foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

اللحظة الحاسمة في الحرب… بين خِيار الصّمود والحِياد

0

اللحظة الحاسمة في الحرب… بين خِيار الصّمود والحِياد

(نماذج من الثّورة الحسينيّة)

زهراء عليّ جواد([1])

المقدّمة

تُعرّف الحرب لغة كما ورد في معجم المعاني الجامع أنّها قتال بين فئتين، وجمعها حُروب وعكسها سِلْم. على الرّغم من كره شعوب العالم جميعها للحرب، إلّا أنّها تُعدّ ظاهرةً إنسانيّةً قديمةً، فلم يخلُ أيّ عصر من العصور القديمة من اشتعال الحروب التي كان ضحاياها عشرات الآلاف من النّاس، فتاريخ الحرب قديم جدًّا، فمنذ أن هبط آدم عليه السّلام على الأرض والنّزاعات قائمة، كما لا تخلو صفحات التّاريخ من النّزاعات والحروب بين الأمم وخصوصًا بين الإمبراطوريّات والممالك القديمة(1).

         أمّا عن ردّة فعل الشّعوب في الحرب، فيُمكن أن يكون خِيار بعض الفئات هو الاقتتال والإصرار على متابعة القتال حتى نهاية الحرب (ما يُعرف إمّا النّصر أو الشّهادة)، ويمكن تسميته أيضًا بالصّمود أو الثّبات. وربّما يكون خِيار فئات أخرى الحياد (عدم تأييد أيّ طرف من الأطراف المتحاربة)، ويمكن تسميته أيضًا بالاستسلام أو الهروب، ولا يمكن إخفاء أو إهمال جانب الحرب النّفسيّة في إجبار البعض على اتّخاذ هذا الموقف. ولأنّ الثّورة الّتي قام بها الإمام الحسين بن عليّ عليهما السّلام، مليئة بالعِبر والأحداث الّتي يُمكن الاستفادة منها في كلّ زمان ومكان، سأعرض بعض الأحداث الّتي اتّصفت بالصّمود، والثّبات في هذه الثّورة، وبعض الأحداث الّتي اتّصفت بالحياد وصولًا إلى نتيجة في ضوء الإٍسلام والمنطق.

أوّلًا: الحرب النّفسيّة

1- أهداف الحرب النّفسيّة

– التأثير على أفكار ومواقف الخصم وخططه ابتداء من مراحل الإعداد للحرب حتى التّنفيذ.

– تدمير الرّوح المعنويّة للمجتمع وبالتّالي الجيش كجزء مهمّ من المجتمع.

– إثارة المشاكل الاجتماعيّة، والنّعرات الطائفيّة، والدّينيّة، والعرقيّة، والسياسيّة بين فئات المجتمع الواحد.

– استغلال أيّ ثغرة لتشجيع وزيادة الخلافات بين العدوّ في الدّاخل أو الخارج.

– التّأثير على مشاعر المواطنين وأفكارهم، ومحاولة تغيير سلوكهم وانتمائهم الوطني.

– التّأثير على إرادة القتال للعدوّ من خلال الخطط والبرامج المخصّصة لهذا الغرض.

2- من أساليب مقاومة الحرب النّفسيّة

الدّعوة إلى مواصلة الكفاح والصّمود، عدم اليأس وحثّ النّاس على المساهمة الإيجابيّة في المعركة كلّ من موقعه. فالعامل والموظّف والفلّاح كلّ يستطيع أن يضرب بمعوله في الإنتاج الّذي يرتدّ أثره ولا شكّ على الجنديّ الرّابض على خطّ النار، فإنّ الجهاد في الإنتاج لا يقلّ أهمّيّة ولا شرفًا عن الجهاد في ساحات القتال(2).

ثانيًا : نماذج من الثّبات في الثّورة الحُسينيّة

1- أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام

         كانت الحرب الّتي يخوضها الإمام – من النّاحية القتاليّة – حربًا دفاعيّة، لأنّ قوّات العدوّ كانت تزيد على قوّة الإمام بنسبة ألف على واحد (حسب كثير من التّقديرات). ولكن طريقة الإمام في الحرب وحفره للخندق، أجبر العدوّ على الحرب من جهة واحدة، وقطع الطّريق أمام قيامه بهجوم كاسح عليه، وهنا الشّبه الكبير بين كربلاء ومعركة الأحزاب، ففي كلتيهما كان العدوّ أكثر عددًا وأقوى عدّة، وفي كلتي المعركتين فوجئ العدوّ بوجود الخندق.

لكنّ الفارق كبير بين جنود الإمام وجنود النبيّ، ويبدو واضحًا في الرّوح المعنويّة. فإذا كان أصحاب النبيّ في معركة الأحزاب قد فقدوا روحهم المعنويّة، وزلزلت نفوسهم، بل وفقد بعضهم عقيدته، على الرّغم من أنّ قوّات المشركين لم تكن تزيد على ثلاثة إلى واحد، فإنّ أصحاب الإمام لم يزيدوا إلا إيمانًا وصلابة وخفّة في القتال. إنّ هذه الميزة لم نجدها إلّا قليلًا جدًّا في المجموعات الّتي حاربت في ظروف مماثلة. فالرّوح المعنويّة كانت تزداد صلابة في جنود الإمام كلّما ضعفت قوّتهم وتساقط عدد أكبر منهم على الأرض(3).

جمع الإمام الحسين عليه السّلام أصحابه، وأهل بيته في يوم العاشر من محرّم، قائلًا: “أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعًا”.

لقد أخبرني جدّي رسول الله بأنّي سأُساق إلى العراق فأنزل أرضًا يقال لها كربلاء وفيها أستشهد وقد قرب الموعد، ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا، وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعًا في حلٍّ، ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملًا. وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي فجزاكم الله جميعًا خيرًا، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

فقال له أخوته وأبناء عبدالله بن جعفر، “لمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدًا”. بدأهم القول العبّاس بن علي ثم تابعه الهاشميون. والتفت الإمام الحسين إلى بني عقيل وقال : “حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم”. فقالوا: “إذًا ما يقول النّاس وما نقول لهم؟ أنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم ولم نطعن برمح، ولم نضرب بسيف؟ ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا، نقاتل معك حتى نرد موردك فقبّح الله العيش بعدك”.

فقال على سبيل المثال، من أقوال الأصحاب مسلم بن عوسجة: “أنحن نرحل عنك؟ وبماذا نعتذرُ إلى الله في أداء حقّك، أما والله لا أفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضرب بسيفيّ ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك”(4).

أمّا زهير بن القين فقال “والله ودِدتُ إنِّي قُتلت ثمّ نشرت، ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة وأن الله عزّ وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك(5). ونافع بن هلال الجمليّ: “ثكلتني أمّي إنّ سيفي بألف، وفرسي مثله. فوالله الذي منَّ بك عليّ لا أفارقك حتّى يكلاّ عن فري وجري”(6) وبرير بن خضير: “يا ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة”(7).

كما وصف رجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد عن مواقف أصحاب الحسين في ذلك اليوم فقال: “ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية تحطّم الفرسان يمينًا وشمالًا، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حِياض المّنِيّة”(8). ومن أقوال الإمام الحسين (عليه السّلام) في من تبعه: (من كان باذلًا فينا مهجته، وموطنًا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنني راحل مصبحًا إن شاء الله تعالى)(9).

فنصرة المظلوم أمرٌ فطريٌّ لدى كل إنسان له مشاعر وأحاسيس حقيقيّة، وخيرُ مثالٍ على مواقف النّصرة الحقيقية على مدار التاريخ هم أصحاب مولانا الإمام الحسين عليه السّلام، وفي هذا النصّ من الإمام عليه السّلام نتعرّف على المواصفات المطلوبة في الصحابيّ الذي يكون أهلًا لأن يُلقّب بهذا اللقب وأوّل هذه المواصفات:

  • باذلًا فينا مهجته، أي: من وصل إلى مرحلة أن يسترخص مهجته أي نفسه فداء للإمام المعصوم المفترض الطاعة، والمرسل من قبل الله تعالى كما صنع أمير المؤمنين (عليه السّلام) في المبيت على فراش النّبيّ الأكرم (ص) وكان قاب قوسين أو أدنى من الشهادة فداء له.

-موطنًا على لقاء الله نفسه، أي: متهيّئًا في كلّ الأوقات للقاء الله سبحانه، ومخالفًا لنفسه وقد وصل إلى مرحلة عالية من الكمال والتّقوى والورع والبصيرة.

ونجد أن أصحاب الإمام الحُسَين خير من توفّرت فيهم الصّفات المطلوبة، وكان قتالهم مع الإمام الحُسَين عليه السّلام نابعًا من عقيدة خالصة، رجال امتحن الله قلوبهم بالإيمان فلم يكن دافعهم لنُصرة إمامهم الشّهيد عليه السّلام لعصبيّة قَبَلِيَّة، أو لأغراض نفعيّة، بل إنّهم دخلوا الحرب وهم يعلمون أنّهم سينالون الشّهادة، وتيقّنت أنفسهم بالموت مع سيّد الشهداء، فقد أوقفهم (عليه السّلام) على مصيرهم معه بقوله: “خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشًا جوفًا وأكرشةً سغبًا لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم.)10)

ربّما اختصر السيّد هادي المدرّسي في قصيدته من الكتاب الشّهريّ (لا شيء يشبه كربلاء) الوصف الآتي للأصحاب.

لبسوا القلوب على الدروع/ وأقبلوا يتهافتون على المنون/ لا مثلهم في الصّبر كان/ ولا يكون(11)

2- عوامل الصّمود

يمكن اختصار عوامل الصّمود بما يلي:

أ- القناعة بعدالة القضيّة

إنّ طبيعة الدّفاع عن الحقِّ، تعطي المقاتلين قوّة معنويّة ضخمة، فالجنديّ الّذي يؤمن بالقضيّة الّتي يقاتل من أجلها ويؤمن بعدالتها يستطيع أن يصنع المعجزات لأنّ مثل هذا الجنديّ لا ينهزم مهما كانت القوّة الّتي تواجهه كبيرة. والهزيمة تبدأ عادة بالرّوح وتنتهي بالقتال، وما دام يؤمن بموقفه فلن يعرف الهزيمة.

ب- التّحريض على القتال

فمثلًا قد خطب الإمام في الأصحاب ليلة عاشوراء، بعد تصفية المعسكر من المنافقين والخائفين وأصحاب المطامع وقال فيهم: “إنّ لكم درجات لن تنالوها إلا بالشّهادة”، “إنّ الله تعالى يهبُ المنازل الشّريفة لعباده باحتمال (تحمّل) المكاره”.

ج- ثبات القائد وإخلاصه

لقد أقسم أصحاب الإمام أنْ لا يصل إليه سوء ما دام لهم عرق ينبض، وهذا يعني أنّه ما دام الإمام يصمد أمام العدوّ فهم لا شكّ صامدون، فقد كان الإمام يشارك الأصحاب القتال ويصمد أمام العدوّ ويستبشر كلّما سقط منهم شهيد(12).

3- الحرّ بن يزيد الرّياحي

بعد مقتل مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين إلى الكوفة (وهذا مبحث آخر تطول عِبَره وأحداثه ودروسه وسرده)، قام عبيد الله بن زياد – أمير بني أمية على الكوفة – بزيادة تعبئة النّاس لمواجهة الإمام الحسين وأصحابه، إذ كان عليه السّلام في طريقه إلى الكوفه، وفي الوقت ذاته وجّه الحرّ بن يزيد الرّياحي في ألف فارس للبحث عن الحسين في الطريق لمنعه من التحرّك أو جلبه إلى الكوفة، وقال له إذا لقيت الحسين فسايره (أيِّ سِر معه في الطّريق)، ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة وجعجع به.(13)

         وعندما التقى به قال له الحسين عليه السّلام: “ألنا أم علينا؟” فقال: “بل عليك يا أبا عبد الله” فقال عليه السّلام: “لا حول ولا قوة إلا بالله ىالعليّ العظيم… ثم تردّد الكلام بينهما”(14) حتى قال الإمام عليه السّلام في أصحابه وأصحاب الحرّ بن يزيد الرياحيّ في “ذي حُسم” بعد صلاة الظهر: “أيّها النّاس إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ إليكم، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم، فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ الله يجمعنا على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فإنْ تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدِم مصركم وإن لم تفعلوا، وكنتم لمقدمي كارهين انصرفتُ عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم”(15).

لمّا رأى الحُرّ في يوم عاشوراء، أنّ القوم قد صمّموا على قتال الإمام الحُسين قال لعمر بن سعد: “أمُقاتلٌ أنت هذا الرّجل؟”، قال: “إي والله، قتالًا شديدًا، أيسره أن تسقط الرّؤوس وتطيح الأيدي.” قال الحُرّ: “فما لكم في ما عرضه عليكم رضًى؟” قال بن سعد: “أمّا لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك.” فأخذ الحُرّ يدنو من الحُسين قليلًا قليلًا ، فسأله المهاجر بن أوس: “ماهذا الذي أرى منك؟”، فقال الحُرّ: “إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار فوالله لا أختار على الجنّة شيئًا ولو حُرّقت وقُطّعت”، ثمّ ضرب فرسه نحو الحُسين منكِّسًا رأسه حياءً من آل الرسول(16) ويدُه على رأسه وهو يقول: “اللهمّ إليك تبتُ فتُبْ علَيّ؛ فقد أرعَبتُ قلوب أوليائك وأولادِ بنت نبيّك”. سلّم الحرّ على الإمام الحسين عليه السّلام، وقال: “جَعَلني اللهُ فِداك يا ابنَ رسول الله، أنا صاحِبُك الذي حَبَستُك عن الرّجوع، وسايرَتُك في الطّريق وجَعْجَعتُ بك في هذا المكان. واللهِ الذي لا إله إلاّ هو، ما ظَنَنتُ أنّ القوم يَرُدّون عليك ما عَرَضتَ عليهم أبدًا، ولا يَبلُغون منك هذه المنزلة. فقلت في نفسي: لا أُبالي أن أُصانع القومَ في بعض أمرهم ولا يظنّون أنّي خَرَجتُ من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون من الحسين هذه الخصالَ التي يَعرض عليهم. وواللهِ إنّي لو ظننتُهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائبًا ممّا كان منّي إلى ربّي، ومُواسيًا لك بنفسي حتّى أموتَ بين يديك، أفَتَرى لي توبة؟”. قال الحسين عليه السّلام: “نعم، يتوب اللهُ عليك ويغفر لك، فانزِلْ”. قال الحرّ: “أنا لك فارسٌ خيرٌ منّي راجلٌ، أُقاتلُهم على فرسي ساعة، وإلى النزول يصير آخِرُ أمري”. قال الحسين عليه السّلام: “فاصنَعْ ما بدا لك، أنتَ حُرٌّ كما سمّتك أمّك.”(17)

إنّ من أصعب اللحظات التي تمر بالإنسان هي تلك التي على ضوئها يتحدّد مصيره، وبقرارها تتعلّق خاتمته، وقد ارتفع بها أناس وهوى آخرون، وشخصيّة الحرّ هي واحدة من اللائي نالها التأييد والتّسديد الإلهي فعبرت هذه اللحظة بسلام، وذلك بعد جهاد مرير ومقاومة باسلة مع كبرياء النّفس وغرورها، فانتقل من معسكر الشرّ والباطل إلى حيث الخير والحق، فما هو السّبب وراء هذا التحوّل المفاجئ؟ هناك عوامل عدّة مترابطة يمكن سوقها بحيث تصلح بمجموعها أن تجيب عن هذا التساؤل، وهي:

1- القناعة بعدم إمكان الجمع بين زخارف الدّنيا ونعيم الآخرة: فالحرّ وبإيعاز من هواه كان يتصوّر أنّه يمكنه التّضحية بشيء من ولائه وحبّه للحسين (عليه السّلام) مقابل الظفر بالمنصب والمكانة في الكوفة، إذ يجتمع عنده ما تتوق إليه نفسه من الدّنيا، وفي الوقت ذاته لا تفوته شفاعة أهل البيت (عليهم السّلام) في الآخرة، وذلك عندما يتحاشى قتال الحسين (عليه السّلام)، ومجرّد اعتراض طريقه، أو أسره لا يضرّ ما دام لا يؤدّي إلى قتله، بل هو ضريبة عدم فوت تلك الجوائز والمكرمات، ولكنّه بعد سير الأحداث وتتاليها أيقن أن الجمع بين هذين الأمرين مستحيل، فلا بد من أن يقدّم أحدهما على الآخر.

2- الاطّلاع عن كثب على نيّة القوم بقتل الإمام (عليه السّلام): فلم يكن يتوقّع حين عرضت عليه المَهَمَّة أن مآل الأحداث سينتهي إلى تلك الخاتمة الدّمويّة الشّنعاء.

3- انقلاب نتيجة الصّراع بين العقل والهوى: فكفّة الهوى والشّهوة كانت هي الغالبة في البداية لأنَّ طرفَيْ المعادلة كان بين منصب الدّنيا، واعتراض طريق الإمام (عليه السّلام)، وحينها كان وقع ملذّات الدنيا أقوى تأثيرًا في إرادته، أمّا مع علمه بمؤامرة بني أميّة وانكشاف نواياهم تبدّلت المعادلة وغدت بين قتل الحسين (عليه السّلام) ومنصب الدنيا، وكان الخوف من الإثم والخسران بقتل الإمام (عليه السّلام) هو الأقوى، فانقلبت الكفّة والغلبة لصالح قوّة العقل والبصيرة.

4- وصول لحظة الحسم والفصل: وهي اللحظة الحرجة التي لا بدّ من أن يحدّد فيها الإنسان موقفه بوضوح تامّ لا لُبْس فيه ولا دوران، وبصورة فوريّة وسريعة؛ لأنّ التأخير فيها ولو قليلًا قد يفوّت الفرصة في الحصول على المراد، وإنّما هي لحظة فصلٍ لأنّ فيها يُفصل بين الصحيح والفاسد والحقُّ والباطل، وما شابه ذلك، نظير يوم الفصل في القرآن الكريم: ﴿هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾، والإنسان قبل هذه اللحظة في الغالب يجد السعة والرّحب في مراجعة نفسه، فيسوّف، ويتساهل، ويتأخّر في إعمال كلّ طاقته العقليّة، ولا ينهض في إزالة الحجب الملوّثة لصفاء فطرته، فيبقى يساير الباطل والانحراف في سلوكه حتّى يصل به الطريق إلى نقطة مفرق، تكون امتحانًا قاسيًا وصعقة موقظة لرقاده الطويل، وهنا يستغلّ البعض حالة الاستفاقة هذه لتصحيح المسار وإعلان التوبة والاستحواذ على مفاتيح السعادة، بينما يتعثّر آخرون، ويمسي هذا الامتحان لهم تكريسًا وتضعيفًا للمنكر والضلال الغارقين فيه.

 5- التأثّر التّدريجيّ ببعض المجريات: وهو نوع من الرّحمة واللطف الإلهيّين لأصحاب القلوب المستعدّة والمفتّحة لتقريبهم إلى عمل الخير والصّواب والحياد بهم عن الزّيغ والضلال، والباري سبحانه لمّا كان يعلم بعلمه الواسع بمدى استعداد قلب الحرّ لتقبّل الهدى عرّضه لجملة من الحوادث التي تحوي رسائل ودلالات منبّهة، وتكرّر هذه الدّلالات ساهم بلا شكّ في إزالة الغشاوة عنه بالتدريج، ومن جملتها مثلًا النداء الذي سمعه من خلفه حين خرج من منزله نحو الحسين والقائل: “يا حرّ أبشر بالجنّة”، وكذلك الأخلاق السّمحاء والسّمات العالية التي عاينها بنفسه حين التقى بالحسين، وقد أمر الإمام (عليه السّلام) بسقي القوم جميعهم وترشيف خيولهم حتى الامتلاء، (وهنا تأثير القائد ومبادراته وسلوكه)، ناهيك عن الخطب والحوارات الحسينيّة التي وصل دويّها إلى مسامع قلبه، وبأحدها قال الحرّ للإمام (عليه السّلام): قد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيدالله بن زياد، فقال له الحسين (عليه السّلام): الموت أدنى إليك من ذلك. ومن البعيد أن لا تؤثر هذه الكلمة ونظيراتها في أمثال الحر.(18)

ثالثًا: نماذح من الحياد في الثّورة الحُسينيّة

1- مواقف أهل الكوفة وغيرهم من الّذين التحقوا بالرّكب الحسيني

عرف النّاس في العديد من الأقطار امتناع الإمام الحسين (عليه السّلام) عن البيعة، فاتّجهت إليه الأنظار، وخصوصًا أهل الكوفة، فقد كانوا يومذاك من أشدّ النّاس نقمةً على يزيد، وأكثرِهم ميلًا إلى الإمام (عليه السّلام)، فاجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي، فقام فيهم خطيبًا فقال: “إنَّ معاوية قد هلك، وإنّ حسينًا قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه وأعلموه، وإنْ خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه”. قالوا: “لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه”. قال: “فاكتبوا إليه.” فكتبوا إليه: “للحسين بن عليّ (عليهما السّلام) من سليمان بن صرد، والمسيّب بن نَجَبَة، ورفاعة بن شدّاد البجلي، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو.

أمَّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضا منها، ثمّ قتل خِيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُوْلةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدًا له كما بعدت ثمود! إنّه ليس علينا إمام غيرك، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ، وإنّ النّعمان بن بشير في قصر الإمارة، وأنّنا لم نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشّام إن شاء الله تعالى”.

ثمّ سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن مِسْمَع الهَمْداني، وعبد الله بن وال وأمروهما بالنجاء، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسين (عليه السّلام) بمكّة لعشرٍ مضين من شهر رمضان، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مُسْهِر الصيداوي، وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي، وعمارة بن عبد السَلولي إلى الحسين (عليه السّلام) ومعهم نحو من مئة وخمسين صحيفةً من الرجل والاثنين والأربعة، ثمّ لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وكتبوا إليه: “للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين. “أمَّا بعد، فإنّ النّاس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثمّ العجل العجل، والسّلام”.

ثمّ كتب شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن رُوَيْم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، ومحمد بن عمير التميمي: “أمَّا بعد، فقد اخضرّ الجَناب، وأينعت الثمار، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّدة، والسّلام”.

تتابعت كتب الكوفيّين كالسيل إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) وهي تدعوه إلى المسير والقدوم إليهم؛ لإنقاذهم من ظلم الأُمويّين وبطشهم، وكانت بعض تلك الرسائل تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله والأُمّة إن تأخّر عن إجابتهم.

ورأى الإمام – قبل كلّ شيء – أنْ يختار للقياهم سفيرًا له يُعَرّفُه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم، وقد اختار ثقته وكبير أهل بيته مسلم بن عقيل(19) إلا أن تلك المَهَمَّة شابها الغموض والاضطراب إذ سرعان ما بويع بثمانية عشر ألف رجلٍ وفي ظهيرة الصلاة انسحبوا وأصبح سفير الحسين مسلم بن عقيل وحيدًا شريدًا بأزقة الكوفة(20).

منذ خروج الحسين من المدينة، وخلال بقائه في مكّة كانت الأنباء التي تصل إليه كلّها تدلّ على التفاف المؤمنين حوله، فكانت الأنباء كلّها سارّة حيث إنّ النّاس بدأوا ينشطون في سبيل الله ويرفضون الباطل المتمثّل في السّلطة الأمويّة القائمة على الظّلم، والعدوان، والاحتيال، والاغتيال. ولكن ومنذ خروجه من مكّة، انقلبت الأمور تمامًا، فكانت الأنباء التي تصله تباعًا كلّها مقلقة، وغير سارّة، كما أنّ الحوادث التي مرّ بها كانت تصبّ في الاتّجاه المعاكس لنهضته. ففي منطقة  زبالة، وصل إلى الحُسين عليه السّلام خبر مقتل أخيه من الرّضاعة عبدالله بن يقطر، وكان قد وصله من قبل خبر مقتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، فجلس الإمام الحُسين وكتب كتابًا، ثم قرأه على من معه وهذا بعض ماجاء فيه: “بسم الله الرّحمن الرّحيم، أمّا بعد فقد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن كان منكم يصبر على حدّ السيوف وطعن الأسنّة فليقم معنا، ومن أحبّ منكم الانصراف من غير حرج، ليس منّا ذمام”. بعد تكرار مثل هذا الكلام من الحسين لم يبق معه إلا أهل بيته ومواليه وكان عددهم أقل من ثمانين رجلًا(21).

ذكر المؤرّخون أنّه – أثناء الملحمة الحسينية – وقف أشياخ من أهل الكوفة على التلّ يبكون ويقولون: “اللهمّ أنزل نصرك”. إنّها العاطفة المجرّدة عن السلوك، والدّمعة المجرّدة عن الصدق العملي.(22) وكان لثورة الحسين ونهايته في كربلاء أثر آخر، هو ما سبّبته هذه النهاية وهذا المصير من إثارة الشّعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم استطاع نصره فلم ينصره، وسمع واعيته فلم يجبها ولقد كان هذا الشّعور أقوى ما يكون في ضمائر أولئك الذين كفّوا أيديهم عن نصره بعد أن وعدوه بالنصر وعاهدوه على الثورة.

ولهذا الشعور بالإثم طرفان فهو من جهة يحمل صاحبه على أن يكفّر عن إثمه الذي ارتكبه وجرفه الذي قارفه وهو من جهة أخرى يثير في النفس مشاعر الحقد والكراهية لأولئك الذين دفعوه إلى ارتكاب الإثم. وهذا ما نراه جليًّا في الشّعب المسلم بعد ثورة الحسين فقد دفع الشّعور بالإثم كثيرًا من الجماعات الإسلاميّة إلى العمل للتفكير وزادهم بغضًا للأمويّين، وحقدًا عليهم. وكان التّعبير الطبيعي عن الرّغبة في التكفير وللحقد هو الثورة.(23)

معظم هؤلاء قد ثاروا بعد استشهاد الإمام الحسين في ما عُرف بثورة التّوّابين، فقد ثار التّوّابون بعد مقتل الإمام الحسين، وسمّيت ثورتهم بثورة التوّابين لأنّهم أحسّوا بالخطأ، والشّعور بالإثم لعدم النصرة فتابوا، واجتمعوا وتوجّهوا إلى قبر الحسين في الخامس من ربيع الثاني 65 للهجرة، فلمّا وصلوا بكوا على قبره بكاءً شديدًا وتكلّم زعيمهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة غير عاذرين أنفسهم وقالوا: “يا رب إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا وأصحابه الشّهداء الصدّيقين، وانّا نشهدك يا ربّ على مثل ما قُتلوا عليه فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين.” وغادروا القبر مستقتلّين وكان عددهم حوالي أربعة الآف اجتمعوا من الكوفة والمدائن والبصرة وبعض المدن الأخرى مريدين غسل عار خذلانهم لإمامهم وتوبتهم لربّهم، لذلك توجّهوا رأسًا إلى جيوش الأمويين إلى الشّام عاملين بمقتلهم غير مبالين بشيء فالتحموا بهم وأبيدوا عن آخرهم.(24)

2- الضحّاك بن عبدالله المشرقيّ

الضحّاك بن عبدالله المشرقي، من أصحاب الإمام الحسين في واقعة الطفّ، وأحد شهود عيان واقعة كربلاء الذين شاهدوا أحداثها عن كثب وقاموا بنقلها في الكوفة. قاتل الضحّاك يوم عاشوراء جيش عمر بن سعد وأبدی مآثر وبطولات وحظِيَ بدعاء الحسين وهو يقاتل دونه، ثم ترك القتال آخر اللحظات.(25)

من جملة من التقاه الإمام الحسين عليه السّلام أثناء طريقه الضحّاك بن عبد الله المشرقي، الذي ورد أنّه لبّى دعوة الإمام الحسين عليه السّلام إلى نصرته، لكن بشرط عبَّر عنه بقوله الذي رواه ابن جرير الطبريّ: “أقاتل عنك ما رأيت مقاتلًا، فإذا لم أرَ مقاتلًا، فأنا في حلٍّ من الانصراف” فقبل الإمام الحسين عليه السّلام ذلك، وبالفعل ذكر الضحَّاك حسبما رواه عنه عبد الله بن عاصم، أنّه لما رأى أصحاب الحسين عليه السّلام قد أصيبوا، ولم يبقَ مع الإمام غير أهل بيته ورجلين، ذكّر الإمام بالشّرط، فأذن له الإمام عليه السّلام بالانصراف، فأقبل وركب فرسه التي كان قد خبّأها في فسطاط، ورمى بها عُرض القوم فأفرجوا له. قد نجا الضحّاك بجسده، لكنّه حرم نفسه من الفَتْح العظيم، وأن يكون مع أولئك العشّاق الشهداء.(26)

إنّ كل حكايات كربلاء عجيبة نادرة معبّرة، لكن بعضها تستوقف الإنسان وتدهشه، منها حكاية الضّحّاك، ناصر من أنصار الإمام وجنديّ من جنوده، تحمّل الجوع، والعطش، والحصار طيلة أيّام كربلاء، سمع خطب الحسين ودروسه، عاش أجواء ليلة العاشر، سمع حوارات زينب مع أخيها، سمع كلمات العبّاس، سمع مواقف الأصحاب يوم عاشوراء، شارك في الحملة الأولى مع جيش الحُسين، قاتل، سمع الحُسين يدعو له: “لا تشل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيرًا عن أهل بيت نبيّك”. شاهد كيف يتساقط رفاقه الواحد تلو الاخر، كأوراق الخريف، سمع نداءات الحُسين واستنصاره، سمع عويل الأطفال والنّساء عند تساقط السّهام، لكن عند الظّهر: ينظر فلا يجد مع الحُسين إلا نفر قليل، يأتي إلى الحُسين مستأذنًا للانصراف يأذن له الحسين… يضرب فرسه منهزمًا… ويترك الحسين… لينجو بنفسه…

3- عوامل الخذلان

السّبب الأول: التعلّق بالدّنيا الغاية

         هو سبب تخلُّف أكثر النّاس عن الفتح. وهو الذي أفصح عليه السّلام به لأصحابه في كربلاء، قائل: “النّاس عبيد الدنيا، والدِّين لعقٌ على ألسنتهم، يَحوطُونه ما درَّت معايشُهم، فإذا مُحِصُوا بالبلاء قلَّ الديّانون”.

هو السبب الذي ركّز عليه الإمام الحسين عليه السّلام في الخطبة الأولى يوم العاشر من المحرّم، فقال عليه السّلام بصوتٍ عالٍ: “أيّها النّاس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ…

عباد الله اتقوا الله، وكونوا من الدّنيا على حذر، فإنّ الدّنيا لو بقيت على أحد، أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء، وأولى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله خلق الدّنيا للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحلّ، وسرورها مكفهرّ، والمنزل تلعة، والدار قلعة، فتزوّدوا، فإنّ خير الزاد التقوى، واتقّوا الله لعلّكم تفلحون.

أيّها الناس، إنّ الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرِّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنَّكم هذه الحياة الدّنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيِّب طمع من طمع فيها… إنّه تحذير ينطلق من السّبب الحقيقيِّ لخذلان ذلك المجتمع ومحاربته الحقَّ الذي صرَّح به قائد جيش ابن زياد عمر بن سعد في بيتَيْ شعر قال فيهما :

“أأترك ملك الريِّ والريُّ بُغيتي    أم أرجع مأثوماً بقتل حسينِ؟

وفي قتله النار التي ليس دونها   حجاب وملك الريّ قُرّة عيني”.

فهذا الرجل يخيّر نفسه بين ملك تلك المنطقة الإيرانية التي وُعد بملكها إن قتل الإمام الحسين عليه السّلام، وبين قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموجب باعتقاده لنار جهنّم، ومع ذلك يستسلم لمُلْك الريّ.

فحبُّهم للدّنيا لم يكن ذلك الحبَّ الذي من خلاله يحبُّ الإنسان جمع المال، لينفق على عياله، ويعيش بكرامة بين الناس، ويصل به رحمه، ويقضي به حوائج النّاس، بل كان حبُّهم للدنيا هو الحبَّ الذي من خلاله تركوا أبا عبد الله الحسين عليه السّلام ومَنْ معه يذهبون إلى مذبح الشهادة، من دون أن يحرِّكوا ساكنًا في نصرته.

السّبب الثّاني: عدم الوعي الكافي

لكنّ التعلّق بدنيا الغاية لا يصحّ أن نعمِّمه على جميع المتخلّفين عن الفَتْح – كما قلنا سابقًا – وفيهم من عُرفوا بإيمانهم والتزامهم وإذعانهم للتكليف الشرعي .فما هو سبب تخلّف هؤلاء؟

أستعين في الجواب بكلام للإمام عليّ الخامنئيّ دام ظلّه الشّريف يتحدّث فيه عن هؤلاء قائل: “كان هناك أشخاص مؤمنون ملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السّلام… فليس من الصحيح أن يُعَدّوا جميعًا من أهل الدّنيا، لقد كان بين رؤساء المسلمين ورموزهم في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون وأشخاص يذعنون بالعمل وفقًا للتكليف الشّرعيّ، لكنّهم لم يدركوا التّكليف الرّئيس، ولم يشخِّصوا أوضاع ذلك الزمان، ولم يعرفوا العدوّ الرّئيس، وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسة، والوظائف التي هي من الدّرجة الثانية والثالثة”.

لكن ممّا لا شكّ فيه أنّهم مخطئون، وأنَّ هؤلاء لم يدركوا تكليفهم الصحيح، وأنّهم حرموا أنفسهم من الفَتْح العظيم، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّهم أهل دنيا، بل كانت مشكلتهم في محلّ آخر يرتبط بتحديد التّكليف الشّرعيّ للأمّة في ضوء أوضاع ذلك الزمان. فبعض هؤلاء كان يرى أنّ الأولويّة هي في حماية شخص الإمام الحسين عليه السّلام والمحافظة عليه، لذا نصحوه أن يذهب إلى أمكنة فيها أمان لنفسه، في مقابل رؤية الإمام المعصوم عليه السّلام بأنّ الأولويّة هي حفظ الدّين، وإن كلّف ذلك شهادة الإمام المعصوم عليه السّلام.

من الصعب أن تُفهَم مشكلة هؤلاء المؤمنين بحدٍّ أقلّ من كونهم سمحوا لأنفسهم بتشخيص التكليف الشّرعيّ الولائيّ وتحديده مع وجود المعصوم المحدِّد لذلك، بين ظهرانيهم، فلعلّ ذلك كان لعدم فهمهم ما حدَّده الإمام عليه السّلام من تكليف. هذا على مستوى الخلفيّة النّظريّة لتكليف الأمّة الشّرعيّ.

لكن يُلاحَظ من بعض الحالات المتقدّمة أنّ بعض المتخلّفين حرم نفسه من الفَتْح لعدم ترتيب أولويّاته العمليّة، من دون علاقة ذلك بقضيّة التّكليف العامّ للأمّة، والوظيفة الرئيسة لها. فالطّرماح لم يكن عنده مشكلة في ذلك، كما يبدو من سيرته التي نقلنا بعضها، لكنّ مشكلته كانت في تسامحه في ترتيب أولويّاته بلحاظ حساسيّة الوقت، فهو قدّم ذهابه لإعطاء أهله النفقة، بنيَّة الرجوع للنّصرة على البقاء مع الإمام عليه السّلام، فذهب ورجع، ولكنّه كان متأخّرًا، فحرم نفسه من الفتح.(27)

إذًا، إنّ الوقوف على الحياديّة يرجع لأسباب عدّة منها: الجبن والوهن، وهو حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت، وعدم تحمّل المسؤوليّة والهروب منها، والخوف على المصالح. وعلى هذا فالحياد والحياديّة مرض من الأمراض التي إن أصابت المسلم، أو الشخص انكفأ على نفسه ووقف مستسلمًا كاستسلام الخروف للذّبح، فلا يجوز الخوف إلا من الله، فهو الذي يملك الضرّ والنّفع للبشر، قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ(28)، فالأصل في المسلم أنّه طاقة متحرّكة في وجه الفساد، وفي وجه الظالمين، وليس خاملاً.(29)

رابعًا: خلاصة القول

متى تكون الحياديّة ممكنة؟

قد تكون الحياديّة بين باطل وباطل، وقد تكون بين الحقّ والباطل، فالحياديّة بين الباطل والباطل هي أمرٌ يوافق عليه الإسلام، لأنّ المسألة تتحرّك من جهتين، إذ لا شأن لك بهذا الباطل لتقوّيه بموقفك، ولا شأن لك بذاك الباطل لتقوّيه بموقفك، بل دع الباطلين يتصارعان، وانظر إليهما، واستفد من تجربة هذا الصّراع في تعرّف خصوصيّة قوّة هذا الباطل أو ذاك، من أجل مواجهة الباطل الآخر في صراع جديد، وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ (ع) في قوله: “كُن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهرٌ فيُركَب، ولا ضرعٌ فيُحلب”، وهذا يفسّر الموقف من الفتنة فيما إذا كانت بين باطلين، أو في موقف لا يُعرف به الحقّ من الباطل، فعند ذلك، لا تدع أحدًا يركبك إلى هدفه، ولا تدع أحدًا يحلب طاقاتك إلى مواقعه. وربما نحتاج في بعض الحالات أن نغلّب باطلًا على باطل، عندما يكون هناك باطلان أحدهما أقوى والآخر أضعف، وهنا يكون الخِيار لك بعد دراسة دقيقة جدًّا على المستوى الواقعيّ، بأن تعطي الباطل الضّعيف شيئًا من القوّة، ولو السّلبية، من أجل أن يتغلّب على القوّة الأخرى الأقوى، حتّى تتفرّغ في مرحلة لاحقة لباطل ضعيف لتقضي عليه في نهاية المطاف، وذلك بأن تتعاون مع هذا الباطل الضعيف على الباطل القويّ، ثمّ لتجهز على الباطل الضّعيف، وهذا يدخل فيما يسمى في هذه الأيّام بـ”التكتيك”.

غير أنّ هذه المسألة تحتاج إلى دراسة دقيقة في ما يسمى ـ”الإستراتيجيّة والتّكتيك”، وما يصطلح عليه بالغاية وبالهدف وبالوسائل التي تحرّكها نحو الهدف، فإذا كانت المسألة مسألة حقّ وباطل، فيحرم عليك الحياد، لأنّ الحياد هنا يضعف الحقّ، من خلال أنّك تأخذ منه جزءًا من القويّ الذي هو الحقّ، والذي يفترض أنّك من أهله، فإذا كنت من أهل الحقّ، ودخل الحقّ ساحة صراع، فإنَّ الحقّ يحتاج إلى كلّ طاقة من طاقاته ليواجه الصّراع من خلال ذلك، ولذلك، فإنّك إذا حجبت قوّتك عن الحقّ، فإنّك تكون قد نصرت الباطل، ولكن بطريقة سلبيّة، لأنّك أضعفت الحقّ، ولهذا قال عليّ (ع) عن بعض النّاس الذين وقفوا في الحياد بينه وبين معاوية: “خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل”، وإن خذلان الحقّ من ناحية عمليّة قد يكون نصرة للباطل، ولكن بطريقة سلبيّة.(30)

إذًا يجب عدم ترك فكرة الحياد تتسرّب إلى العقول، على أنّها شيء جميل، فهي الظلم، والسّلبيّة، وتجميل للخذلان القبيح، إنّما الأجدر بنا فرادى ومجموعات أن نتحلّى بقيم العدل والإنصاف، أمّا الحياد فلا يَصلُح ولا يُصلِح، وتكون فيه شرعنة للظلم وقَبول بالظالمين.

الحياد الذي يجعلنا نقف بالمنتصف بين الظالم والمظلوم، وبين المجرم والضّحية في ذلك جناية واضحة واشتراك في الجريمة لا يغتفر كالذي يرى نفسه محايدًا حين التّعامل مع قضايا الأمّة كالقضية الفلسطينيّة على سبيل المثال، فأيّ حياد هذا بين احتلال وشعب مظلوم، إنّه اختلال، وهو الخذلان بعينه، لكن بات له اسم منمّق يواكب تغيّرات العصر الذي بات يسمّي الأشياء بغير مسمّياتها الحقيقيّة، فالشذوذ أصبح مثليّة، والفسوق أصبح حرّيّة.

الحياد يورث في سياسات الكِيانات وضمير الأفراد الخمول والسلبية، إلا أنّه بالإضافة إلى ذلك استخدم أداة من أدوات الأمم المتّحدة لشرعنة الباطل في الكثير من القضايا، فهي لم تتدخّل في جلّ الأحداث – خصوصًا في المنطقتين العربيّة والإسلاميّة – إلا بعد أن يهيمن القوي على الضّعيف لتقف بالمنتصف بينهما وتدعوهما للتّعايش مع بعضهما البعض من دون حلّ جذور المشكلة أو إعادة الحق لأصحابه، وهي بالمعنى الأدق تدعو صاحب الحقّ إلى التنازل والتفريط بحقّه لصالح مغتصبه.

ثقافة الحياد من سوء النتاجات الفكرية والسياسيّة لعصرنا، وهي سبب من أسباب استمرار مآسي عشرات الملايين من البشر المستضعفين، وتكون في بعض الأحيان أقسى من الظلم على نفوس النّاس حين تأتي من صديق، وهي تشبه كثيرًا شهادة الزّور في محكمة، فهل من العدل أن يتساوى موقفك تجاه طرفَيْ القضيّة وأحدهما جانٍ والآخر مجنيٌّ عليه؟ وما الحياة إلا مسرح كبير سنّته التّدافع بين النّاس، ومن هنا يتكوّن فهم أعمق لقول الله تعالى: ﴿ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾، فالحياد وعدم الضغط على يد الظالمين وتركهم يستمرّون في غيهم وبغيهم سيزيد خراب الأرض وفسادها(31).

الهوامش

(1) أبو خليف، محمّد/ تعريف الحربhttps://mawdoo3.com// 1 آذار 2021.

(2) أحمد، هدى/ تقرير في الحرب النّفسية – المرحلة الأولى/ جامعة النّهرين – كليّة العلوم السياسيّة.

(3) المدرّسي، هادي/ الشهيد والثورة/ مؤسسة الأعلى للمطبوعات – بيروت، لبنان/ ط2 – 1982/ ص 125-126.

(4) قليط، أروى/ خطب المسيرة الكربلائية من مكة – الكوفة – العراق – الشام إلى المدينة المنورة/ دار البلاغة / ط1 – 1996/ ص 55-56-57.

(5) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام)/ ص 485.

(6) مقتل الحسين عليه السّلام/ المقرم/ ص 219.

(7) اللهوف في قتلى الطفوف/ السيد ابن طاووس/ ص 48.

(8) أصحاب الإمام الحسين رجال الحقيقة/ الموقع الالكتروني للعتبة الحسينية المقدسة .

(9) الإمام الحُسَين (عليه السّلام)/ الشيخ عبد الله البحراني/ ص 217.

(10) المدرسي، هادي/ لا شيء يشبه كربلاء/ ط1 – 2013/ ص11.

(11) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام)/ ص 485.

(12) المدرّسي، هادي/ الشهيد والثورة/ مصدر سابق/ ص 133-136-137.

(13) المدرسي، هادي/ وجاء الحسين/ مركز الفكر الرسالي للدراسات والابحاث ط3  – 2019 – ص323-324.

(14) قليط، أروى/ خطب المسيرة الكربلائية من مكة – الكوفة – العراق – الشام إلى المدينة المنورة/ دار البلاغة/ ط1 – 1996/ ص 48.

(15) هنون، هادي/ التصوير الفني في خطب المسيرة الحسينية “من مكة إلى المدينة”/ العتبة العلوية المقدّسة/ 2011.

(16) لبيب بيضون/ موسوعة كربلاء – الجزء الأول/ مطبعة النور – قم إيران/ ط1 – 1989/ ص675 – 676.

(17) https://www.alkawthartv.ir/news/95235

(18) https://www.ralqalam.com/article اللحظات المصيريّة والموقف الخالد تحليل لموقف الحرّ الرياحي في كربلاء.

(19) https://www.islam4u.com/ar/maghalat

(20) الكوفة والبصرة ما بين الخيانة والوفاء للإمام الحسين https://imamhussain.org/arabic/21995

(21) لبيب بيضون/ موسوعة كربلاء – الجزء الأول/ مطبعة النور – قم ايران/ ط1 – 1989/ ص 327-328.

(22) https://www.almaaref.org/  شبكة المعارف الإسلامية – المتخلفون عن الفتح/ 26 أيلول 2021.

(23) شمس الدين، محمد مهدي/ ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية/ المؤسسة الدولية اللدراسات والنشر/ بيروت لبنان – ط7/ 1996/ ص192.

(24) مرتضى، بسام/ قيام الثائرين دراسة حول الفكر الثوري الشيعي/ دار الهادي بيروت لبنان/ ط1 2000 ص 99.

(25) نصرالله، حسن/ خطاب عاشوراء/ دار الصفوة – بيروت ، لبنان/ ط1 – 2000.

(26) https://www.almaaref.org/  شبكة المعارف الاسلامية – المتخلفون عن الفتح / 26 أيلول 2021.

(27) https://ar.wikishia.net/view

(28) سورة المائدة، الآية 3.

(29) الخليل، موسى/ الحيادية موقف المتخاذلين عن أمر الله/ مجلة الوعي الالكترونية العدد 263/ السنة الثالثة والعشرون/ كانون الأول 2009.

(30) الحيادية ونظرة الإسلام إليها/ 11/12/2019 – موقع بينات الإلكتروني.

(31) الأخرس، رضوان – الحياد اسم جميل لمعنى قبيح/ 14/8/2016/ موقع مدونات الإلكتروني.

لائحة بالمصادر والمراجع

أوّلًا: الكتب العربيّة

1- القرآن الكريم.

2- أحمد، هدى/ تقرير في الحرب النّفسية – المرحلة الأولى/ جامعة النّهرين – كليّة العلوم السياسيّة.

3- الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)/ الشيخ عبد الله البحراني .

4- شمس الدين، محمد مهدي/ ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية/ المؤسسة الدولية اللدراسات والنشر/ بيروت لبنان – ط7/ 1996.

5- قليط، أروى/ خطب المسيرة الكربلائية من مكة – الكوفة – العراق – الشام إلى المدينة المنورة/ دار البلاغة/ ط1 – 1996 .

6- لبيب بيضون/ موسوعة كربلاء – الجزء الأول/ مطبعة النور – قم ايران / ط1 – 1989/ ص675 – 676.

7- اللهوف في قتلى الطفوف/ السيد ابن طاووس.

8- المدرّسي ، هادي/ الشهيد والثورة/ مؤسسة الأعلى للمطبوعات – بيروت ، لبنان/ ط2 – 1982.

9- المدرسي، هادي/ لا شيء يشبه كربلاء / ط1 – 2013

10- المدرسي، هادي/ وجاء الحسين/ مركز الفكر الرسالي للدراسات والابحاث ط3  – 2019.

11- مرتضى، بسام/ قيام الثائرين دراسة حول الفكر الثوري الشيعي/ دار الهادي بيروت لبنان/ ط1 2000.

12- مقتل الحسين عليه السلام/ المقرم.

13- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام).

14- نصرالله، حسن/ خطاب عاشوراء/ دار الصفوة – بيروت، لبنان/ ط1 – 2000.

15- هنون، هادي/ التصوير الفني في خطب المسيرة الحسينية “من مكة إلى المدينة”/ العتبة العلوية المقدّسة/ 2011.

ثانيًا: الدّوريات

1- الخليل، موسى/ الحيادية موقف المتخاذلين عن أمر الله/ مجلة الوعي الإلكترونية العدد 263/ السنة الثالثة والعشرون/ كانون الأول 2009.

ثالثًا: المواقع الإلكترونيّة

1- أصحاب الإمام الحسين رجال الحقيقة/ الموقع الإلكتروني للعتبة الحسينية المقدسة.

2- تعريف الحرب/ ابو خليف، محمّد  https://mawdoo3.com/ / 1 آذار 2021.

3- الحياد اسم جميل لمعنى قبيح/ 14/8/2016/ موقع مدونات الإلكتروني.

4- الحيادية ونظرة الاسلام اليها / 11/12/2019 – موقع بينات الإلكتروني.

5- الكوفة والبصرة ما بين الخيانة والوفاء للامام الحسين

  6- اللحظات المصيريّة والموقف الخالد تحليل لموقف الحرّ الرياحي في كربلاء https://www.ralqalam.com/article

7- المتخلّفون عن الفتح/ شبكة المعارف الإسلامية –/ 26 أيلول 2021/ https://www.almaaref.org/

8-  https://ar.wikishia.net/view

9- https://imamhussain.org/arabic/21995

10- https://www.alkawthartv.ir/news/95235

11- https://www.islam4u.com/ar/maghalat

[1] – طالبة دكتوراه في المعهد العالي للدّكتوراه في الجامعة اللبنانيّة، اآداب والعلوم الإنسانيّة.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website