رمزيّة الألوان في الثقافة الهنديّة
د. محمّد أمين الضنّاويّ[1]
تحتوي الهند على أقدم آثار بشريّة على مستوى العالم، وهي واحدةٌ من أكثر الدول التي توالت عليها الحضارات، فهي مهد حضارة وادي السند التي يرجع تاريخها إلى العام 3000 ق.م، هذا عدا عن الحضارة الفارسيّة، والإغريقيّة، والآريّة، والإسلاميّة وغيرها، وجميعها استقرّت في الهند نتيجة لموقعها الاستراتيجيّ، ومكانتها التجاريّة، والاقتصاديّة الكبيرة منذ القدم.
لكن في ما يخصّ الثقافة الهنديّة، فإنّ المؤثّر الأكبر عليها كان نتيجة الأعمال التي قام بها ملوك الإمبراطوريّة الموريّة الذين قاموا بترسيخ الهُويّة الثقافيّة للهند، من خلال تطوير العلوم المتعدّدة كالفلسفة، والدين، والأدب وغيرها، لدرجة أطلق على ذلك العصر اسم “العصر الذهبيّ الهنديّ”، وقد تواصل هذا النموّ الثقافيّ بعد أن تمّ احتلال الهند من قِبل المغول، وخصوصًا خلال حُكم الإمبراطور “شاه جهان” الذي قام بتشييد “تاج محلّ”.
ولكن أكثر ما يميّز الثقافة الهنديّة هو تأثّرها بثقافات وحضارات دول أخرى، لكن من دون أن يؤثّر ذلك على موروثها الأصليّ. دور الألوان في الحياة له أهمّيّة لا يستهان بها في الثقافة الهنديّة، لأنّ لها تأثيرًا ودلالات متعدّدة على النفوس، وخصوصًا لدى بعض المعتقدات القديمة.
فالهند ليست كغيرها من البلدان، فهي مليئة بالتقاليد، والمعتقدات، والثقافات، وهذا ما ساهم في ارتباط الألوان بالمعتقدات الهنديّة ارتباطًا عميقًا، ولعلّ استعمال الألوان المتعدّدة في كلّ الأماكن يجعل الإنسان يشعر بالفرح، والمرح، والسرور دائمًا.
إنّ أكثر الألوان أهمّيّة في الثقافة الدينيّة والاجتماعيّة الهنديّة هي:[2]
اللون الأحمر
إنّ اللون الأحمر مهمّ جدًّا في الثقافة الهنديّة، فاللون الأحمر دلالة على الشهوة والصفاء والنقاء، وهو من أكثر الألوان استعمالاً في المناسبات في الهند، كالزواج، والولادة، والاحتفالات عمومًا وخصوصًا الدينيّة منها. ومن دلالات اللون الأحمر تلك النقطة الحمراء التي تضعها المرأة على مقدّمة رأسها وشعرها دلالة على أنّها امرأة متزوّجة، وذلك في المناسبات الدينيّة وتُوضع البودرة الحمراء على الآلهة خلال الطقوس الدينيّة، والاجتماعيّة، والاحتفالات بالأعياد، والزواج كما ترتدي المرأة المتزوّجة الساري الأحمر. كما أنّه يرمز إلى “شاكتي” (إله الشجاعة) الذي يحمي من الشرّ ويدمّره، وتُغطّى المرأة المتوفّاة بغطاء أحمر في مراسم الدفن.
الزعفران
يُعدّ لون الزعفران من أكثر الألوان قداسة في الثقافة الهنديّة، وهو لون النار التي تُطهّر من الشوائب، ومن دلالاته النقاء، والتقشّف، وهو لون أثواب الكهّان، والزهّاد. ومن دلالات ارتداء هذا اللون البحث عن النور، وهو لباس المحاربين، وهو دلالة على المعارك في “راجبوت”[3].
الأخضر
الأخضر من ألوان الشجر وهو من ألوان الاحتفالات، وفي “ماهارستان” يمثّل الحياة، والسعادة، والسلام. ولهذا السبب لا ترتدي الأرملة هذا اللون. وهو يمنح التوازن العقليّ، ويريح العينين. كما يرمز إلى الطبيعة، وهو كما يعتقد الهنود أنّ اللون الأخضر هو مظهر من مظاهر الإله نفسه.
الأصفر
اللون الأصفر هو لون التعلُّم والمعرفة، وهو دلالة على السعادة، والسلام، والاسترخاء، وتنمية العقل، إضافة إلى أنّه لون الربيع، ومنشّط للذهن. إن اللون الأصفر هو لون الملك “فيشنو” (إله الحقيقة)، ويدلّ على المعرفة، واللون الأصفر هو لون لباس الإله “كريشنا” (الإله المظلم والأسود)، والإله “غانيشا” (إله الحكمة والمعرفة). يُلبس هذا اللون وتُقدّم المأكولات الصفراء أيضًا في احتفالات الربيع، وترتديه الفتيات العازبات للفت نظر الشبّان، وإبقاء تأثير الشرّ بعيدًا عنهن.
الأبيض
الأبيض هو لون الطحين، وهو خليط من سبعة ألوان، ويأخذ من رموزها جميعًا، فهو يمثّل النقاء، الصفاء، السلام، والمعرفة. وفي رمز المعرفة تظهر “ساراسواتي” (إلهة المعرفة)، التي ترتدي اللون الأبيض دائمًا، وهي جالسة في زهرة “لوتس” بيضاء. ترتبط ديانة البراهمة، وهي أعلى طبقة اجتماعيّة باللون الأبيض كثيرًا، فالقادة الدينيّون الهندوس يغطّون أنفسهم بالرماد الأبيض، وذلك دلالة على نهضتهم الروحيّة، ويرمز اللون الأبيض إلى الحداد أيضًا. كما يجب أن يغطّي الهندوس نوافذهم بقماش أبيض في حالات الحداد.
الأزرق
يرمز اللون الأزرق إلى الإله الذي يمتلك الشجاعة، والرجولة، والعزم، والقوّة، والقدرة على تحمّل الظروف الصعبة بعقل راجح، وشخصيّة متفهّمة للأمور لعمق. فقد أمضى الملك “راما” (إله وبطل شجاع)، والملك “كريشنا” (الإله المظلم أو الأسود) حياتهما في صراع بين من يريد حماية البشريّة، وتدمير الشرّ، وهو “راما” وبين مفتعل للشرّ، وساعٍ إلى تدمير البشريّة وهو “كريشنا”. من هنا نجد أنّ اللون الأزرق هو ما يرمز إلى الإله “راما”.
[1] – أستاذ جامعيّ سابق، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة، مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، له العديد من المؤلَّفات.
[2] – موقع جامعة أوريغون الغربيّة.
[3] – لم تكن Rajputs مجموعة محدّدة بشكل منفصل حتّى القرن السادس الميلاديّ في ذلك الوقت، تفكّكت إمبراطوريّة “غوبتا” ووقعت صراعات متكرّرة مع الهيفثاليّين، الهون البيض. وربما تمّ استيعابهم في المجتمع الحاليّ، بما في ذلك القادة في رتبة الكشتريّة. وصُنّف آخرون من القبائل المحلّيّة أيضًا على أنّهم راجبوت. والراجبوت هو عضو في طائفة المحاربين الهندوس من سكّان شمال الهند. إنّهم يعيشون بشكل رئيس في راجستان، وأوتار براديش، وماديا براديش. https://www.greelane.com › ar