلك من قناعة، أنّ التحليل لا يمكنه التّوقف عند حدود الوصف (الخطاب) وإن يتعدّاه إلى التفسير (النّصّ) وكان انفتاح النّصّ عاملاً مساعداً له للتواصل إلى التفاعل النّصيّ.

3- خصاص الخطاب

يحدّد مانكونو خصائص الخطاب في مجموعة من السمات الأساسية نلخصها كما يلي:

  • سمة المجتمعيّة: “تخضع الخطابات باعتبارها وحدات عابرة للجمل للقواعد التنظيمية المعمول بها داخل مجتمع محدد”.
  • سمة التوجيهية: “يكون الخطاب موجهاً، ليس فقط لأنّه مشكل تبعاً لوجهة نظر المتكلم، ولكن أيضاً لأنّه يتطور بشكل خطي في الزمان”.
  • سمة الفعل والتأثير: “فعل الكلام هو شكل من أشكال التأثير في الغير وليس فقط تمثلاً للعالم”.
  • سمة التفاعلية: “الخطاب، باعتباره نشاطاً لفظياً، نشاط بيني يشرك شريكين بحيث يبرزان في الملفوظ من خلال الزوج أنا – أنت”.
  • سمة السياقية: “لا وجود لخطاب إلى داخل سياق معين”.
  • سمة الذاتية: “لا يعتبر الخطاب خطاباً إلاّ إذا أرجع إلى ذات؛ إلى “أنا” تحدّد الشخصيّة والزمانيّة والمكانيّة، وكذا تحديد موقفها إزاء مقولها ومخاطبها”.
  • سمة التبريرية: “يخضع الخطاب – شأنه في ذلك شأن باقي السلوكات الأخرى – لعدة معايير”.
  • سمة التبعيّة: “لا معنى للخطاب إلاّ إذا داخل عالم خطابات أخرى يشق عبرها مساره الخاص”.

4- الفرق بين النّصّ والخطاب

يختلف النّصّ عن الخطاب حيث يعدُّ الخطاب رسالة تواصليّة ابلاغيّة متعدّدة المعاني يصدر عن باثًّ (المخاطب) موجَّه إلى متلقًّ معيّن عبر سياق محدّد وهو يفترض من متلقيه أن يكون سامعاً له لحظة إنتاجه وهو لا يتجاوز سامعه إلى غيره، يتميّز بالشفويّة ويدرس ضمن لسانيّات الخطاب، إلاّ أنّ النّصّ هو تلك الرّسالة أو التّتابع الجمليّ الّذي يهدف إلى عرض تواصليّ، ولكنّه يتوجّه إلى متلقًّ غائب ويثبت بالكتابة، كما يتميّز بالدّيمومة ولهذا تعدّد القراءات في النّصّ وتتجدّد بتعدّد قرّائه ووجهات النّظر فيه. أما “Todorf” فعنده النّصّ يمكن أن يلتقي مع الجملة، مثلما يلتقي مع كتاب بأكمله فهو يتحدّد بواسطة استقلاليّته وانغلاقه. إنّ النّصّ نظام إيحائيّ لأنّه ثان إزاء نظام آخر للدّلالة. تعدُّ نظريّة التواصل “الخطاب”، رسالة بين مرسَل ومتلقًّ تنجز داخل سياق محدّد في الزّمان والمكان قصد التبادل والتبليغ والتأثير وبالتالي فالخطاب هو تلك الصّياغة لفكرة مقصودة، في تتابع لغويّ وفق ما تقتضيه القواعد اللّغويّة، للّغة معيّنة ومن الضّروريّ هنا ضبط الصّحّة والسّلامة في التّأليف اللّغويّ، لأنّ سوء التّأليف قد يؤدّي إلى الاضطراب في العمليّة الإبلاغيّة، ليتمّ بعد ذلك إرسال (الخطاب) في الهواء إلى المتلقي إذا كانت الرّسالة منطوقة أو تدوّن في المدوّنة الكتابيّة.

ولهذا يمكن القول إنه قبل أن يكون الخطاب كان النّصّ ذلك النسيج اللّغويّ الّذي يحمل بين طياته دلالة ما.

أما “Julia Krestiva” فترى أنّ النّصّ، جهاز غير لسانيّ، يعود توزيع نظام اللّسان عن طريق ربطه بالكلام التواصليّ رامياً بذلك إلى الإخبار المباشر مع مختلف أنماط الملفوظات السّابقة والمعاصرة أمّا “vandijk” فقدّم نظريّة في النّصّ الأدبيّ توضح الفرق بين النّصّ والخطاب من خلال إقامة نحو عام للنّصّ يأخذ بالحسبان كلّ الأبعاد البنيويّة والسّياقيّة والثّقافيّة ومنطلقه في ذلك هو أنّ اللّسانيّين عدُّوا الجملة أعلى وحدة قابلة للوصف اللّسانيّ، معدّاً أنّ الملفوظات لن يعاد بناؤها في وحدة واحدة هي (النّصّ) الّذي يعدّ وحدة مجرّدة لا تتجسّد إلاّ من خلال الخطاب كفعاليّة تواصليّة وفي إطار هذه العلاقة يتمّ الرّبط بين النصّ كإعادة بناء نظريّ مجرّد وبين سياقه التداوليّ.

5- الفرق بين الخطاب والنّصّ

  • يتوجه الخطاب إلى سامع يتلقاه؛ لأنّ الخطاب نشاط تواصلي يقوم على اللّغة الشفويّة. بينما يتوجه النّصّ إلى متلق غائب، يتلقاه قراءة عن طريق العين؛ لانّ النّصّ مدونة مكتوبة.
  • الخطاب لا يتجاوز سامعه إلى غيره؛ لأنّه مرتبط بلحظة إنتاجه. بينما النّصّ يحمل ديمومة واستمراريّة؛ لأنه مكتوب، ويمكن قراءته في كل زمان ومكان.

الخاتمة

ممّا تقدّم، نستنتج أنّ النّصّ مشحون بكثافة إيحائية لا يمكن حصر تعدّد أبعادها، واختزالها في بعد واحد، ثم الزجّ بها في نسق منغلق على ذاته، قد يفقد النّصّ انفتاحه الدّلالي ويفرغه من شحنته الإيحائيّة، ويجرّده من كثافته الترميزية، فيأتي عارياً كجدران القبر خالياً من حرارة الدفء والتوهج. فالنّصّ في أبسط مظاهره كلام مدوّن مكتوب، ولأنّه كذلك وجدت علوم اللّسان إليه سبيلاً، فهو إبداع فردي، هو نتاج فرد منغرس في الجماعة، ويتجّه إلى جموع القرّاء. أما الخطاب فهو نشاط تواصلي يتأسس أولاً وقبل كل شيء على اللّغة المنطوقة، ويفترض وجود سامع يتلقاه. فاللّغة الشفويّة إذاً تنتج خطاباً بينما الكتابة تنتج نصاً، ولا تتحقق النصية إلا بتوافر المعايير الأساسيّة الّتي تناولناها آنفاً في هذا البحث مجتمعة.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • الإبراهيمي، خولة طالب ، مبادئ في اللّسانيات، لا م، لا ن، لا ط، لا ت.
  • ابن منظور، لسان العرب، تحق. مجموعة من الأساتذة، بيروت، دار صادر، ط3، 1414/1994، ج7.
  • البحتري، الدّيوان، بيروت، دار الجيل، لا ط، لا ت، مج1.
  • بحتري، سعيد حسن، علم لّغة النّص – المفاهيم والاتّجاهات، القاهرة، الشركة المصريّة العالميّة للنشر، لا ط، 1997.
  • بعلبكي، رمزي ، معجم المصطلحات اللّغويّة، بيروت، دار العلم للملايين، لا ط، 1990.
  • بن أبي طالب، الإمام علي (ع)، نهج البلاغة، بيروت، المركز الثقافي اللبناني، ط1، لا ت.
  • الجاحظ، الحيوان، تحق. عبد السّلام هارون، بيروت، دار الكتاب العربي، ط3، 1388/1969، ج3.
  • حسّان، تمّام ، مناهج البحث في اللّغة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، لا ط، 1955، ص 35.
  • الحميري، عبد الواسع ، الخطاب والنّصّ “المفهوم – العلاقة – السّلطة”، بيروت، مجد المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1499هـ/2008م.
  • الخطاب، دورية أكاديميّة محكمة، تعنى بالدّراسات والبحوث العلميّة في اللّغة والأدب، منشورات تحليل الخطاب.
  • رضا، أحمد ، معجم من اللّغة، بيروت، منشورات دار مكتبة الحياة، لا ط، 1380/1960، ج5.
  • زيتون، علي ، النّصّ الشّعري المقاوم في لبنان (البنية والدلالة)، بيروت، اتحاد الكتّاب اللبنانيين، ط2، 2006.
  • عياشي، منذر ، مقالات في الأسلوبيّة، لا م، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، لا ط، 1990.
  • العيد، يمنى ، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، بيروت، دار الفارابي، ط2، 1994.
  • قاسم، رياض زكي ، تقنيات التعبير العربي، بيروت، دار المعرفة، ط1، 2002.
  • المتبني، الدّيوان، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، لا ط، لا ت، مج 1.
  • يقطين، سعيد ، انفتاح النّصّ الروائي (النّصّ والسياق)، المركز الثّقافي العربي، المغرب، الدار البيضاء، ط2،2001.

المراجع المعربة

  • سوسير، فرديناند دي ، ترجمة يوسف غازي ومجيد نصر، جونيه، لبنان، دار نعمان للثّقافة، لا ط، 1984.
  • لاينز، جون ، اللّغة والمعنى والسياق، ترجمة: د. عباس صادق وهاب، العراق، دار الشؤون الثّقافيّة العامّة، ط1، 1987.

المراجع الأجنبية

  • Duboit et autres, Dictionnaire de linguistique (discourse – texte). Larousse, paris, 1973.
  • Galisson/ D.Coste: Dictionnaire de didactique des langues.

** طالبة دكتوراه في الجامعة اللبنانيّة قسم اللغة العربيّة.

[1]- رياض زكي قاسم، تقنيات التعبير العربي، بيروت، دار المعرفة، ط1، 2002، ص 71.

[2]– فرديناند دي سوسير، ترجمة يوسف غازي ومجيد نصر، جونيه، لبنان، دار نعمان للثّقافة، لا ط، 1984،  ص31 -33.

[3]– تمّام حسّان، مناهج البحث في اللّغة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، لا ط، 1955، ص 35.

[4]– راجع R.Galisson/ D.Coste: Dictionnaire de didactique des langues,p.306.

[5]–  الجاحظ، الحيوان، تحق. عبد السّلام هارون، بيروت، دار الكتاب العربي، ط3، 1388/1969، ج3، ص 32.

[6]– منذر عياشي، مقالات في الأسلوبيّة، لا م، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، لا ط، 1990، ص 63.

[7]–  علي زيتون، النّصّ الشّعري المقاوم في لبنان (البنية والدلالة)، بيروت، اتحاد الكتّاب اللبنانيين، ط2، 2006، ص 94.

[8]– المتبني، الدّيوان، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، لا ط، لا ت، ص 272، مج 1.

[9]– الإمام علي  بن أبي طالب (ع)، نهج البلاغة، بيروت، المركز الثقافي اللبناني،  ط1، لا ت، ص 87.

[10]– البحتري، الدّيوان، بيروت، دار الجيل، لا ط، لا ت، ص 312، مج1.

[11]– ابن منظور، لسان العرب، تحق. مجموعة من الأساتذة، بيروت، دار صادر، ط3، 1414/1994، ج7، ص 42-44.

[12]– أحمد رضا، معجم من اللّغة، بيروت، منشورات دار مكتبة الحياة، لا ط، 1380/1960، ج 5، ص 472.

[13]– Duboit et autres, Dictionnaire de linguistique (discourse – texte). Larousse, paris, 1973, p. 446.

[14]– رمزي بعلبكي، معجم المصطلحات اللّغويّة، بيروت، دار العلم للملايين، لا ط، 1990، ص 501 -502.

– يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، بيروت، دار الفارابي، ط2، 1994، ص 189.

[15]–  سعيد حسن بحتري، علم لّغة النّص – المفاهيم والاتّجاهات، القاهرة، الشركة المصريّة العالميّة للنشر، لا ط، 1997، ص 93-110.

[16]–  جون لا ينز، اللّغة والمعنى والسياق، ترجمة: د. عباس صادق وهاب، العراق، دار الشؤون الثّقافيّة العامّة، ط1، 1987، ص 221.

[17]– خولة طالب الإبراهيمي، مبادئ في اللّسانيات، لا م، لا ن، لا ط، لا ت، ص 246.

[18]– عبد الواسع الحميري، الخطاب والنّصّ “المفهوم – العلاقة – السّلطة”، بيروت، مجد المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1499هـ/2008م، ص 107.

[19]– القرآن الكريم، سورة ص، الآية 20.

[20]–  القرآن الكريم، سورة الحجر، الآية 57.

[21]– الخطاب، دورية أكاديميّة محكمة، تعنى بالدّراسات والبحوث العلميّة في اللّغة والأدب، منشورات تحليل الخطاب، ص 168.

[22]– سعيد يقطين، انفتاح النّصّ الروائي (النّصّ والسياق)، المركز الثّقافي العربي، المغرب، الدار البيضاء، ط2،2001، ص 12.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website