foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

دور اللواء فؤاد شهاب في ثورة 1958 م

0

دور اللواء فؤاد شهاب في ثورة 1958 م

The role of Major General Fouad Chehab in the 1958 revolution

Dr Khader Haidar د. خضر حيدر([1])

الملخص

لكل حدث أسبابه القريبة والبعيدة، وثورة ١٩٥٨ م تجمّعت لها أسباب عدّة أدّت لانفجارها، وما يعيب قادتها أنّهم سمحوا للخارج بالتّدخل في الشؤون الدّاخلية بدل التّفاهم معه لمصلحة الوطن. ولقد استقيت معلوماتي من مشاركين بالثورة ومعارضيهم ليكون البحث أقرب للواقعيّة، وقسمته لمحورين: المحور الأول تكلمت فيه عن سيرة فؤاد شهاب وذكرت ارهاصات ثورة 1958 م، أمّا المحور الثاني فشمل أسباب اندلاع الثورة، وكيف اتخذ فؤاد شهاب الحياد، وانحاز لحماية مؤسسات الدولة، الى أن انتهى المتقاتلون للاتفاق لانتخابه رئيسًا، ثم زيّلت البحث باستنتاجات تطرّقت فيها الى نقاط تعثّر العهد الشّهابي.

الكلمات المفاتيح: (…) ثلاث نقط تعني كلمة محذوفة، (….)أربع نقط وتعني أكثر من كلمة محذوفة،(د.ط) دون ذكر الطبعة إن كانت الأولى أو الثانية أو…،(د.دا) دون ذكر دار النشر،(د.متر) من دون ذكر مترجم الكتاب إذا كان أصله باللغة الأجنبية، وما وضعته بين[قوسين مركنين] هو إضافة على النص الأصلي.

Abstract

Each event has its causes, near and far, and the revolution of 1958 AD gathered several causes that led to its explosion, and what is wrong with its leaders is that they allowed the outside to interfere in internal affairs instead of reaching an understanding with it in the interest of the country. I drew my information from the participants in the revolution and their opponents to make the research closer to realism, and divided it into two axes: the first axis in which I talked about the biography of Fouad Shehab and mentioned the harbingers of the 1958 AD revolution, while the second axis included the reasons for the outbreak of the revolution, and how Fouad Shehab took neutrality and sided with the protection of state institutions, until it ended. Those fighting for the agreement to elect him as president, then I removed the research with conclusions in which I touched on the stumbling points of the Chehabi era.

keywords

(…) three dots mean a deleted word, (….) four dots mean more than one deleted word, (D.I) without mentioning the edition whether it was the first, second, or…, (D.Da) without mentioning the publishing house, (Dr. meters) without mentioning the translator of the book if it was originally in a foreign language, and what I put in [two brackets] is an addition to the original text.

        المقدمة

لبنان، بلد العجائب والغرائب، الكل فيه متطرّف، موالٍ و معارض، ولا ضياع فيه إلا لتيار الوسطيّة، الذي لا يجد مكانًا في هذا البلد ليحطّ به رحاله. وإذا ما وُجد طيف لهذا التيار، نُظر إليه كعنصر غريب من عنصرَي الإفراط والتفريط ! لقد مرّ على تاريخ بلد العجائب (لبنان)، عجيبة، لم ينظر إليها بواقعيّة، بل تناولتها أقلام طرفَي التطرف. فؤاد شهاب المرحلة العجيبة ! تستحق أن تُمتشق إليها الأقلام لتكتب بحروف من نور على صفحات ناصعة ساطعة، تاريخ مرحلة وسطيّة في لبنان لم يشهدها في حقباته الطويلة.

و لم أجد صعوبات كثيرة في الحصول على وثائق لهذا البحث-وهي كثيرة- بقدر الصعوبة في صوابيّة المعلومات والوثائق نفسها، التي كانت إمّا مؤيّدة لأبعد الحدود، وإمّا معارضة لأقصاها كذلك، وما نقَصُ من هذه المعلومات، إلّا الحياديّة والموضوعيّة.

لقد اعتمدت في بحثي على عدّة مصادر ومراجع، توزعت ما بين كتّاب ومعاصرين للأزمة وللرئيس شهاب، مشاركين في قيادة الثورة(١٩٥٨ م)، وقيادة تيار سياسي في لبنان ما زال يعمل على أرضه إلى الآن. كالقائد كمال جنبلاط، السياسي الملهم، الذي وضع أسس الإصلاح للجمهورية، واختلف مع عدد من الرؤساء من أجلها. ومع ذلك نرى أن معظم ما طالب به كمال جنبلاط في زمنه قد تحقق الآن، ولكنّ الإصلاح الحقيقي لم يتحقق، لأنّ النصوص وحدها لا تكفي للتغيير بل يجب أن يقترن التغيير، بتغيير للنفوس. نصوص تهيئ النفوس، لتتكاملا في أرض الواقع. وبعدما أُلغيت الوزارات والمجالس التي طالب بها جنبلاط بعد العهد الشهابي، أُعيد العمل بمعظمها حديثًا ما عدا وزارة التّصميم والتّخطيط، ومع ذلك لم يتحقق أيّ تقدم وتطور  في الدّولة، ما دام عمادها المحاصصة الطائفيّة، لا الكفاءة والجدارة. فالمحسوبيّة والواسطة أكلت جدُرُ الدّولة الأساسي وحوّلته إلى مقاطعات سياسية-طائفية، بقالب حضاري!

وما غاب عن أذهان الكتّاب كلهم سويّة، التعليق الجدّي الدستوري، على رفض فؤاد شهاب قائد الجيش إبان الثورة لطلب رئيس الجمهورية وقتها، والجميع مرّ على هذه النقطة مرور الكرام، ولم يتوقف أحد عندها لسبب ما زلت أجهله إلى الآن، على الرّغم من أني تكلمت فيه ما استطعت، وعلى قدر ما جمعت من معلومات قانونية من أهل الاختصاص، ثم غلّفتها بمعلومات سياسيّة وتاريخية كذلك، لعلّي أنفّذ عليها إضاءة ولو خفيفة، ريثما تتوسع هذه النافذة في بحوث أخرى، أو ربما عثرت على وثائق كافية للتوسع في هذا الموضوع مستقبلًا.

و ما أجمع عليه الكتاب، هو التّدخل الأجنبي في السياسة الداخلية اللبنانيّة، وهذا عيب على أبناء الوطن،الذين يظهرون أمام الغير بمظهر الطفل الذي لا يستطيع تدبّر أموره من دون مساعدتهم، فكيف به سيستطيع أن يكون ربّ أُسرة يجمع بها كل الوطن!؟ ولا مانع من التّفاهم على السياسة الخارجيّة مع المحيط المتجانس مع الوطن، بل يجب أن يكون ذاك التفاهم، لأنّه يعطي للبنان قوة في نظر الطامعين في خيراته من جرّاء ضعفه، فمظهر القوة يحجب أفكار الاستعمار الجديد عنه. ولا معنى مطلقًا: أن قوة لبنان في ضعفه! والقائلون بذلك يضربون الأمثال بدول منها: سويسرا، اليابان … ونسوا أن سويسرا المسالمة، لديها من الأسلحة ما يكفي لصدّ عدوان الدول المجاورة لها كلها دفعة واحدة، ولديها من الملاجئ النووية التي تتسع لكل الشّعب السويسري.

أمّا اليابان التي غزت العالم، فإنّ آخر المعلومات أنّها توصلت إلى منع أيّ خرق جوي لها من دون أن تستعمل سلاح طيرانها. إذن القوة تنبعث من القوة لا الضعف، فمن ظهر بمظهر الضعف استُضعف، ومن استضعف أصبح ابتزاز القويّ له حق عليه، وإذا ما أراد نفض الاستضعاف عنه، يكلّفه ذلك ثورة، قد يدفع ثمنها كلّ الوطن، وبما يحتويه.

علينا أن نكون أقوياء ليتقوّى بنا الوطن، علينا أن نملك أسباب القوة بكل أشكالها ليستمر بنا الوطن، علينا أن نعدّ أن هذا الوطن لأبنائه كلهم سويّة، لنكون أوسع شمولية في نظرتنا قبل أن يتجاوزنا الزّمن، وليكن معلومًا للجميع أفرادًا ومسؤولين، أنّه من الممكن أن يستعيض الإنسان عن أرضه بأرض أخرى في دولة أجنبية، لكنّها تبقى غريبة بالنسبة إليه، ينقصها الحنوّ وأهل الوطن. وكم من الزعماء اشترى أرضًا( مقاطعة)  في دولة أجنبية تعادل مساحتها مساحة لبنان بكامله، ومع ذلك لم يستطع أن يكون فيها زعيمًا على أرض غريبة مع شعب غريب. حافظوا على وطنكم لتدوم فيه زعامتكم أيها القادة ! حافظو ا على مؤسساتكم وأعمالكم ليدوم الحنان والوئام بينكم أيها الافراد! فلا يتسع قبر لكم إلا في تراب هذا الوطن، يحتضنكم برفقٍ وحنان !

لقد قسمت بحثي إلى محورين أساسيين: المحور الأول وأوجزت فيه سيرة فؤاد شهاب القائد والرئيس، وذكرت فيه إرهاصات ثورة ١٩٥٨م ، وتفرّع إلى عدّة فقرات، وتطرقت فيه إلى نقاط مفصليّة. أمّا المحور الثاني فشمل أسباب اندلاع ثورة ١٩٥٨م، وكيف سار القتال في المناطق اللبنانية كلها، وكيف تعاطى الجيش مع الثوار في هذه المناطق. وذكرت فيه وصول المارينز وكيف تعاطى فؤاد شهاب معهم، ثم خلصت إلى الاتفاق على انتخاب فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية. وأتبعت ذلك باستنتاجات عامة للبحث تطرقت فيها إلى نقاط أساسية جعلت العهد الشهابي متعثّر المسار.

احتوى البحث على عدة رموز، يلزمها تفسير منها : (…) كلمة محذوفة،(….) أربع نقاط وتعني أنّ هناك أكثر من كلمة محذوفة، ولم أجعل منها سطرًا أو أكثر لضيق البحث، (د.ط) من دون ذكر الطبعة إن كانت الأولى أو الثانية… ( د.دار) من دون ذكر دار النشر، ( د.متر) من دون ذكر مترجم الكتاب إذا كان أصلًا باللغة الأجنبية، وما وضعته بين ” قوسين مركنين” هو إضافة على النّص الأصلي.

وفي النهاية لا بد من التّنويه بمعلومات بعض الشخصيات التي عاشت ثورة ١٩٥٨م، وشاركت فيها، وقد أخبروني بموقف الجيش من خلال قادته في المناطق، و بأسماء قادة مناطق عاصروا الثورة وعملوا على تحجيمها كي لا تتوسع، وكل ذلك كان بفضل توجيهات قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب؛ ولم أذكر رواياتهم في البحث، وإنما زرعوا فيّ شعورًا أو إحساسًا، على هدْيه كتبت بحثي هذا.   

  • المحور الأول : سيرة فؤاد شهاب القائد والرئيس، وإرهاصات ثورة ١٩٥٨م

أ – السيرة الذاتية لفؤاد شهاب :  ولد فؤاد شهاب في ١٩ آذار ١٩٠٢م، في بلدة  غزير من قضاء كسروان، والده يدعى الأمير عبدالله بن الأمير حسن… بن قاسم عمر الشهابي، ووالدته بديعة ابنة الشيخ طالب حبيش، وقد كان مشهودًا لها بالمقدرة والرصانة.

أثناء المجاعة العام ١٩١٤م ، انتقلت هذه العائلة من غزير إلى جونية، حيث سكنت منزل الشيخ طالب حبشي والد أمه، وهناك – في جونية- أدخل معهد ” ألفرير مارست”، ولاشتداد أزمة الجوع، عمل في دوائر الدّولة لينال”الإعاشة*”، وحتى حدَتْ به الأمور إلى أن عمل “مباشِرًا**” في المحكمة.

تطوّع في المدرسة الحربية للجيوش الخاصة بالشرق، في ١٢ كانون الأول ١٩٢١م، وبعد مدّة أرسله الفرنسيون إلى المدرسة العسكرية التي أنشأها في دمشق  لتخريج الضباط، حيث تخرج منها برتبة ملازم في ٢٠ أيلول ١٩٢٣م.

تزوج سنة ١٩٢٦م، من الآنسة روزرينيه بوايتو من مدينة نيس الفرنسيّة، وهي ابنة زوجة مقدم في الجيش الفرنسي، كان يقوم بقيادة الحامية العسكرية في “عندقت” “عكار”  أثناء قمع الفرنسيين لثورة ” زين مرعي جعفر”، وتكلّل على الآنسة “روز” في دير “مار ضومط” في “القبيات”.

ظل يتدرج بالرتب العسكرية حتى سنة ١٩٤٤م، وقد رقُّي إلى زعيم، وكلّف بتنظيم قوات الشرق الخاصة.

تسلم لبنان في أول آب ١٩٤٥م، من الجيش الفرنسي الفوج الأول من “القناصة اللبنانيّة” ، واختار الشيخ بشارة الخوري الزعيم فؤاد شهاب قائدًا لنواة الجيش الوطني. وفي ١٤ أيار ١٩٤٨م، كلّف شهاب بقيادة جميع القوى المسلحة التي اشتركت بحرب فلسطين ([2]).

وعلى أثر استقالة رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري في ١٨ أيلول ١٩٥٢م، ، كُلّف برئاسة  حكومة مؤقتة، وفقًا للمرسوم ٩٤٤٣، واستمر اللواء شهاب برئاستها اثني عشر يومًا، إلى أن انتُخِب الرئيس كميل شمعون، و شُكِّلت حكومته آنذاك([3]).

أمّا عن ثورة ١٩٥٨م و دور القائد شهاب فيها، ومدّة رئاسته للجمهورية؛ فسنورد الكلام في مكانه المناسب من البحث بشيء من التفصيل.

بعد أن زهد بالحكم والرئاسة،  توفّى شهاب في منزله الكائن بمدينة “جونية “، في الساعة الخامسة والدقيقة العشرين تقريبًا، من ظهر ٢٥ نيسان ١٩٧٣م، ودفن يوم الجمعة في ٢٧ نيسان ١٩٧٣ م ، في مدفن العائلة في بلدته ” غزير” ([4]).

ب – سياسة  شهاب(الرئيس) : لتكوين فكرة متكاملة عن شخص كاللواء فؤاد شهاب، لا بدّ لنا أن نعرف الخطة السياسيّة التي كان يطمح إليها، منذ أن كان ضابطًا إلى أن توصل  إلى سدّة الرئاسة، لنعرف مدى العمق الوطني الذي كان يتمتع به هذا الإنسان، والذي كان همّه الأول الوحدة الوطنيّة والاندماج في كيان يجمع الطوائف إليه، ولا يفرق الأديان إلى قوى متناحرة. وكان يرى أن خير مؤسسة تقوم باللحمة الوطنيّة هي مؤسسة الجيش، التي ينخرط في سلكها أبناء الوطن كلهم، وتدافع عن بقاع الوطن كله بلا استثناء. من هنا خصّ هذه المؤسسة بلفتة كريمة جاءت في بيان قسمه اليمين الدستورية، الثلاثاء في ٢٣ أيلول ١٩٥٨م، وقد قال:…” و لا بدّ لي، أخيرًا، من كلمة أوجهها إلى جيشنا الحبيب. لقد رافقته ينشأ ويترعرع… وعملت في سبيله ما استطعت…. لقد رأيته يعيش تلك الأحداث التي مرّ بها لبنان، فلم تفتّ عزيمته، بل بقي متحليًّا بوطنيّته وتفهمه للواجب. وكان له الفضل الأكبر في سلامة الكيان والمحافظة على معاني الدولة، واستمرار الحياة على أساس الديمقراطية والحرية والمحبة. فله مني الثناء والشكر…

لقد علم شهاب أنّ من أكثر أسباب ثورة ١٩٥٨م، هو الشّعور بالغبن  لدى طائفة من اللبنانيين، والشّعور بعدم الحسّ الوطني بالانتماء للكيان اللبناني عند أهل أطراف هذا الوطن، فاستدعي بعثة فرنسية وعلى رأسها رجل دين يدعى” الأب لوبريه”، وسبب اختياره له قوله :” اللبنانيون يخافون من أفكار العدالة الاجتماعيّة والاشتراكية والتطور، لكنهم قد يتقبلونها أكثر من رجل دين، لأنهم تعوّدوا على المواعظ والخطب  الدينية”.

فالنظام اللبناني المهترئ -القول لشّهاب- يحتاج إلى خطّة عامة، وشاملة ومتوازنة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، و خصوصًا في تنظيم الإدارة، والنهوض بالمناطق النائية، بهدف ترسيخ فكرة الوطن والإنتماء إليه([5]).

أمّا بالنسبة إلى دور المكتب الثاني الذي أنشأه شهاب ( جهاز أمن واستقصاء معلومات)، فيقول في مبرر وجوده :” على ساحة البرج ٢٤ مكتبًا ثانيًا، وأجهزة لمخابرات العديد من الدّول… ألا ينبغي أن يكون المكتب رقم ٢٥ لبنانيًّا ليراقب تحرك هذه المكاتب ونشاطها. وهل يجوز أن لا يكون في بلد كلبنان دائرة خاصة لضبط الأوضاع و مراقبتها من الأعداء والعابثين؟؟ لكي لا تفلت الأمور عن السيطرة، فتستباح الأراضي بمن فيها”.

وحقيقة وجود المكتب الثاني  بدايةً كان بهدف إجراء معادلة بين اليمين واليسار بتكوين تيار الوسط، ولاستكمال الخطة الاجتماعية -الاقتصادية…. لكنه بعد سنة ١٩٦٤م انحرف هذا المكتب عن دوره المرسوم له، وتدخل في السياسة العامة( [6]).

وأول بيان رئاسي وجّهه فؤاد شهاب بعد أربعة أيام من انتخابه رئيسًا للجمهورية، يدعو فيه إلى الوحدة الوطنية، وهذا أهم ما جاء فيه:

” أيها اللبنانيون، في هذه الأيام العصيبة التي يجتازها وطننا العزيز، والآلام تخيّم على ربوعه والمتاعب تثقل أبناءه، لم يبقَ لأحد أن يتردد في الاضطلاع بمهمة تنتدبه لها البلاد ….

لقد بلوتُ بعمق صعوبة الحال التي يعانيها بلدنا العزيز، وعشت مع جيشنا الوطني والمأساة، لذلك فإنّني مدرك تمام الإدراك جسامة التبعات التي تلقى على عاتقي، غير أن ما انطوت عليه نفس اللبنانيين من الخير، وما تأصّل فيهم من روح المحبة والتّسامح، ونما في قلوبهم من تعلق باستقلال بلادهم، وتمسك بحرية وطنهم، يبعث فيّ كبير الثقة وعظيم الأمل أن يتغلب اللبنانيون على الأزمة…

إنّ أول ما أطلبه من نفسي، وما أطلبه من كل مواطن لبناني، هو السّعي بكل ما أوتينا من جهد و طاقة للعودة بالبلاد إلى وحدتها الوطنية، التي بقوتها حقق لبنان استقلاله سنة ١٩٤٣م، وأثبت سيادته، ورسّخ كيانه، والتي انبثق منها ميثاقه الوطني، ذلك الميثاق الذي يبقى بما رسمه لنا من سياسة وطنية خالصة، وعربيّة ناصعة، وخارجيّة حرّة، الدّستور الضامن لمجد لبنان، وهناء شعبه.

وإذا كانت تلك الوحدة هي السّلاح الأمضى الذي استعان به شعب لبنان لتحقيق الاستقلال، وتوطيد السيادة الوطنية، فإنّ هذه الوحدة وما يرافقها من طمأنينة واستقرار، ما تزال الأساس لكل عمل نستهدف منه اليوم ودائمًا، كلّ غاية مماثلة من غاياتنا الوطنية، وفي مقدمتها انسحاب القوات الأجنبيّة من الأراضي اللبنانيّة.

إنّ المساواة بين اللبنانيين، والإخلاص والصراحة في علاقاتنا مع البلاد العربيّة الشقيقة، والكرامة والصداقة في جميع علاقاتنا الأجنبيّة، هي أسس جديدة لتوفر حياة هانئة، لوطننا لبنان، يتأمّن فيها الازدهار والسّلامة والطمأنينة والعزة؛ وهي كفيلة أن تضع لبنان في المنزلة الكريمة التي يستحقها في البلاد العربية وفي العالم.

وكما علينا أن نرعى هذه الوحدة،علينا في سبيل بناء الدولة أن نرعى فضائل النزاهة والعدل والتّجرد و قواعد العلم والنظام والمساواة، فنجعلها تسود مجتمعنا في مرافقه كلها، كما نجعل روح المسؤولية والقيام بالواجب، وحرمة المصلحة العامة تسود إدارة الحكم بجميع فروعه.

إنّنا إذا وطّدنا النّفس على أن نجابه واجبنا بما يتطلبه من جهد طويل قاسٍ و مستمر، نكون قد سلكنا الطريق الذي يصلنا إلى غاياتنا الوطنيّة.

وإنّني في هذه المناسبة أتقدّم بالشكر على الثقة الغالية التي وضعها فيَّ الشّعب اللبناني ، ومجلسه النيابي الكريم، وأبعث إلى المقيمين فيه والمغتربين بتحية الوفاء والإخلاص، معاهدًا إياه بعدَ الله ، على أن أكون بارًّا بالجميع كل البرّ ، من دون تمييز أو تفريق ، وبارًّا بأرض هذا الوطن ، وتاريخه ومستقبله([7]).

وعندما شعر أن الشعب اللبناني غير مجمع عليه، قدّم استقالته متخليًّا عن الرئاسه عادًّا أن مهمته قد انتهت: “لقد أعدت القطار إلى خطه، لست أنا من انتخب اللبنانيون، فإنني لا أمثّل غير استحالة اتفاقهم على شخص آخر”. لقد بدا شهاب إبّان الثورة، في تيار الوسط بين المتحاربي، يحتفظ برباطة  جأش، ليس له من خطة سوى منع المجزرة الطائفيّة واتساع رقعة القتال([8])، وبهذا المظهر بدت الشّهابيّة الوسطية تتألق بواضع أسسها، وعندما انطفأ إشعاعها سادت ظلمة الحروب من جديد بثورة ١٩٧٥ م الطائفيّ ، والتي ما نزال نعيش آثارها إلى الآن .

جـ – أسباب الصراع بين شمعون وشهاب: حاول شمعون خلال الأزمة ١٩٥٨م، احتواء الجيش وقائده فؤاد شهاب، عندما عيّنه وزيرًا للدفاع والدّاخلية في الحكومة الجديده. لكن شهاب ما لبث أن استقال من هذه الحكومة، لتأكيده ضرورة إبقاء الجيش وقائده خارج الصراع السّياسي .

ولم تكن هذه المحاولة من شمعون عَرَضِيَّة، وإنما لإدراكه أهمية دور الجيش في مثل هذه الأزمة ، ولزجّهِ فيها، لأنّه يعلم تمام العلم أن الجيش إبّان أزمة ١٩٥٢م  رفض النزول إلى الشارع ، وقمع الّتظاهرات التي أدّت بالرئيس بشارة الخوري إلى الاستقالة ([9]) .

قد يتبادر إلى ذهن القارئ، أنّه كيف يستطيع قائد الجيش رفض أوامر رئيس الجمهورية وهو تابع للسلطة السياسية  بشخص وزير الدفاع ؟ أَوَليسَ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة في الحروب حسب الدستور؟ فلماذا لم يتجاوز قائد الجيش ويعطي الأوامر بنفسه إليه ؟ وعند رفض قائد الجيش أوامر السلطة السياسيّة وعلى رأسها رئيس الجمهورية، لماذا لم يعمد إلى إقالته وتعيين قائد آخر مكانه !؟ والسؤال الأبرز هو: على ماذا اعتمد فؤاد شهاب قائد الجيش في رفضه أوامر السلطة السياسيّة ؟

لم يكن فؤاد شهاب بالإنسان السّاذج الذي لا يعرف مواطن قدمه، ويتخذ مواقف مبنيّة على أرض هشّة، بل سبق رفضه لطلب شمعون باستطلاع لرأي ضباط الجيش الذين يشكلون العصب الأساسي فيه ، فكانت النتائج أن أكثرية الضباط المسلمين كانوا ضد سياسة الأحلاف العسكريّة الغربية، ويوافقهم الرأي أكثر من ثلث الضباط المسيحيين، وهذه النسبة أيضًا كانت ضد التّجديد لرئاسة كميل شمعون، وضد زجّ الجيش في المعركة السياسيّة الناشبة بين رئيس الجمهورية والمعارضه. وبما أنّ هذه هي وجهة نظر الأكثرية، فلم يعد يشكل خطرًا رأي كبار الضباط المسيحيين الذين لا يرون مانعًا من دخول الأحلاف العسكرية ([10]).

و بما أنّ الدستور أعطى القيادة العليا للقوات المسلحة لرئيس الجمهوريّة في الحروب التي تكون دفاعًا عن أرض الوطن من أيّ اعتداء خارجي، ولم يذكر- أيّ الدستور- الأزمات الدّاخليّة واستعماله الجيش فيها كأداة للحفاظ على كرسيّ رئاسته. من هنا لم يستطع شمعون قيادة الجيش بنفسه خلال هذه الأزمة الدّاخليّة، إذ كان يعتقد بالمقابل القائد شهاب، أنّ الجيش هو للدّفاع عن حدود الوطن والسيادة والاستقلال والشّرعية الدستوريّة، مضيفًا على هذه المهام الدّفاع عن الوحدة الوطنية بالنسبة إلى لبنان. من هنا لم يضرب المعارضة مخافة انقسام السكان، ولم يسمح لها الاستيلاء على الحكم واحتلال المرافق العامة، واختراق حدود المناطق التي لا تؤيدها فيها سكانها([11]).

إزاء المواقف الصلبة لقائد الجيش شهاب بعدم انسياقه لشمعون بضرب المعارضة، حاول الأخير إقالته من منصبه عدة مرات، ولكنّه كان يتراجع عن ذلك بسبب نصائح أميركيّة أو عربيّة على الأرجح، كانت تؤكد له أن الجيش لن يبقى ساكتًا إذا أُقيل قائده في مثل هذه الظروف، واقتنع شمعون أخيرًا ببقائه في منصبه حيث تعهد له بالدّفاع عن الشّرعية ومؤسسات الدولة ([12]).

لقد أدرك شهاب كما أدرك غيره من المنصفين، أن ثورة ١٩٥٨م المسلحة لم تكن مهيأة مسبقًا، كما كانت تردد الأوساط الحكوميّة، بل جاءت بشكل انفجار شعبي حاول الحكم قمعه بإصدار مذكرات التوقيف، وتكليف الشرطة أو الدرك بالتعقيب أو القمع. وعَرفَ أن المسلمين اللبنانيين مجمِعون على رفض السياسة الخارجيّة للحكم، كما أنّ الموارنة وعلى رأسهم البطريرك الماروني”بولس المعوشي” يشاركون المعارضة رأيها و موقفها.

من هنا رأى شهاب أنّه: ليس من الحكمة ولا المنطق ولا من المصلحة الوطنيّة أن  يستمر الحكم في سياسته، ولا أن يتصدى لشبه الإجماع، بحجة استمرار الشّرعيّة وإكمال مدة الرئاسة، أو بأيّ حجة أخرى، كالدّفاع عن كيان لبنان واستقلاله ووجهه المسيحي الغربي، أمام الهجمة الإسلاميّة-العربيّة، اليسارية.

من هنا كان رفضه إدخال الجيش في المعركة وضرب الثوار، وقصف البلاد، حفاظًا على وحدة الجيش من جهة وعلى الوحدة الوطنية من جهة أخرى. فعمد إلى توزيع القوات المسلحة، بحيث تَحُول دون خروج الثوار خارج مناطق عصيانهم، والتّعرض لمؤسسات الدولة ومرافقها العامة، و تَحُول في الوقت نفسه دون تعرض قوى الأمن الداخلي لها. فكان الجيش قوات حفظ أمن للمؤسسات، وقوات فصل بين المتحاربين، ليحافظ على خط الوسطيّة الذي نهجه له شهاب، وليبقى رمز الوحدة الوطنية بنظر كل المواطنين.

والجدير ذكره أنّ شهاب خلال هذه الثورة حافظ على إبعاد العسكر عن الحكم، ولم يحذو حَذْوَ أكثر الدّول العربية التي راجت فيها الانقلابات كسلعة رابحة، فدافع عن الشّرعية  والدستور، كما رفض فكرة الانقلاب  العسكري، وترك رئيس الجمهورية يكمل مدة ولايته حتى آخر يوم منها ([13])، مع العلم أن كبار الضباط عرضوا عليه فكرة الانقلاب فرفضها وهو القادر عليها ( [14]).

لقد كان الخلاف بين شمعون وشهاب خلاف نهج لكل من الرجلين، ينطلق من الماضي مرورًا بالواقع إلى أن يصل إلى المستقبل. فشهاب أيقن أن لبنان ليس سفينة راسية على شاطئ المتوسط تستطيع الإقلاع وتغيير المكان بالسكان ساعة تشاء، كما أيقن أن ركاب السفينة لا يستطيعون العيش بخيام الصحراء، فمن تعوّد على رضاع حليب الحيتان وتغذى بأسماك البحار، لا يستطيع احتساء حليب النّوق وأكل لحومها؛ ولكنّه مبدأ الحِوار، مع الحفاظ على الخصوصيّة. وعلى عكسه كان شمعون.

د-إرهاصات ثورة ١٩٥٨م: لم تكن ثورة ١٩٥٨م، ثورة ارتجاليّة تجمعت أسبابها بين يوم وليلة، بل كانت نتيجة أسباب عديدة بدأت مع أزمة ١٩٥٢م، عندما استقال الرئيس بشارة الخوري، إثر الإضرابات وإقفال الأسواق التّجارية، فكان بحق” أبو الاستقلال” عندما حافظ على دماء شعبه باستقالته، ولم يرق قطرة دم واحدة منه. وقد حاول الرئيس بشارة الخوري إنقاذ الحالة من التدهور قبل أن يُقدِم على استقالته، فكلّف صائب سلام بتشكيل حكومة تخرج البلاد من الأزمة الغارقة فيها، لكن صائب سلام أدرك  الدّور الأساسي للجيش وقائده في مثل هذه الظروف، قبل أن يشرع بتشكيل الحكومة،” اتصل صائب سلام بالجنرال فؤاد شهاب قائد الجيش تلفونيًّا، وتبادلا الرأي في الحالة الراهنة، وبعد قليل وصل شهاب إلى مكتب رئيس الوزارة، وأقفلت الأبواب عليهما طوال ساعة كاملة” ،وبعدها أعفى الرئيس الخوري صائب سلام من تشكيل الوزارة ([15]). ثم كلّف الحاج حسين العويني بالحكومة،الذي استدعى بدوره قائد الجيش فؤاد شهاب قبل قَبوله التكليف، وسأله هل يستطيع فكّ الإضراب إذا شكّل الحكومة؟ لكن القائد استمهله بالجواب حتى يتدارس الأمر مع أركان حربه، وكان بعدها الجواب :”إن قادة الجيش،[وهو] يأبى أن يريق دمًا لبنانيًّا لفكّ الإضراب”. بعدها استقال الشيخ بشارة الخوري، وكلّف القائد شهاب بالحكومة الانتقاليّة ([16]).

ويقول كمال جنبلاط ([17]) عن أزمة ١٩٥٢م: فوجئنا باستقالة بشارة الخوري، وكنا ندرك ونعلم ارتباطات شمعون الخفيّة بدوائر الاستخبارات البريطانيّة السّريّة، حاولنا عبثًا أن ندفع باللواء شهاب إلى ترشيح نفسه، لأنّ البلاد كانت تمرّ في مرحلة عصيبة تتقلب على جمر الحيرة، ولكي يتمّ ما كنا عليه أمناء، قمنا بحملة ضغط وإقناع وتشويق على اللواء الزّاهد، بالتعاون مع فريق كبير من الوطنيين اللبنانيين ومن ضمنهم الشيخ بشارة ذاته، لأجل إقناع قائد الجيش بترشيح نفسه، لإنقاذ البلاد من الورطة التي فيها، ولقطع الطريق على شمعون لأنّ لا أحد يعلم ما سيحدث على عهده. و لمّا يئسنا من إقناع اللواء شهاب، الذي كان يبدو كأنّه أمام كأس غابة الزيتون المرير، وكان ينعم آنذاك بتأييد اللبنانيين كافة. عندها أخذنا من شمعون المواثيق الخطيّة كجبهة، وكحزب، حيال سياسته العربيّة والوطنية المقبلة، وحول نهج الإصلاح ومبادئه، الذي أقسم بشرف معتقده بأنّه سيسعى لتحقيقها. ثم انتقلنا إلى غرفة قيادة اللواء شهاب، لكي يتعهد مجددًا أمام اللواء بما قام به إزاءنا خطيًّا و معنويًّا ، وكي يكون قائد الجيش ضامنًا وكفيلًا لهذه التعهدات.

ما تقدم ذكره، وهو أنّ كل رجل دُعي لحل الأزمة وتشكيل الحكومة، سعى أولًا لأخذ رأي اللواء شهاب! هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنّ اللواء شهاب كان رقمًا صعبَ التجاوز في المعادلة السياسية اللبنانية، يرتكز على أنه أبو الجيش، وسليل أسرة عريقة في تاريخ لبنان، وأن ضباط الجيش وأركانه من الموالين لسياسته، الطامحين من ورائها للحكم والحكومة!؟

لقد بدأت النظرة للّواء شهاب تتسع رقعة الى أبعد من حدود لبنان، حين قدّر عبد الناصر موقعه النّافذ في الدولة اللبنانية الناشئة، فلحَظَه بلفتة كريمة خاصة،” عقب شرائه صفقة الأسلحة التّشكيليّة…. حين طلب من السّفير اللبناني في القاهرة أن يذهب إلى بيروت، و يبلغ الرئيس شمعون بها-أيّ بالأسلحة- ليؤيده بخطوته….وأن يذهب إلى اللواء فؤاد شهاب قائد الجيش، ويدعوه باسمه لزيارة القاهرة حتى يرى بعينه الأسلحة والعتاد…. وليختار منها ما يشاء لتسليح جيشه….من دون ثمن (هبة) “([18]) .

من موقعه المتميز بدأ الخلاف مع شمعون، إلى جانب خلافات جانبيّة أخرى، كالتي حصلت سنة ١٩٥٤-١٩٥٥م، عندما رفض شهاب زجّ الجيش لمؤازرة الدّرك في  ملاحقة أبناء عشائر الهرمل، لأنّه يعرف الأسباب الحقيقيّة التي كانت وراء جعلهم مطلوبين للعدالة، وبرأيه كانت أسباب بسيطة وحتى أنّها تافهة: كقطع الأشجار أو المياه …ثم ما لبث الأمر أن تحوّل الى مجابهة مع الدّرك أثناء تنفيذهم مذكّرات الجلب، فأصدر بحقهم الأحكام الغيابيّة كالإعدام وغيره*. وكان شهاب يرى: إنّه لو أزيلت الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة لهؤلاء، لأصبحوا يشعرون أكثر بمواطنتهم، ولكان ذلك أفضل من ملاحقتهم،، وجعلهم خارجين على القانون.

وهذا الخلاف في النظره للأمور بدأ يتسع شقة، إلى أن توصل في النهاية الى ثورة ١٩٥٨م، وبعدها ١٩٧٥م([19]).

  • المحور الثاني : ويحوي على أسباب اندلاع الثورة، وسير القتال، ودور الجيش فيها، حتى الوصول إلى حلّ مرضٍ للجميع.

 

  • أسباب اندلاع الثورة (١٩٥٨م): كان انتخاب كميل شمعون في ٢٢ أيلول سنة ١٩٥٢ م رئيسًا للجمهورية بشبه إجماع عليه، هذا الإجماع الإسلامي -المسيحي لانتخابه، كان في الظاهر تعبيرًا جديدًا عن الميثاق الوطني، وفي الواقع تعبير عن الاستياء العامر، من جرّاء الفساد الاإداري والحزبي، واختلال التّوازن الطائفي على مستوى قمة الحكم. ” إلّا أّن هذا الإجماع قد بدأ يتلاشى تدريجيًّا، وأدى عند اقتراب ولاية كميل شمعون من نهايتها، إلى ثورة مسلحة ذات طابع طائفي([20])” أسبابها : اقتصادية -اجتماعية، وسياسية :خارجية وداخلية .

1 –  الأسباب الاقتصاديّة -الاجتماعيّة : ابتداء من سنة ١٩٥٢م ، بدأ يستفيد لبنان من التحولات الاقتصاديّة والسياسية العميقة، التي أصابت مصر أولًا، ثم سوريا والعراق …. والتي أدّت إلى تشجيع عمليّة تهريب رؤوس الأموال لرجال الأعمال من الطبقات الميسورة، وكان لبنان من الدول العربية النّادرة التي استفادت من هذه التحولات، وقد حلّ محل فلسطين بعد ١٩٤٨م ، بالنسبة إلى التجارة والخدمات، والترانزيت والنشاط المصرفي. كما أنّه استفاد  مباشرة من قيام ثورة ١٩٥٢ م في مصر . فأدى دورًا كبيرًا بين الغرب والرّأسمالية العربية النامية. كما استفاد أيضًا من تطور الثورة النفطيّة العربية وزيادة مداخيلها ([21]). وقد قال عن ذلك ” روجيه أوين “([22]): “…. في المدّة بين ١٩٥٠ و ١٩٧٥ زاد النشاط التّجاري اللبناني بنسبة ٥٦ بالمئة ، بسبب ما حصل في البلاد العربيّة من تأميمات، بعد قيام “اسرائيل ” …. إلّا أنّ نمو الثورة التّجارية والمصرفيّة، لم يقترن بحسن التوزيع بين الطبقات والمناطق والطوائف. كان ثلث الدّخل الوطني يأتي من قطاع التّجارة الذي لم يكن يستخدم سوى ١٢% من القوى العاملة، وكان الفلاحون في معظمهم من المسلمين، ويعيشون في مناطق محرومة من الماء والكهرباء والمدارس”.

لقد أدّت الفروقات الاقتصاديّة-الاجتماعيّة، إلى تجابه بين الطوائف، التي سعت بعضها إلى المحافظة على سيطرتها كطبقه ممتازة على الآخرين.

فالنمو الذي تحقق في البلاد في هذه المدّة، لم ينجح في توجيه البلاد نحو الإنماء والتطور، فالتفاوت الاجتماعي-الطائفي، وقف حجر عثرة في تحول هذا الازدهار إلى عملية تقدم متواصلة، ولم يصل في النتيجة إلى توحيد المجتمع اللبناني، وتحديثه([23]).

من هنا أدرك فؤاد شهاب(القائد) أنّ  وراء الانتفاضة الشّعبيّة الإسلاميّة أسبابًا اجتماعيّة، واقتصادية، أهمها: شعور الغبن عند المسلمين، وأبناء المناطق النائيّة بنوع خاص، وافتقار البلاد إلى الحدّ الأدنى من الطرق، والكهرباء، والماء، والضمانات الصحيّة والاجتماعيّة([24]).

2-   الأسباب السياسية : لم تكن الأسباب الاقتصادية-الاجتماعية وحدها التي أدّت إلى ثورة ١٩٥٨م، بل تضافرت معها أسباب سياسيّة: خارجية وداخلية، تكتّلت في ما بينهما لتؤدي إلى انفجار شعبي، يعبّر عن سخطه على الممارسة السياسيّة للحكم والحكومة في تلك الحقبة، وتُجْمل تلك الأسباب بما يلي:

أ- السياسة الخارجيّة: اتبع الرئيس شمعون في السنتين الأوليتين من حكمه سياسة خارجيّة معتدلة، وقد  انفتح على العالم العربي، ومنذ العام ١٩٥٤م، أخذت السياسة الخارجية للبنان تواجه تحديات عديدة، على الصعيدين الدّولي والإقليمي. وذلك نتيجة للتوجه الغربي نحو إنشاء أحلاف عسكريّة موالية له، وكان أبرز هذه الأحلاف ما عُرف ب “حلف بغداد”، الذي رفضته معظم الدول العربية . عندئذ بدأ الغربيون يخططون لإحداث تغيرات في حكومات المنطقة، شملت سوريا ومصر ولبنان والأردن، كانت الغاية منها جذب الدول العربيّة للدخول في “حلف بغداد”([25]) .

وقد تجمعت أسباب عديدة جعلت السياسة الخارجيّة للبنان في أزمة حقيقية، في ما بينه وبين الدّول المحيطة والقريبة منه، انعكس أثرها على الوضع الداخلي. ويمكن إيجازها على الشكل الآتي:

١  –  كان لبنان يُعدُّ من الدول التي أبدت رغبة في الدّخول في حلف بغداد ، الذي عدَّه عبد الناصر عودة للاستعمار من جديد. فكانت نتيجة هذه السياسة بداية الانقسام داخليًا في الآراء بالنسبة إلى السياسة الخارجيّة .

٢ –  في ٨ نيسان ١٩٥٥م ، افتتح المؤتمر الآسيوي – الأفريقي  في ” بندونغ”، وطرح صيغة جديدة للتعامل بين العالمين: الشّرقي الشّيوعي، والغربي الرأسمالي، وهي الحياد وعدم الانحياز. فاختار الرئيس شمعون الانحياز إلى الغرب([26]) .

٣ – بعد مؤتمر “بندونغ “، وصفقة الأسلحة التّشيكيّة – المصرية، جاء دور تأميم قناة السويس، الذي على أثره قامت بريطانيا وفرنسا، بالاشتراك مع إسرائيل بشن هجوم على مصر في تشرين ١٩٥٦م، بحجة حماية الملاحة في القناة. عقب هذه الحرب وبسببها، انعقد مؤتمر قمة عربية في بيروت، وطُرح فيه موضوع قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع الدول المعتديّة على مصر. ومع أنّ لبنان الدولة المضيفة للمؤتمر ، إلّا أنّها رفضت قطع العلاقات الدّبلوماسّية مع فرنسا وبريطانيا بشخص رئيس جمهوريتها. ما كان له أكبر الأثر وأسوأه في نفوس الغالبيّة العظمى من المواطنين فيها.

واشتد الوضع تأزمًا باستقالة رئيس الحكومة عبد الله اليافي، واثنين من أعضاء حكومته، إذ كان يمثل الثلاثة المستقلين الطائفة السنيّة في الحكم. فتحوّل الصراع في الخفاء إلى المكشوف، بين المسلمين اللبنانيين المدعومين من مصر، والرّئيس شمعون ومن معه المدعومين من الغرب ([27]).

٤- شهدت المنطقه العربيه العام ١٩٥٧م، سلسلة من الانقلابات العسكريّة في سوريا والأردن (؟)….فسارع الأمريكي “أيرنهاور” إلى إعلان مشروع يقضي بتولي الولايات المتحده تنسيق وسائل الدّفاع الغربية في الشّرق الأوسط، فسارعت الحكومة اللبنانيّة إلى إعلان تبني مشروع “أيزونهاور”، وبذلك تكون قد اختارت طريق المجابهة. وسبّب إسراع الحكومة بشخص الرئيس شمعون بتبني هذا المشروع، وأنّه كان يرى في الأعمال المحرجة التي كان يقوم بها مؤيدو السياسة المصرية في لبنان خطرًا على الاستقلال، فعمد الى الحصول على ضمان الدول الغربيّة -خصوصًا الولايات المتحدة -لهذا الاستقلال([28]).

وقف الزعماء السياسيون المسلمون في لبنان بقوة في وجه سياسة شمعون، وأُعلن قيام جبهة اتحاد وطني تضم سياسين مسلمين ومسيحيين، وكانت هذه الجبهة مؤيده من الجماهير الإسلاميّة، أمّا المسيحيون بوجه عام فكانوا موالين للدّولة، ويتّهمون المعارضة أنّها تحاول هدم الدولة.

٥- بعد اعلان الوحدة المصريّة -السورية في شباط ١٩٥٧م، وقيام الجمورية العربيّة المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر. تأثرت الجماهير الإسلاميّة بهذا الحدث، فازداد الانقسام الإسلامي -المسيحي في لبنان هوّة. وتوّج هذا الانقسام بنزول قوات المارينز الأمريكيّة في بيروت بناء لطلب الرئيس شمعون بغية دعم الحكومة اللبنانيّة في وجه الجمهوريه العربيّه المتحدة، التي تساعد الثّوار وتتدخل في شؤون البلاد- حسب رأي الرئيس شمعون-([29])، الذي كان قد عرض على شهاب تشكيل الحكومة وهو ماروني مع وعد بعدم تعديل الدّستور لترشيحه،-أيّ شمعون-، فرفض، لأنّ شهاب الذي لم يساعد شمعون بالقضاء على المعارضة لن يقبل به، فتطلع شمعون الى دول الغرب متوخيًّا منها مساعدة عسكريّة ([30]).

بعد إبراز الأسباب السياسية الخارجيّة المهمّة،لا بدّ من التعقيب عليها بأسباب ثانوية، ولكنها مفصلية في أزمة ١٩٥٨م ، ومنها أنّه بعد مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، كشف الستار للملأ عن الخدعة التي أوقعهم فيها شمعون، وقد انقسم العرب إثر قرارات المؤتمر، وتوصل الانقسام إلى الشّارع في لبنان، خاصة في مدينة بيروت، وقد ظهر ذلك جليًّا بين المسلمين والمسيحيين، وشعر الجميع بخطورة الموقف. فقد توصل كميل شمعون إلى شيء كثير مما يبغيه، بتحويل القضية إلى نزاع طائفي يحتمي وراءه، وبعد مداولة مع بعض إخواننا- القول لجنبلاط- ومع اللواء قائد الجيش اللبناني آنذاك، اتخذ قرارًا بضرورة دعوة بعض الوجهاء من المسلمين والمسيحيين، إلى اجتماع يُعقد في بكركي على مائدة البطريرك الماروني، للتظاهر على الأقل أمام الجمهور(عامة الناس)، أنّ الخلافات السياسية لم تتحول إلى منازعات شخصية أو طائفيّة([31]). هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ سياسة التّجديد لشمعون دفعت بالمحور السوري-المصري، لشنّ حملة إعلاميّة عنيفة ضد سياسة  شمعون العربيّة والدّوليّة. وكان صوت العرب المعبّر عن هذه المناهضة، وقد آزرته الصحافة المصرية، بنشر سلسلة من الاتهامات الموثّقة بشأن تبادل الرسائل بين “شارل مالك ” وزير خارجيّة لبنان، و”أبا ايبان ” مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، وذلك للنيل من سياسة العهد الشّمعوني على الصعيدين العربي والدّولي([32]).  بينما كان رأي شهاب بالسياسة الخارجيّة للبنان مغايرًا لرأي شمعون، إذ كان يرى: أن صيانة  الاستقلال اللبناني تقضي باتباع سياسة ودّية وصادقة مع محيطه العربي، والتّضامن معه إذا أجمع هذا المحيط على موقف قومي واحد، والتزام الحياد بين دوله في حال اختلاف أو تباين مواقفها القوميّة أو الدولية، ومع ذلك لم يلغِ شهاب انفتاح لبنان على الغرب والعالم ،  ما كان انفتاحه يعني معاداة الاتحاد السوفياتي، والدخول في أحلاف عسكرية موجهة ضده.

إن شعار” لا شرق ولا غرب” الذي رفعه شهاب، فيه حياد أقرب إلى الانفتاح الاقتصادي والثقافي على الغرب و فرنسا، والابتعاد عن معاداة الاحاد السوفياتي ([33]).

بعد بروز الناصري،” لم يعد في لبنان ممن يؤيدون الأحلاف سوى فئات قليلة من أصدقاء الأجانب المباشرين، وعناصر الحزب القومي السوري، والكتائب اللبنانية، وبعض التجمعات الانعزاليّة، التي أخذ قلقها يتزايد لنمو قوة عبد الناصر السياسيّة…وكانت هذه العناصر وهذه التّجمعات ما تزال لا تؤمن، بقيام دولة مستقلة لبنانيّة إذا لم تتكئ هذه  الدولة وتستند إلى دولة أجنبية كبرى، أي إلى حماية خارجية، أو انتداب ([34]).

ومن المآخذ السياسية في بداية حكم شهاب( الرئيس)، أنّه في كلّ مرة كان يقع خلاف بين الوزراء، أو بين مختلف الفئات اللبنانيّة، وكان يستدعي لحلها السّفير المصري في لبنان اللواء عبد الحميد غالب الذي طالت إقامته فيه ستة عشر عامًا، وهي مدة لم يسجلها تاريخ الدبلوماسيّة لأيّ سفير في الشرق. حتى أطلق عليه اللبنانيون بين ساخرين وغاضبين، لقب: المفوض السّامي ([35]).

   ب –  السياسة الداخليّة: جرت إنتخابات ١٩٥٧م في جوٍّ من التّحدي. إذ خاضت المعارضة الانتخابات” تحت شعار رفض التّجديد لولاية شمعون، وما كان يعنيه ذلك من تحوّل في سياسة لبنان الخارجيّة، في ما كان العهد الشمعوني يخوضها تحت شعار الحفاظ على استقلال لبنان وسيادته، من خلال السياسة الدّاخليّة والخارجيّة التي اتبعها الرئيس شمعون”([36]). وعلى أثر هذه الانتخابات، والتي فاز بها الموالون للسلطة، والتي أشرفت عليها حكومة سامي الصلح، والتي دعت المعارضة لحلّها قبل الانتخابات، لتشرف عليها حكومة حياديّة. دعت جبهة الاتحاد الوطني إلى الإضراب، والقيام بمظاهرات سلمية،” وبدلًا من أن يبادر الرئيس شمعون إلى تلبية هذا المطلب، أو التّوصل إلى حلّ وسط بشأنه، عمدت حكومة الصلح إلى إصدار قرار بمنع التظاهرات، وتكليف الشّرطة، والجيش بقمعها”. إلّا أّن قوى الأمن تدخلت لمقع المظاهرة وأطلقت النار وارتكبت مجزرة. وخرجت المعارضة من هذه الجولة قوية. واستمر الإضراب” إلى أنّ توسّط بالأمر قائد الجيش فؤاد شهاب، وقدّم صيغة حلّ قبِل فيها الفريقان، وقضت بإضافة وزيرين، هما: يوسف حتّى، ومحمد بيهم، وليشكلا مع كّل من الوزيرين مجيد إرسلان، ومحمد صبرا لجنةً للبتّ بالشكاوى المتعلقة بالانتخابات النيابيّة ” ([37]) .

أمّا كمال جنبلاط([38]) فيقول عن سبب معارضته لشمعون: تنّكر شمعون لتعهداته التي قطعها قبل انتخابه لرئاسة الجمهوريّة، “وظهر أنّ الرجل يهدف إلى التسلط الأوتوقراطي الشّخصي، وإلى تنفيذ المشاريع الأجنبيّة التي بدأت طلائعها تظهر في الأفق القريب لسياسة الشرق الأوسط. ثم عمد شمعون إلى حلّ المجلس النيابي، وتأليف حكومة لإجراء الانتخابات يرأسها الصديق صائب سلام. وكان قد سبق له أن عدّل في السنة الأولى من ولايته القانون الانتخابي…. وأنقص عدد أعضاء المجلس النيابي من ٧٧ إلى ٤٤ عضوًا، ليتمكن من إضعاف الأداة التّمثيليّة الشّعبيّة… إلى أن كان له التّحكم بمصير الانتخابات النيابيّة”. ” وكان شمعون في تنفيذ سياسته الماكرة الداخليّة الرامية إلى إبقاء عناصر السنة المسلمين منقسمين على أنفسهم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، يبدل حكوماته على التّوالي؛ في محاولة إرضائهم لا أكثر، ومنعهم من التّكتل بعضهم مع بعض. فتارة يلعب بورقة سامي الصلح ثم يقذفه، ويأتي برشيد كرامي، ثم يتحول إلى عبد الله اليافي، وصائب سلام، وهكذا على التوالي في حركة  تشبه تمامًا لعبة الروليت”.([39])

أمّا السبب المباشر في انفجار الأزمة، فكان اغتيال الصحافي الماروني” نسيب المتني”، الذي دأب على نشر العديد من المقالات في “التلغراف” المناهضة لسياسة شمعون، والمؤيدة للعلاقة الجيدة والودية مع الجمهورية العربية  المتحدة، وجاء اغتياله بعد عدة تهديدات واعتداءات من مجهولين لم تُثنهِ عن مواقفه، إلى أن اغتيل في صباح الثامن من أيار ١٩٥٨م، فكان اغتياله “الشرارة الأولى” التي أشعلت نيران الانتفاضة خلال ربيع وصيف ١٩٥٨م، ضد عهد شمعون وسياسته، وبهذا شهد لبنان سلسلة حوادث دموية لم تنتهِ إلا بعد انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية، وتسلّمه مقاليد الحكم”([40]).

ومن الجدير ذكره، أنّه بعد اغتيال المتني، وانفجار الثورة، استعان شمعون بالدّرك اللبناني حين نزعت يده من مساعدة الجيش.” لأنّ الجنرال  شهاب قائد الجيش لايستطيع، أو لا يريد قمعها-أي الثورة- بالقوة مخافة أن يقتل لبنانيون برصاص لبنانيين([41]).

بالإستناد إلى الآراء المتعددة، للمؤرخين والسياسيين، فمن عاصروا أو شاركوا وكتبوا عن أزمة ١٩٥٨م، يمكن تلخيص الأسباب الدّاخليّة التي أدت إلى انفجارها، كالآتي:

  • عندما تسلم شمعون مهامّه الرئاسيّة، انقطع بشكل مفاجئ التحالف بينه وبين كمال جنبلاط أحد أركان الجبهة الاشتراكيّة التي عملت على إقالة الخوري، والإتيان به، سبب ذلك مطالبته بإجراء إصلاح جذري في الإدارة…. إلّا أنّ رئيس الجمهورية تجاهل مطالب جنبلاط، وعمد إلى إحاطة نفسه في رئاسة الجمهورية بمن كانوا بالأمس من مؤيدي بشارة الخوري، ما استدعى عودة جنبلاط إلى صفوف المعارضة للحكم.
  • سعى شمعون إلى توطيد مكانته الشخصية، وتحطيم نفوذ خصومه السياسيين عن طريق  تخفيض عدد النواب من ٧٧ إلى ٤٤ عضوًا. وهدف باعتماد الدائرة المصغرة والفرديّة، إلى الحدّ من تسلط زعماء المناطق. وقد سعى كذلك للتفرد بالحكم عن طريق تعزيز دور السلطة التنفيذيّة على حساب دور المجلس التشريعي([42]).
  • نتيجة لتفرد الرئيس بالحكم، بدأت في عهده المطالبة الإسلاميّة بتمديد صلاحيات رئيس الجمهورية، وتحقيق المشاركة الفعليّة في الحكم، فعمد شمعون إلى تغيير الحكومات باستمرار، وقد عرف عهده اثنتي عشرة وزارة، بهدف إبقاء عناصر السنة المسلمين منقسمين على أنفسهم، و ليجعل إمكانية تكتلهم مع بعضهم البعض صعبة المنال.
  • من أكبر المآخذ على الحكم في عهد شمعون، بروز الازدواجيّة، وقد كان رؤساء الوزارة تحت ضغط التيار الشّعبي العروبي يضطرون إلى اتخاذ مواقف مستقلة نوعًا ما،عن رئيس الجمهوريّة. مقابل ذلك رُفعت في الجانب المسيحي شعارات القومية اللبنانيّة( [43]).

وكان من نتائج ذلك العام ١٩٥٧م، أن قسمت الأوساط السياسيّة إلى فريقين طائفيين؛ أحدهما، ذو أكثرية شعبيّة  مسيحية مُتجه بأنظاره إلى الغرب. والثاني، ذو أكثرية مسلمة تؤيد جمال عبد الناصر. وظل هذا الانقسام يتصاعد ويتسع شقه، حتى أوصل البلاد إلى ثورة ١٩٥٨م.

  • ثم جاءت انتخابات ١٩٥٧م، لتضفي على المواجهة الداخليّة طابع العنف، حين أصدر الرئيس شمعون في ٢٨/٤/١٩٥٧م، قانون تعديل الانتخابات النيابيّة، فرفع أعضاء المجلس إلى ٦٦ عضوًا بدلًا من ٤٤، وقلّص عدد الدوائر الانتخابيّة من ٣٣دائرة إلى ٢٧ دائرة. بحيث يؤمن الرئيس نجاح الأكثرية النيابيّة المؤيدة له، وبالوقت ذاته يمنع المعارضة من الوصول إلى المجلس….وهكذا تمكن شمعون، وكما كان مدبّرًا، أن يتخلص من خصومه، ليعمل على تجديد رئاسته. ([44])

وظلّت الأزمة تتفاعل وتشتد، حتى مطلع العام ١٩٥٨م، عندما أعلن في ٢٢ شباط انضمام سوريا إلى مصر، وإعلان الجمهورية العربيّة المتحدة برئاسة عبد الناصر. فازداد الانقسام الإسلامي-المسيحي في لبنان.

  • بدأت ثورة ١٩٥٨م، كما يرى”إدمون رباط”، كردّة فعل على الحملة التي قادها اتباع شمعون، وكلهم من المسيحيين، من أجل تجديد ولايته، التي كانت ستنتهي في أيلول ١٩٥٨م، بالطريقة نفسها التي جُدِّدت بها ولاية بشارة الخوري.
  • تُوّجت الأسباب باغتيال”نسيب المتني” الصحافي المعارض، في ٨ أيار أمام منزله في بيروت، فكان ذلك عود الكبريت الذي فجّر الأوضاع المتوترة التي كانت تسود البلاد العام ١٩٥٨م، وأشعلت العنف فيها. تداعى المعارضون إلى عقد اجتماع تاريخي في منزل الرّئيس صائب سلام في المصيطبة، حضره كمال جنبلاط وصبري حمادة، ورؤساء الوزارء المسلمين، والزعماء المسيحيون المعارضون؛ تقرر فيه الإضراب الشامل، ولم يمضِ يومان حتى تحوّل الإضراب إلى ثورة مسلّحة، شملت طرابلس، وصيدا، والشّوف، والأحياء الإسلاميّة في بيروت. ([45])

ب  –  اندلاع الثورة و دور الجيش فيها،حتى وصول”المارينز”:

تطورت الأمور عقب المظاهرات والإضرابات، تطورًا خطيرًا… ونزلت آليات الجيش إلى الشّوارع، ولولاها لكانت تغلبت قوى الشّعب على الدّرك والشّرطة، فتظاهر شمعون بالثعلبة إذ وعد بإخلاء الموقوفين، واتخاذ بعض التّدابير الإيجابيّة الثانوية، وضمن اللواء شهاب تنفيذ هذه الوعود، مقابل إعلان فكّ الإضراب. وكان أعضاء جبهة الاتحاد يتلمّسون حلًّا ملائمًا، لعدم توفر تخطيط لديهم، وإعداد الخطوات الحاسمة للثورة، على أن شمعون ما لبث أن تنكّر لوعوده، وعاد يساوم ويماطل كعادته. ([46])

في هذا الخضمّ، بدا قائد الجيش فؤاد شهاب، حريصًا على موقعه الوسطي بين فرقاء النّزاع اللبناني، من خلال سياسة الفصل بين قوات المعارضة وقوات الحكومة، ثم بين الأولى والقوات الأميركيّة، حفاظًا على وحدة الجيش اللبناني أولًا، وعلى سلامة الأفرقاء ثانيًا، كما حافظ على علاقته الوطنية بالحكومة الأميركيّة، من خلال تعاونه مع قيادة مشاة البحرية الأميركية”المارينز”. ([47])

“لم يصادف الجيش في تنفيذه للخطة التي رسمها له قائده فؤاد شهاب – الحفاظ على المؤسسات والفصل بين المقاتلين- كثيرًا من الصعوبات.فلقد كان ضباط الجيش في أكثريتهم الساحقة مؤيدين لهذه السياسة….كما أن تفهّم المواطنين لموقف الجيش، ساعد كثيرًا على نجاح هذا الدور. فالتعاون بين الزعماء الثائرين…وبين قيادة الجيش العليا و قادة المناطق كان وثيقاً وإيجابيًّا”([48]).

ولنستعرض سير الثورة، بالمظاهرات، ثم العنف التي أدت إليه في كل المناطق، لنعرف متى كان يتدخل الجيش؟ و لمصلحة من ؟ وهل خرج عن الإطار المرسوم له من قبل قائده؟

في صور، قصد المتظاهرون السرايا الحكومية لإخراج الموقوفين في إحتفال”عيتيت”، و عندما عجزت قوات الأمن الداخلي عن السيطرة على الموقف، استنجدت بالجيش لتدعيم موقفها ([49]).

انطلقت التظاهرات من الجامع المنصوري الكبير في طرابلس، إثر مقتل “المتني”: وقد عجزت قوى الأمن عن ضبط الوضع، فتدخلت قوى الجيش و سيطرت على الموقف، و فرضت حظرًا للتجول أثناء الليل في المدينة ([50]).

و بعدما ضرب الجيش حصارًا تموينيًّا مع القوى الحكومية في طرابلس، شنّ المقاومون في المنية وغيرها، هجمات على “القليعات” و”حلبا” و”العبدة” بغية فكّ الحصار عن طرابلس. إلّا أنّ هذا الحصار فُكّ بعد التفاهم الذي تمّ مع قيادة الجيش. ([51])

في الهرمل،حيث يوجد القطب المعارض صبري حمادة الذي احتل قرية”النبي عثمان” التي انسحب منها القوميون السوريون، ولم يبقَ إلا ثكنة الشيخ عبد الله في بعلبك، والتي حاول المقاومون احتلالها، إلى ان جرى تفاهم بشأنها بين قادة المعارضة وقائد الجيش.

في صيدا، كثيرًا ما تدخلت قوات الجيش لوقف الاشتباكات المتفرقة التي جرت بين المقاومة الشّعبية والقوات الموالية لشمعون، ومردّ ذلك أنّ قوى الجيش في الجنوب كانت بإمرة العقيد فؤاد لحود المعروف بولائه الشخصي للرئيس شمعون، والذي ساعد القوات الحكوميّة في أكثر من موقع، حيث كان يُدخل الجيش لصالحها([52]).لا حسب توجيهات قائده فؤاد شهاب،  للفصل بين المتقاتلين والحفاظ على المؤسسات العامة.

في بيروت، جرى اشتباك في الرابع عشر والخامس عشر من حزيران، بين المقاومة التابعة لحزب النجّادة في محلة المزرعة ، وقوات الجيش اللبناني المرابطة على خط الحرش، والمفارق المطلّة على شارع محمد الحوت، سقط خلاله بعض القتلى  والجرحى. كما جرت محاولة لاحتلال منطقة”القنطاري”، حيث كان يقع القصر الجمهوري، و يسكن الرئيس شمعون، إلّا أنّ قوى الجيش تصدت للمقاومة وأجبرتها على التراجع ([53]).

أمّا في الجبل، فانفجرت الثورة عندما حاولت قوات الدّرك اعتقال كمال حنبلاط في منزل د.بشارة الدهان في صوفر، وتزامنت هذه المحاولة مع محاولة دخول قوات الأمن دار المختارة وقد جُوبهت بالقوة، و بدأ الهياج يعم القرى المجاورة التي أخذت تستعد للمعركة، إلى أن تدخّل اللواء شهاب شخصيًّا لمنع المجزرة المرتقبة([54]).

وإثر معركة” جبل الكنيسة” التي كادت أن تتحول إلى ثورة بفضل اشتراك بعض سكان القرى المحيطة، بملاحقة قوى الأمن من الوراء لفكّ الحصار المضروب على الجبل، اضطرت قوة من الجيش إلى التّدخل، وضربت بمدفعية مصفحاتها بعض الهضبات المحيطة بقرية “مجدل البعنا” لمنع تفاقم الحالة. ([55])

وبعدما عُدّت”عين زحلتا” منطقة مفتوحة، تقدم الثوار في الشّوف باتجاه طريق الشام، إلّا أنّ الجيش تمركز عليها، ولعدم الاحتكاك به، حصل لقاء بين كمال جنبلاط واللواء فؤاد شهاب في بلدة “سبلين في إقليم التفاح”، قضى أن لا يظهر المسلحون نهارًا على الطريق، مقابل فكّ الحصار عن المدنيين، والمواد الغذائية لدير القمر وبيت الدين ([56]).

وعندما توجّه الثوار من الجبل باتجاه بيروت بقصد الاتصال بالمقاومة فيها، والسيطرة على خط الشّام والمطار. تصدّى لهم الجيش اللبناني. لأنّ نجاحهم كان يعني انتصارًا حاسمًا للمعارضة! و بعدما تدخل الجيش بمدافعه الثقيلة وسلاح طيرانه لإيقاف الهجوم، وكسر شوكة المقاومين، اتخذ بعد ذلك موقعًا يفصل بين مواقع المقاومة في مرتفعات “عين كسور”، وموقع القوات الحكوميّة في مرتفعات “عيناب”. وتمسكت بعدها المقاومة بالهدنة القائمة مع الجيش. ([57])

و على الرّغم من أن بيانات الثورة ونشراتها وخاصة في الشوف، كانت تؤكد أن هدفها دفع الرئيس شمعون للاستقالة من منصبه، وتغيير سياسة لبنان الخارجيّة المنحازة إلى قوى الاستعمار الغربي، وليس هدفها التنازل عن سيادة لبنان واستقلاله لأيّ جهة أجنبيّة([58]). إلّا أنّ أخطر ما تعرضت له الثّورة، جنوحها من عصيان مسلح، إلى ثورة مسلحة بكل معنى الكلمة، وذلك عندما توفرت لها الأسلحة بشكل بارز، إذ حاول بعض الزعماء والأحزاب تجاوز الخطوط الحمراء التي قد كان قد اتُفِق عليها بين الثوار والجيش والحكومة. ما اضطر قائد الجيش إلى إصدار أوامر التّصدي لهذه المحاولات بالقوة، كالهجوم على القصر الجمهوري، والاستيلاء على المطار، واحتلال مرافق الدولة  ومؤسساتها. والتي لو قدر لها النجاح، ولم يقمعها الجيش، لتحولت الثورة إلى شيء آخر كما حصل العام ١٩٧٥م([59]).

إبان سير الأحداث في مختلف المناطق اللبنانية، يظهر لنا بوضوح أن الجيش لم يتدخل في القتال بين الأفرقاء، إلّا عندما يرى ضرورة لذلك، كحفظ المؤسسات، وإبقاء هيبة الدولة قائمة، وعدم تجاوز مناطق العصيان إلى إحتلال مناطق لا تؤيد الثائرين…الخ.

  • لقد تقدّم ذكر موقف الجيش من المتحاربين على الصعيد الدّاخلي . فما هو موقف الجيش من قوات “المارينز” عندما نزلت على الشواطئ اللبنانيّة؟

قبيل نزول قوات “المارينز” الأميركيّة، قابل السفير الأميركي في بيروت فؤاد شهاب ليضمن حياد الجيش تجاهها، وقد فوجئ الأخير بطلب السّفير، لأنّ شمعون أخفى عليه طلب مثل هذه القوات ، وكان شهاب يُعدُّ أنّ الأمر الوحيد الذي يضمن إنقاذ لبنان، جيشه الموحد، وأنّ نزول القوات الأميركيّة على الشواطئ اللبنانية، ستجعل لبنان إمّا “إسرائيل مسيحية”  أو تغرقه في “بحر الإسلام” .

وعندما بدأت القوات الأميركيّة بالتقدّم نحو المطار لاحتلاله، ظهر الخلاف جليًّا بين قائد الجيش ورئيس الجمهورية،  لعدِّ أنّ نزول الأمريكان تَعدٍّ على كرامة الجيش الذي عمل على عدم انحيازه لأيّ فريق، وحصر رقعة القتال، وعدم تغليب فئة على أخرى([60]). وعزّ على شهاب أن يرى جيشًا أجنبيًّا يدخل الأراضي اللبنانية،  فاقدم على خطوة رمزية،  بإصداره الأوامر إلى جيشه بتوجيه المدافع تجاه القوات الأميركيّة، ولم يصدر الأمر بتغيير اتجاه مدافع الجيش، إلّا بعد أن أبلغه في السفير الأميركي، وقائد الأسطول، أنّ القوات الأميركيّة لم تأتِ لضرب الثوار، والتدخل في الخلاف بين الحكم والمعارضة. ([61])

  • لماذا تعاون شهاب مع “المارينز” على تخطي عقبة وجودهم؟  وما هي التّدابير التي اتخذها لذلك؟

عندما أعاق الجيش تقدم القوات الأميركيّة الى العاصمة لحماية القصر الجمهوري ، بدا واضحًا تعاون فؤاد شهاب مع الأميركيين،  لأنّه سبق ذلك تفاهم مع عبد الناصر على انتخاب شهاب رئيسًا للجمهورية، وذلك كمشروع حلّ للأزمة، في الوقت نفسه خشي شهاب من حصول انقلاب من المقاومة الشعبية، والحل بالنسبة إليه قريب التناول. لذلك تقدمت القوة الأميركيّة إلى بيروت وفي طليعة كل رتل منها، سيارة للجيش اللبناني – مع العلم أنّ بعض الضباط الصغار لم يرضوا بذلك وأخذوا قرار مقاومة الأميركيين- وبعدها بدأ التعاون بين الجيشين، بتسيير دوريات مشتركة، وتوصل التفاهم بينهما الى عدم انتشار القوات الأميركية، حفاظًا على وحدة الجيش اللبناني، وعلى إظهارها أنّها ليست قوات احتلال. ([62])

  • ويمكن تلخيص موقف الجيش حيال الأزمة على الشكل الآتي:

” أمّا موقف الجيش اللبناني فقد انقسم بنوع من الحياد إزاء ما كان يجري على السّاحة الداخلية.  ذلك أنّ قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب كان يرى بحقّ أن الجيش يجب أن لا يتدخل في شؤون البلاد الداخلية،  ومهمته الأساسيّة يجب أن تنحصر بصدّ أي عدوان خارجي،  ولذلك لم يستطع شمعون وحكومته الاعتماد على قوى الجيش- اعتمد على أتباعه وقوى الأمن ومتطوعين من حزبي الكتائب والقوميين والسوريين- من أجل قمع قوى المعارضة،  كما لم يكن بوسع الأخيرة الاعتماد على الموالين لها من ضباط الجيش للضغط على الرئيس شمعون من أجل تغيير سياسته أو مواقفه أو دفعه للاستقلال . ويشير بعض التقارير الدبلوماسيّة في هذه المرحلة أنّه كان بإمكان الجيش اللبناني أن يقضي على قوة المعارضة العسكرية في مهدها فيما لو أراد قائده فؤاد شهاب ذلك، ولكن شهاب كان مترددا إزاء ذلك، ولم يعمل على حسم الأمر عسكريًّا لمصلحة أيّ فريق وهو بحسب تقرير دبلوماسي سري كان “لا يثق بالرئيس شمعون، ويميل للبقاء بعيدًا من أيّ صراع أهلي، الذي لا بد برأيه من أن يأخذ منحى الصراع الطائفي” .

بيد أن حياد الجيش اللبناني في حوادث ١٩٥٨م ، لم يكن مطلقًا في مختلف المناطق. ولهذا يمكن القول بحياد الجيش من قِبَل التعميم،  ذلك أنّ قوى الجيش تصرفت أحيانًا وكأنّها فريق في المعارك ضد فريق آخر،  وهذا كان يعود أحيانًا إلى تصرف بعض الضباط، وإنّ بصفة شخصية في بعض المناطق والمواقع، من دون التقيّد على ما يبدو وبدّقة أوامر القيادة، التي كان دأبها المحافظة على وحدة الجيش، وتجنب أيّ عمل يؤدي إلى تشرذمه وانقسامه. ويبدو أنّ هذا كان صحيحًا من الناحيّة النظرية، ولكن من الناحية العملية كثيرًا ما ابتغت قوى الجيش التي اشتركت في المعارك الحؤول دون تغلب فريق آخر بشكل حاسم، ما يؤدي إلى قلب ميزان القوى السياسي القائم لصالح هذا الفريق أو ذاك. هذه استراتيجية عامة عملت بها قيادة الجيش في بيروت مثلًا، وكذلك طرابلس والجنوب كما عملت بها أخيرًا في جهة شملان في الجبل. ولا شك أنّ سياسة الجيش هذه كانت خيبة أمل للرئيس شمعون وحكومته، ولكنها حالت في الوقت نفسه دون تحقيق انتصار عسكري حاسم لمصلحة المعارضة كما حالت دون وقوع مجازر طائفية([63]).

لقد كان لقرار فؤاد شهاب الحيادي – الوسطي من الأزمة، وعدم زجّه الجيش لمواجهة علنية مع قوى المعارضة، الأثر  الحسن الذي أدى إلى التخفيف من حدة القتال، والى توفير أداة توحيديّة غير طائفية، بات شهاب بأشد الحاجة إليها غداة تسلمه زمام الحكم وبعد انتهاء المحنة. كما لو أنّ العديدين من السياسين المعتدلين وجدوا في سياسة قيادة الجيش هذه، رؤية وطنية سليمة، واعتدالًا في المواقف حفاظًا على ما تبقى من وحدة بين اللبنانيين([64]).

وما ساعد على انحسار ثورة ١٩٥٨م. وعدم توسع رقعتها زمنًا ومكانًا كأحداث ١٩٧٥م ، أولًا: مواقف فؤاد شهاب والجيش من ورائه،  وقد آزره في ذلك وجود قائد تاريخي كجمال عبد الناصر الذي أدرك أهمية الوحدة الوطنية في لبنان، وانعكاس ذلك على المواقف العربية عامة، وكون حكومة الولايات المتحدة قي ذلك الوقت، منفتحة على مصر، وغير مستسلمة كليّا للمخططات الإسرائيليّة.  ما ساعد كثيرًا في حصر الثورة في نطاق محدود، وساعد أكثر في إيجاد الحل للأزمة اللبنانيّة.  ويبقى الدور الرئيس في ذلك لفؤاد شهاب الذي عمل على حصر نطاق الثورة وحافظ على الوحدة الوطنية، ومؤسسات الدولة ومرافقها([65])، وعمل جاهدًا على إبقاء شعلة الميثاق الوطني متقدة.

جـ – الحلّ وإنهاء الثورة :  بعد ما تجاوبت الولايات المتحدة مع طلب الرئيس شمعون، وأرسلت أربعة عشر ألف جندي من “المارينز” لحماية لبنان من الشيوعيّة ظاهريًّا وفي الحقيقة، حصل ذلك بعد الانقلاب الذي قام به عبد الكريم قاسم في ١٤ تموز ١٩٥٨ م، في العراق، والذي أطاح بالملكيّة فيه . أرسلت أميركا بعدها “مورفي” (الوسيط)، لتهدئة الوضع اللبناني، وقد اتفق مع عبد الناصر على إيصال فؤاد شهاب للرئاسة ([66]). وقبل مفاتحة فؤاد شهاب بالموضوع [الرئاسة]، قام المبعوث الأميركي، مباشرة وبواسطة السفارة الأميركيّة في بيروت، باستخراج رأي عدد كبير من الزعماء والسياسين اللبنانيين، حوقد وجد أنّ هنالك شبه إجماع على تقدير موقف فؤاد شهاب في الأزمة، والثقة بشخصه مع بعض التحفظات، لاعتبارات بعضهم أنّ قائد الجيش سوف يستعين حتمًا بعدد من الضباط الذين يثق بهم لمعاونته في الحكم، ما قد يؤدي إلى عسكرة النظام. ولا شك في أنّ روح التفاهم والتعاون التي سادت بين قادة المناطق بتوجيه من قائد الجيش، وبين زعماء الثورة المسلمين*، ساعدت على إيلاء هؤلاء الزعماء وثقتهم لقائد الجيش، الذي رفض ضرب المسلمين، وحافظ على الوحدة الوطنية، ولم يكن من الصعب على “مورفي” الحصول على موافقة المقامات والشخصيات المسيحيّة، لانتخاب فؤاد شهاب، وعلى رأس هؤلاء البطريرك الماروني بولس المعوشي . ([67])  وقد توزعت الآراء بين القوى السياسية بالنسبة إلى ترشيح رئيس جديد للبلاد على الشكل الآتي :

  • المعارضة، كانت تميل لترشيح بشارة الخوري، أو قائد الجيش فؤاد شهاب .
  • القوة الثالثة، سمّت فؤاد شهاب لأنّه الأقدر على حل الأزمة برأيها .
  • البطريركية المارونيّة، مالت لترشيح بشارة الخوري، ولا تعارض ترشيح فؤاد شهاب .
  • الحكم ممثلًا بشمعون، يميل لترشيح أحد النواب، أو موال ٍمن خارج المجلس .

وبدأ عرّاب الحل “مورفي” مبعوث الرئيس الأميركي “أيزنهاور”، اتصالاته مع الفرقاء، حتى توصل الى عدم التجديد لكميل شمعون، وإقناع فؤاد شهاب بترشيح نفسه لحل الأزمة الراهنة، ولإبقاء الوحدة قائمة واستطاع أن يجعل شمعون يتبنى ترشيح شهاب ([68]).

كما تقدّم نَجِد أنّ الفرقاء كانوا بين مؤيد، وعدم معارض لترشيح شهاب، ما عدا شمعون الذي كان معارضًا ثم أقنعه “مورفي” بتبني مشروع ترشيح شهاب، وهكذا انتخب مجلس النواب في ٣١ تموز ١٩٥٨م، فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية، بأكثرية ٤٨ صوتًا، مقابل ٧ أصوات نالها “ريمون إده”، الذي رشّح نفسه من أجل الديمقراطيّة كما صرّح بذلك وقتها. ولم يكن شهاب راغبًا بالرئاسة، إلّا أنّ النّاس رأت ترشيحه الحل الوحيد بعد محنة الأشهر الستة، ولأنّه رفض إنزال الجيش إلى الشوارع لقمع الثورة، قائلًا للرئيس شمعون :”إنّ الجيش للدفاع عن الوطن ضد العدو الخارجي، وليس ضد الشعب وأهل البلاد”.([69])

لقد طرحت القوة الثالثة اسم شهاب كمرشح أوحد من دون خيارات أخرى، ما يُعدُّ أن إنتخابه كان بناء لرغبتها، والتي رأت فيه وحدة الوطن والمواطنين التي تلزم كشرط أساسي لبقاء لبنان. فأقطاب الثورة: كصائب سلام، و رشيد كرامي، وكمال جنبلاط ومعروف سعد، فقد وجدوا ارتياحًا لانتخابه. و لم يبقَ إلّا الفريق المسيحي، الذي  قرع الأجراس حزنًا يوم انتخابه، هذا الفريق أيّده يوم استقالته الشهيرة في ٢٠ تموز ١٩٦٠م، وقد قرع الأجراس فرحًا لعودته عنها. وهكذا حصل إجماع كلّ اللبنانيين حول شخصه. وبعد انتخابه تسلم برقيات الدول العربية والصديقة. ([70])

إلّا أنّ فريقًا من المسيحيين عدَّ أنّ مجيئ فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية انتصارًا للمعارضة والتيار العروبي في لبنان، فقاموا بثورة مضادة بقصد إجراء معادلة سياسيّة، وهذه: الثورة المضادة لم تدم طويلًا، وانتهت بتأليف حكومة جديدة من أربعة أعضاء: رشيد كرامي وحسين العويني عن المسلمين، وبيار الجميل وريمون إده عن المسيحيين،عرفت باسم الحكومة الرّباعيّة والتي كانت ترضيه لجميع الأفرقاء، والتي كرّست مبدأ أساسي للعهد الجديد، وهو مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”، واستطاعت هذه الحكومة مع الرئيس الجديد إعادة الحياة الطبيعيّة، والأمن والإستقرار إلى لبنان، بعد ثورة مسلّحة شبه شاملة. ([71])

لقد حكم الشهابيون لبنان مرتين: الأولى في عهد إمارة جبل لبنان، وبرز من هذه الأسرة الأمير بشير الثاني الكبير، ومرة في عهد الجمهورية، وكان الأبرز منها الرئيس فؤاد شهاب. وما بين الرئيس والأمير الكثير من الصفات المشتركة، فالإثنان عاشا في يتم وفقر، ووصلا إلى السلطة بعصاميّة، وسعيا في الحكم إلى تأسيس دولة حضارية، وحاولا فرض المساواة والعدل ونشر العمران، فاصطدما بالكثير من العقبات والصعوبات.

كان حظّ الشّهابيين مع السياسة الفرنسية والمصرية، فقد عاصر بشير الثاني نابليون ومحمد علي باشا، ودفع ثمن صداقته إليهما. كما عاصر الثاني(شهاب) ديغول وعبد الناصر، ودفع ثمن ذلك كذلك([72])

الاستنتاجات العامة للبحث

إنّ عقلية الشرقي مهيئة للتعلق بالأشخاص النافذين(القياديين)، أكثر من تعلقها بالدّساتير والقوانين. فكم من نبي رسول جمع من حوله الأنصار والمؤمنين، على شريعة سمحاء قائمين، فتفرقوا بعد موته إلى جماعات متنافرين متحاربين. فعندما ضجّ ولجّ، اليهود من انقطاع الأنبياء لقيادتهم( عصر القضاة) طلبوا من الله قائدًا ملكًا، فأرسل إليهم طالوت ملكًا على أساس”(…وزاده بسطة في العلم والجسم…)”، فما دام قائمًا فيهم بقوتين: علم غزير وجسم قدير، تدوم قيادته عليهم. فإذا ما ضعف علمه، أو جسده مالوا عنه لمن يملك مقومات القيادة الجبريّة، ولا يجبرون أحدهم على القيادة الاختيارية المبنيّة على الشّريعة السّماوية. بل يخضعون الشرائع لقوة الأشخاص وعلمهم. وهكذا الناس تميل حيث مواطن القوة، وتنفضّ حيث تُزال أسبابها فإذا ما كان الشخص في تصاعد سببي لقوته ( المادية-المعنوية) فسّروا حركاته و قراراته الملتوية إفتراضيًّا، أنّها منشأ الجِيد، وحركة التليد الوليد، دام ظله، واستمرت أفضاله، أبو الحسنات والخيرات تكلم عسلًا، ومشى بطلًا، وفاض الحُسْن على حِنباته.

وإذا ما دارت الأيام دورتها،-والله سبحانه يجعل الأيام دُولة بين الناس- فيصبح كلامه الحكيم تشدّقًا، وانسجامه ترهّلًا، فإذا أفصحَ قالوا: أصبح يعرف التكلم! وإذا مشى على الوزن والقافية، سخروا : يعرف المشيَ ابن فلان؟! فلا عرفوا ما عرفَ، ولا جنوا ما يجب أن يُجنى. فإذا تركنا المجتمع على سجيته هذه، نكون  كرکاب السفينه الذين ذُكروا في الحديث النبوي الشريف، (عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- مرفوعًا الى النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ” مَثَلُ القَائِم على حُدُود الله والوَاقِعِ فيها كمَثَل قَوم اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَة فأصاب بعضُهم أَعلاهَا وبعضُهم أسفَلَها، وكان الذين في أسفَلِها إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوقَهُم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَم نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهم نجوا ونجوا جميعا”) وهكذا هو مجتمعنا بمعظمه من ركاب السفينة في الطبقة السفلية، ولا يدرون ! فأصبح كمجتمع المعاتيه في أثواب الحكماء، والرذلاء في أثواب الفضلاء، والثعالب بمظهر الأذكياء، والمنافقين في زي الأتقياء: فإلى متى تبقى الأمور سائبة، وعن الحقيقة غائبة ؟ فالويل لأمة عظمائها جهلاء (من هم في موقع القياده)، وعلماؤها بلهاء (من هم في موقع الرأي والاستشاره) ، وبين هؤلاء، وأولئك، حار العقلاء .

فالإنسان الشرقي كما أسلفنا ينصاع لقوة الشخص، لا لقوة القانون. ولقد كان فؤاد شهاب – القائد والرئيس – خلاف ذلك لأنه من خريجي مدارس ( الفرير) الغربية بمنهجها الفكري والتّربوي، ثم انخرط في الجيش الفرنسي ( جيش الانتداب)، وأتم تغرّبه بزواجه من فرنسية. فجعل ذلك منه شرقيّ الملامح الخَلقية، غربيّ المناهج الخُلقية. فكان ينظر إلى احترام الدّستور والقوانين بنظرة قدسيّة، كنظرة الشّعب الفرنسي لمبادئ ثورته وما خلّفت من آثار فكرية ذات أثر قومي – وطني، يعمل من أجله الجميع، لا يستغله وصولي، ويبتزّ أناني، ويدخل من بين ثغراته انتهازي. من هنا كان رفضه (شهاب) سنة ١٩٥٢ م، لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ليفسح في المجال أمام رجال السياسة المدنيين للقيام بواجباتهم الوطنية ، ولإبعاد الحكم من عسكرة النظام ورهبة عَصَاتهم، ليتعلّم الشعب الانقياء للقانون بقناعة ذاتية نابعة من فائدته للجميع، لا الانصياع للقوة التي حيثما خلت، عادت الفوضى، وعاد الاضطراب.

والشرقي بطبعه كذلك يحب الإنجاب والأولاد، ومن لا ينجب يتزوج إمرأة ثانية ولو كان دينه يحرّم ذلك! حيث يستطيع من يكون بموقع السلطة والقوة استصدار تحليل ما حُرِّم من رجال الدين(الأمثلة على ذلك كثيرة قديمًا وحديثًا). ولكنه لم يتزوج بإمرأة أخرى حين لم ينجب من امرأته السيدة روز، مع أنّه توصل إلى أعلى مراكز السّلطة، فكان غربيّ في ذلك لا شرقيّ. إذ إنّ التغرّب عنده أصبح منهج حياة متكاملة، ولم يقتصر على السياسة فقط.

لقد كانت عقلية فؤاد شهاب ضرورية لحكم الوطن في زمن هياج أمواجه، ليقود السفينة بوعي وعلم وقدرة وهدوء واتزان ليصل بمن فيها إلى شاطئ الأمان، وعندما وصلت وحطّت بهم الرحال، وعزف عن ترشيح نفسه للرئاسة، واستكان الحال للمتضررين من هذا النّهج المتربعين في مزارع الدولة على حساب مواطنيهم، بدأوا العمل على اجتثاث بذور النّهج الشّهابي، وتقطيع أشجاره قبل نضوج ثماره. وكان الاقتلاع الواحد تلو الآخر حتى اكتملت بآخر رمز شهابي، بتفجير الطائرة بقائد الجيش “جان نجيم”. وهكذا طويت صفحة الشّهابيّة من حكم الجمهورية. وتنحرف السّفينة عن خطها رويدًا رويدًا لتصطدم بجبل الجليد، فتحطمت على جلادته بمن فيها تعنّ وتأنّ، ولا من مغيث فالذنب ذنبنا في النهاية، مهما عظمت علينا المؤامرات الخارجية فنحن من استجاب لمخططاتهم التي  لم نسأل أنفسنا و لا مرّة، لماذا يمدّ الأجنبي إلينا يد المساعدة؟ ما مصلحته في ذلك؟ وما مصلحتنا منها؟ لقد خرقنا السفينة بأيدينا ونضع اللوم على الآخرين!

وما يحزّ في النفس أنّ هذا البلد (لبنان)، لم يكن ولا مرّة في تاريخه مستقلًا حرًّا في اختيار رؤسائه، ونافذيه، منذ عصر المدن الفينيقيّة التي كانت تشبه دولة المدنية اليونانيّة، فمن حيث طريقة الاستقلاليّة فقد كانت كل مدينة تابعة من النّاحية السياسيّة لأقرب دولة إليها(الفرعونيّة-الحثيّة-الفارسيّة) مرورًا بالمحطات التاريخية، وصولًا إلى عصر الإمارة، وانتهاءً بمحطة الجمهورية. فهل هذا هو قدرنا؟ أم نحن من أراد ذلك؟

لقد وعى شهاب الرئيس هذه الناحية، وعرف أن صغر حجم لبنان في محيط يعيش صراع وجودي، مع عدو يحمل مخططات الإستعمار في قالب إرث تاريخي، لا بد لهذا البلد بالتفاعل مع محيطه، مع الحفاظ على خصوصية هذا الوطن، فقابل عبد الناصر في خيمة  على الحدود وهو أكبر زعيم عربي وأحد قادة العالم الثالث الذي كان يتمنى أحدهم آت يصافحه كتبرك، و لم يرضَ أن يستقبله في بيروت كي لا يتبادر إلى الأذهان أن لبنان ذاب في تيار النّاصرية. ولقد أدرك أهمية فرنسا بالنسبة إلى العالم الغربي، فلم يجعل لبنان لها منفذًا استعماريًّا على الوطن العربي، ولم ينظر إليها كدولة انتداب، أو الأم الحنون: بل حافظ على الوسطية في كل شيء، وقد خص ديغول لبنان بزيارة ودّية على عصر شهاب تعبيرًا عن رضى الفرنسيين عن الخط الشهابي. عاصر الأبطال والقادة، فكان بحق بطلًا وقائدًا.

إن ثورة ١٩٥٨م، أظهرت ثغرة قانونية- دستورية، وهي مدى صلاحيات قائد الجيس بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، بعدم تلبية القائد شهاب لطلب رئيس الجمهورية بتدخل الجيش لقمع الثورة. ولم يُعمل إلى الآن على ردم هذه الثغرة بطرق تشريعيّة، بل ما قام به الرؤساء إلى الآن هو عملية شبه استيعاب لهذا المركز الحساس، فكل رئيس جمهورية يسعى لتعيين قائد جيش موالٍ له، لا للقانون أو الدستور، فكانت عملية فؤاد شهاب درسًا لمن بعده عملوا على الاستفادة منه بطريقة التحايل لا التحليل.

ولكن هل كان رفض فؤاد شهاب لقمع الثورة وعدم تدخل الجيش مبنيًّا على دوافع ذاتية؟ لا أعتقد أن فؤاد شهاب كان يرتكز في أعماله على أرضٍ هشّة، بل لا بدّ أنّه كان قد سبق ذلك تفاهم مع عبد الناصر والفرنسيين، ولم يتفاجأ إلا بالموقف الأميركي الذي تجاوزه فيه الرئيس كميل شمعون، وسوى وضعه بعد التفاهم مع عبد الناصر.

عمل فؤاد شهاب جاهدًا لتركيز نهج شهابي في الحكم و بين طبقات الشعب، وعزف عن الترشيح، ورشح شهابيًّا مكانه(شارل الحلو) ليغرس نهجًا لا شخصًا، ولكن غرسه كان في صخرة صماء، لا تربة عليها و ليس فيها ماء. فكما ذكرت سابقًا عن أهل الشّرف الذين يعشقون الأشخاص لا يعيشون من دونهم على نهجهم، بل ينبذون النهج ويستعيضون عنه بالتّغني بالأمجاد، وبسرد القصص والبطولات، ليناموا حالمين، ويعدّون أنّ الواجب سقط عنهم بذكرهم الغابرين، ليتهيأوا للخوض مع بطل جديد( ولكل جديدٍ لذّة)، وتبدأ القصة كقصة سيرة عنترة، وعند كل فصل فيها “هيصة وهوبرة”، وهكذا يقضونها، ما بين عنتر والخصوم، وعن واقعهم مبعدون فإلى متى سرد الحكاية، وكذا بداية النهاية.

المصادر والمراجع

  • الجسر ( باسم) : فؤاد شهاب ذلك المجهول، ط٢، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت ، ٢٠٠٠ م.

٢- جنبلاط (كمال ) : حقيقة الثورة اللبنانية ، ط ٤ ، الدار التقدمية ، لبنان – المختارة ، ١٩٨٧م.

٣- سالم ( يوسف ) : ٥٠ سنة مع الناس ، ط ٢ ، دار النهار للنشر ، بيروت ،١٩٩٨ م .

٤-أبو صالح ( عباس): الأزمة اللبنانية العام ١٩٥٨ م، المنشورات العربية، بيروت ١٩٩٨م، ( د. ط )

٥-  قرحاني ( خالد): اتفاق الطائف رؤية تاريخية، رسالة دبلوم في التاريخ، الجامعة اللبنانية- الفرع الثالث ، ١٩٩٨ م .

٦- بولحدو (واكيم): فؤاد شهاب القائد والرئيس، طباعة أنطوان الياس الشمالي، دارعون- لبنان ، ١٩٩٦ م، ( د،ط، دار ).

 

 

 

 

 

 

 

-أستاذ مساعد في جامعتَي الجنان- وجامعة وطرابلس بكلية الآداب والدراسات الاسلامية[1]

Assistant Professor at the Universities of Al-Jinan and Tripoli, Faculty of Arts and Islamic Studies. Email:khodr.haydar.61@gmail.com

 

 

[2]  * الإعاشة : نظام توزيع الحصص الغذائية على المحتاجين أثناء النكبات.

** المباشر : الموظف الذي ينادي في المحكمة بصوت مرتفع، عن بدء المحاكمة،وخصوصية الجلسات، وعلى الشهود ، وأصحاب العلاقة(مدع و مدعى عليه)…

بو لحدو( واكيم): فؤاد شهاب القائد والرئيس، طباعة انطون الياس الشمالي،درعون لبنان، ١٩٩٦م،( د.ط، دار) ، ص،١٧….٢٢.

[3]– المصدر نفسه: ص،٢٨.

           [4]  – المصدر نفسه :ص، ١٠٣.

 

[5] – المصدر نفسه : ص،٤٥.

[6] – المصدر نفسه :ص، ٧٣.

[7]  – المصدر نفسه : ص، ٣٣ ، ٣٤.

[8] –  المصدر نفسه :ص ، ٣١.

[9]  –   الجسر (باسم):فؤاد شهاب بذلك المجهول،ط٢،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،بيروت، ٢٠٠٠م،ص،٢٦.

[10]– المصدر نفسه: ص،٢٨.

[11]   –  المصدر نفسه : ص٢٩.

[12]  –  المصدر نفسه : ص٣٣.

[13] -المصدر نفسه :ص،٣٢-٣٣.

[14] – المصدر نفسه :ص،٢٨.

[15]– سالم(يوسف):٥٠ سنة مع الناس،ط٢؛دار النهار للنشر،بيروت، ، ١٩٩٨، ص، ٣٤٢.

[16] -المصدر نفسه: ص،٣٤٣-٣٤٤

[17] -جنبلاط (كمال):حقيقة الثورة اللينانية،ط٤،الدار التقدمية،لبنان-المختارة،١٩٨٧م ،ص،١٨-١٩.

[18] -سالم( يوسف) : ٥٠ سنة مع الناس ، ط٢،دار النهار للنشر، بيروت، ١٩٩٨،ص،٣٨٣-٣٨٤.

*- أعرف شخصيًّا مثل هذه الأمور التي تتطور من دفع غرامة محضر ضبط لقطع أغصان الأشجار لا الشجر نفسه لإطعام الماعز من أحد الرعاة في بلدي، الى عدم دفع الغرامة وزيادة الغرامة عليها ،وتطور الأمور إلى أن يصبح الراعي في عداد المطلوبين الكبار للعدالة، وقد يواجه قوات الدرك أو الجيش في أي لحظة لحمله السلاح بشكل دائم، وقد يصل به الامر ، أمّا الى المحاكم العسكرية التي تحكم على النتائج ولا تنظر للأسباب ، وإما الى القبر…

            [19]  -الجسر(باسم):فؤاد شهاب ذلك المجهولز، ط٢ ،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت،٢٠٠٠ م ،ص،١٢-١٣

[20] – قرحاني  (خالد) : إتفاق الطائف رؤية تاريخية ، رسالة دبلوم في التاريخ ، الجامعة اللبنانية-الفرع الثالث ، ١٩٩٨ م ، ص،٣٢.

[21] – المصدر نفسه : ص ، ٣٣

[22] – Owen ,Roger.Essay on the crisis in Lebanon,(London:SE.Anthony collage ,1975), p , 65

[23] – المصدر السابق: ص،٣٤.

[24] -الجسر( باسم): فؤاد شهاب ذلك المجهول، ط٢، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ٢٠٠٠م،ص،٦١.

[25] -قرحاني (خالد) : اتفاق الطائف رؤية تاريخية ،رسالة دبلوم في التاريخ ، الجامعة اللبنانية-الفرع الثالث ، ١٩٩٨ م، ص، ٣٥ .

[26] – المصدر نفسه : ص ، ٣٦-٣٧.

[27]  -المصدر نفسه : ص ، ٣٨.

[28]  -المصدر نفسه :ص،٣٩

[29] -المصدر نفسه:ص٣٩-٤٠

أبو صالح (عباس):الازمه اللبنانيه عام ١٩٥٨م، المنشورات العربيه ،بيروت ١٩٩٨م،د.ط،ص،١١٤ –  [30]

؟-لا علم عندي بانقلاب على نظام الحكم في الأردن ،إذ إن النظام الملكي سائد فيها منذ نشأتها الى الآن ،والصحيح الانقلاب حصل في العراق ،وقد ورد اسم الاردن مع الكاتب الاصلي سهو ،او كغيره

[31] – جنبلاط ( كمال): حقيقة الثورة اللبنانية،ط٤،الدار التقدمية،لبنان-المختارة ،١٩٨٧م،ص،٤٢-٤٣.

[32] -المصدر السابق: ص،٧٢-٧٣.

[33] – الجسر(باسم) : فؤاد شهاب ذلك المجهول،ط٢، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ٢٠٠٠م،ص،٧١-٧٢.

[34]  – جنبلاط (كمال) : حقيقة الثورة اللبنانية ، ط٤، الدار التقدمية ، لبنان المختارة ، ١٩٨٧ م ، ص ، ٣٧.

[35]  -سالم (يوسف) : ٥٠ سنة مع الناس ، ط ٢ ، دار النهار للنشر ، بيروت ،١٩٩٨ م،ص ، ٤٠٨ .

[36]             – ابو صالح (عباس ) : الأزمة اللبنانية عام ١٩٥٨ م ، المنشورات العربية ، بيروت ،١٩٩٨ م ، (د.ط)، ص،69

٦٨-٦٧- المصدر نفسه : ص [37]

[38] – المصدر السابق : ص، ٢٦ .

[39]– المصدر نفسه:ص،٣٩.

[40] – أبو صالح(عباس):الأزمة اللبنانية عام ١٩٥٨م، المنشورات العربية، بيروت، ١٩٩٨،(د.ط) ،ص،٨٦-٨٧.

[41] -سالم(يوسف): ٥٠ سنة مع الناس،ط٢،دار النهار للنشر،بيروت،١٩٩٨،ص،٣٩٤-٣٩٥.

[42] -قرحاني(خالد): إتفاق الطائف رؤية تاريخية، رسالة دبلوم في التاريخ، الجامعة اللبنانية-الفرع الثالث، ١٩٩٨م،ص،٤٠-٤١.

[43] -المصدر نفسه:ص،٤٢-٤٣.

[44]– المصدر نفسه:ص،٤٤.

[45] -المصدر نفسه: ص،٤٥-٤٦.

 

[46] – جنبلاط(كمال): حقيقة الثورة اللبنانية،ط٤،الدار التقدمية،لبنان-المختارة،١٩٨٧م،ص،٥٠.

[47]  =-ابو صالح(عباس):الأزمة اللبنانية عان ١٩٥٨م،المنشورات العربية،بيروت،١٩٩٨م، (د.ط.)،ص،١٥٢.

[48] – الجسر(باسم):فؤاد شهاب ذلك المجهول،ط٢،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،بيروت،٢٠٠٠م،ص،٣٤.

[49]  المصدر السابق: الأزمة اللبنانية…ص،٨٢.

[50]  -المصدر نفسه:ص،٩١.

[51] – المصدر نفسه:ص،٩٥-٩٦

[52]  -المصدر نفسه:ص،١١٠-١١١.

[53] – المصدر نفسه:ص،٩٣-٩٤.

[54]  -المصدر السابق:حقيقة الثورة اللبنانية…ص،٥٤.

[55] -المصدر نفسه:ص،٥٥.

[56] -المصدر السابق: الأزمة اللبنانية…ص،١٠٥.

[57]  -المصدر نفسه:ص،١٠٦-١٠٧.

[58]  – المصدر نفسه:ص،١٠٣.

[59]  -الجسر(باسم): فؤاد شهاب ذلك المجهول،ط٢-شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،بيروت،٢٠٠٠م،ص،٣٤.

[60]  أبو صالح(عباس):الأزمة اللبنانية عان ١٩٥٨م،المنشورات العربية،بيروت،١٩٩٨م، (د.ط.)،ص،۱٤٧وما بعدها.

[61]  الجسر(باسم):فؤاد شهاب ذلك المجهول،ط٢،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،بيروت،٢٠٠٠م،ص،٣٧.

[62]– المصدر السابق:ص،۱٥٠-١٥١.

[63] – أبو صالح (عباس) : الأزمة اللبنانية عام ١٩٥٨م ، المنشورات العربية ، بيروت، ١٩٩٨م ، (د.ط) ، ص ٩٠-٩١ .

[64] – المصدر نفسه : ص ١٨٨ (ابو صالح عباس) الأزمة اللبنانية عام١٩٥٨م.

[65] – المصدر السابق : فؤاد شهاب … ص ٥٠ .

[66] –  بولحدو ( واكيم ) : فؤاد شهاب القائد والرئيس ، طباعة انطوان الياس الشمالي ، درعون لبنان، ١٩٩٦م ،(د،ط،دار)  ، ص،٣٠.

[67] – الجسر (باسم) :فؤاد شهاب ذلك المجهول ،ط٢، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت ،٢٠٠٠م ، ص،٤١ .

*- قادة الثورة المسلمون لم يكونوا ثوريين بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل زعماء وطننين بورجوازيين، يدافعون عن مراكزهم، ويطالبون بالاصلاح ،وبتصحيح السياسة الخارجية المسيئة إلى شعور ناخبيهم، والمضرة بالمصلحة العربية. (فؤاد شهاب ذلك المجهول : ص ،٤١-٤٢).

[68] – أبو صالح (عباس) : الأزمة اللبنانية عام ١٩٥٨م ، المنشورات العربية ،بيروت ،١٩٩٨م،(د.ط)، ص، ١٦٢وما بعدها.

[69]  – بو لحدو(واكيم):فؤاد شهاب القائد والرئيس، طباعة إنطوان إلياس الشمالي، درعون-لبنان،١٩٩٦م، (د.ط، دار)،ط،٢٩.

[70] – المصدر نفسه: ص٣٠-٣١.

[71]– الجسر(باسم): فؤاد شهاب ذلك المجهول، ط٢، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ٢٠٠٠م،ص،٤٩-٥٠.

[72]  – بولحدو(واكيم): فؤاد شهاب القائد والرئيس،طباعة أنطون إلياس الشمالي،درعون-لبنان،١٩٩٦م،(د.ط،دار)،ص،١٥.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website