foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

الأمومة… جوهر أدوار المرأة – نموذج الأم المسلمة

0

 

الأمومة… جوهر أدوار المرأة – نموذج الأم المسلمة

Motherhood… The Essence of Woman’s Roles- Islamic Woman Model

Fadia Hasan Hijazi فاديا حسن حجازي)[1])

الملخص

 يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء وإعادة التأكيد على الدّور الجوهري للمرأة الذي هو الأمومة، في محاولة لطرح نموذج معالجة العديد من المشكلات ومكافحة الخلل الذي يصيب السلوكيّات والممارسات الفرديّة في المجتمع، وإبراز الدّور المهمّ للأمومة الذي من الممكن للمرأة إذا ما أدّته بالشّكل المناسب أن تعيد إنتاج مجتمع سليم، ومحصن من الآفات الأخلاقيّة والانحرافات والفساد، وأن تحمي الأجيال القادمة بالتربيّة السليمة في حضن الأم المفعمّ بالحبّ والمشاعر الإيجابيّة. ويلفت هذا البحث إلى نموذج راقي للمرأة- الأم المسلمة المتمثلة بالسيدة فاطمة الزهراء(ع) في محاولة لتقديم نموذج متكامل للأمومة ممكن أن يقدم الأُسوة والقدوة العطرة لهذه الأمومة.

الكلمات المفاتيح: الأمومة الدّور الجوهري للمرأة – نموذج الأم المسلمة – السّيدة فاطمة (ع) الأم الأسوة والقدوة.

 

Abstract

This Research aims to highlight and re-confirm an essential role of women; which is Motherhood، in a try to present a model of treatment and prevention of many problems and disorders affecting individual actions and behavior in society، and in a try to show the important role of Motherhood which might help women in reproducing fine and protected society from moral inclines and faultiness when practicing Motherhood in a convenient way، and then protecting the generations through right education and growing up within mothers’ care. Also this research calls attention to Muslim Mothers represented by Fatima Zahraa in a try of presenting complete model of Motherhood that reflects the sweet and caring ideal of this Motherhood.

Key Words: Motherhood the Basic Role of Women – Muslim Mothers Model – Fatima Zahraa Ideal.

المقدمة

في عصر تفشّت فيه ثقافة الإنحلال والتهتك، وسعت فيه قوى الفساد والانحلال للإطاحة بقدسيّة المرأة وطهرها، فدفعتها للاهتمام المبالغ فيه بجسدها وجماله وأنوثتها على حساب إنسانيتها، وحوّلتها إلى عارضة أزياء ولوحة إعلان ووسيلة ترويج وبائعة لذة لمن يطلب، فأهدرت كل ما لديها من حياء، وأسقطتها في مستنقع الهوى والعبثيّة في مثل هذا العصر تبرز أهمية العمل على إعادة هذه المرأة إلى مكانتها وتحصينها من الأخطار المُحدقة بها، كيف لا؛ وهي التي تتشكل منها أول نواة وأول مؤسسة من مؤسسات المجتمع، وهي الحضن الذي يتربى فيه العظماء، وهي أول معلّمة تغذي وليدها مع اللبن من روحها وأخلاقها وقيمها. هذه الوظيفة، وهذه المسؤوليّة التي لا ينبغي لأيّ إنسان أن يستهين بها أو يقلل من أهميتها وخطورتها، تنعكس بشكل مباشر على صورة المجتمع الذي يتكون من أفراد تربوا في هذه المدرسة وتخرجوا منها([1]).

ومهما امتلكنا بعد ذلك من معاهد ومدارس ومؤسسات فإنّها لا تغني، ولا تعوّض عن الدّور الخطير للأسرة ومؤسستها التي تقوم على أكتاف المرأة بالدّرجة الأولى وفي هذا الجانب بالذات، لأنّ الذين يؤسسون ويديرون ويخططون ويعملون بعد ذلك هم من خريجي مدرسة المرأة (الأم) وفيهم نمت البذور التي زرعتها وروتها([2]).

وقد ظهر الكثير من الوسائل والأدوات الحديثة للمواجهة والأساليب الخفية، كالإعلام والحرب النّفسيّة والحرب الاقتصاديّة والحرب الثّقافيّة وعالم الاتصالات الرهيب الذي سخر لخدمة تلك الحروب على الإنسانيّة، وظهرت مشكلات تربويّة لا يقلل من شأنها مثل الأطفال والإنترنت أو العالم الافتراضي، عدم رغبة الأطفال بالتّعلم، الانحرافات الأخلاقيّة والشّذوذ الذي يخترق عالم الأطفال من دون حسيب أو رقيب…وغير ذلك. وهو ما يستوجب الوقوف عنده جديًّا، وإيجاد أساليب التّعامل مع ذلك والمكافحة والتّحصين، الأمور التي تنطلق؛ من دون شك، انطلاقًا من حضن الأم، التي يبدو أنّه بات يقتضي إعادة النّظر في تربية وإعداد الفتيات والنساء لتكنّ أهلًا لتولي مهمة الأمومة الشّائكة في الوقت الحاضر وللمستقبل.

وكما أثبتت التّجارب أنّ أغلب الأطفال الذين ترعرعوا في أحضان أمهاتهم، وتربوا على أيديهن هم أكثر سلامة من النّاحية الجسديّة والنّفسيّة بكثير مقارنة بغيرهم ممن أدخلوا رياض الأطفال. ويرى الباحثون أنّ العلاقة بين الطفل وأمه هي علاقة تفاعليّة تؤدي دورًا كبيرًا في صياغة سلوكه وفيزيولوجيته منذ ولادته إلى أن يتقدم في السّن؛ وأنّها هي المسؤولة عن تنظيم ذلك كلّه، ومنها ضربات القلب لديه ومقدار هرمون النّمو إلى جانب تنظيم حرارة الجسم، وفاعليّة النّظام الدّفاعي لجسمه والوضع النفسي لذهنه وعقله([3]).

بناء عليه؛ نعرض في هذا البحث لأهمية الأمومة كدور أساسي من بين أدوار المرأة، بما فيه من مضامين رقيقة ومفعمة وعميقة، ومؤثرات هذا الدور في العلاقة مع الطفل والأسرة وبالتالي أثره على المجتمع، ونقدم لنموذج الأم المسلمة الذي يطرح أسوة وقدوة قيّمة يمكن الإستفادة منها في إعادة تقويم وتفعيل دور الأمومة الراهن بما يساعد في مكافحة الآفات التربوية والإنحرافات الأخلاقية الراهنة.

الفصل الأول: الأمومة والأدوار الأخرى للمرأة

تعدُّ الأُمومة وإدارة المنزل والوظائف والمسائل الزوجيّة أدوارًا مهمة، ودقيقة داخل الأسرة وهي تقع على عاتق المرأة بالدرجة الأولى، وغالبًا يُضاف إليها تنظيم شؤون البيت وإدارته، و ربما أضيفت إليها في بعض الأحيان أدوار اجتماعيّة أخرى (كالمشاركة والتّعاون الطوعيين في المجال الاجتماعي والسياسي والثقافي)، بالإضافة إلى العمل خارج البيت أحيانًا. ومن المعروف أنّ أداء تلك الأعمال معًا قد يؤدي في بعض الأحيان إلى التّداخل، أو تعارض أحدها مع الآخر في حياة المرأة، و لذلك ينبغي أولًا التأكد من التنظيم وترتيب الأولويات في أداء تلك الأمور.

ومن الناحية الفقهيّة الإسلاميّة إرضاع الأولاد، والقيام بالأعمال المنزليّة وأداء الكثير من الأدوار والنّشاطات الاجتماعية الأخرى بما في ذلك الأعمال والأشغال التي توفر الدّخل أو المال للشّخص، كل ذلك ليس واجبًا أو مفروضًا على المرأة، إذ إنّ ما فرضته الشّريعة الإسلاميّة عليها لا يتعدى عددًا من الأمور من دون غيرها، مثل واجباتها تجاه زوجها وبعض الأدوار الاجتماعية. وأمّا ما يتعلق برعاية الأطفال وتربيتهم، فينبغي لنا أن نعلم أنّه في حال قبول المرأة (الأم) حضانة الطفل عندئذ يتوجب عليها رعايته، والاهتمام به بالشكل الطبيعي والمطلوب لأنّ المحافظة على حياة الطفل تعدّ واجبًا كفائيًّا ولا يحقّ لأي كان القيام بذلك في حال وجود الوالدين ([4]).

أولاً: أدوار المرأة الاجتماعية والسياسيّة

إن أساس سعادة المجتمع البشري وتعاسته هي الأم. فإذا تمرضت الأمّ وأصابها مكروه سيصيب المجتمع، والعائلة شتى أنواع الأمراض والفساد الأخلاقي والاجتماعي، وإنّ سلامتها دليل على رفاه المجتمع وتقدمه. وإن نتاج الحضارة والتّقدّم بيد الأمهات الطيبات. إذ يقع على عاتق الأم جزء كبير من بناء الأسرة والمجتمع، ولها دور المعلم الثقافي والاجتماعي والسياسي، فهي التي تجعل منه مدافعًا عن الحقّ، وتزرع في قلبه حب الوطن وتعلمه العلاقات الاجتماعية الصحيحة، أو بالعكس تجعل منه رجلًا فاسدًا لا نفع فيه. في كلّ الحالات النّسوة هن اللواتي يصنعن رجال المستقبل، والرجال يصنعون المجتمع ويضعون أسسه وقواعده الاجتماعية. وللأم تأثير اقتصادي وتضع في ذهن طفلها أسس الأخلاق، وتعلمه العفة والحقّ والمحبة والخير والفكر الطيب والتّقوى، وإنّ أخلاق المجتمع مرتبطة إلى حد كبير بأخلاق الأمهات. والأم بانية الحضارة، فلا شك أنّ نشاط الأم الأخلاقي والاجتماعي والثقافي يؤدي إلى التطور الحضاري والإنساني والمعنوي، أو الحضارة المصطنعة والآلية، وإنّ ما نلمحه اليوم من بعيد أومن قريب كالعنف والعناد والوقاحة يرتبط بطريقة تفكير الأم. والأم هي صانعة التاريخ، تعلم دروس البناء والجهاد والمثابرة وأصول الحياة([5]).

و إنّ دور المرأة واضح وجلي في الثّورات والحركات الاجتماعية، فبسبب الحساسيّة العاطفيّة التي تتصف بها المرأة، فإنّها تستجيب بسرعة للشّعارات الثورية والحقوقية. كما أدّت دوراً فعّالًا من خلال تدخلها في المسائل والشؤون السياسية والاجتماعية واستطاعت إيجاد بعض التغييرات سواء بشكل فردي أو جماعي، وسواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وكانت للمرأة في بعض الأحيان أدوار وتأثيرات أخرى جادة في التّحولات والأحداث الاجتماعية والسياسية، وإن كانت تلك التأثيرات غير مباشرة. وذلك بمقتضى الخواص والمميزات الأنثوية التي تتصف بها المرأة مثل عنفوان عواطفها ودورها الاستثنائي في الأمومة. ومن تلك التأثيرات تربية وتنشئة أفراد ناشطين وموثوقين وإثارة شعور الفتوة والشهامة لدى أزواجهن وتشجيعهم على أداء دورهم الفعّال في المجتمع وحث الأبناء والرجال على المشاركة والحضور في المجالات المختلفة. ولا ننسى التغييرات والتحولات الجادة التي أحدثتها المرأة في دورها ونمط حياتها المعيشية في الآونة الأخيرة، وهي تغييرات ناجمة عن التحولات الأكبر والأعظم على المستوى العالمي. فالتغييرات الصناعية في العالم تركت بصمات واضحة على الكثير من المسائل التي كان لها ارتباط وثيق بحياة المرأة وأساليب معيشتها، وقد أدت بعض العوامل إلى حدوث تغييرات وتحولات كبيرة وملحوظة داخل المجتمع نفسه، مثل كثافة مشاركة المرأة في ساحات العمل وتغيّر توقعاتها بشكل عام.

فإنّ لجوء النساء إلى العمل واضطرارهن إلى ممارسة الأشغال المختلفة ورغبتهنّ في ترك الأسرة والزواج في السنوات المتأخرة والأساليب التي استخدمت مؤخرًا في تنظيم الحمل والسّيطرة على الإنجاب والرّغبة في امتلاك أقل عدد من الأبناء، والتّغييرات الحاصلة كذلك في القيم – بدءًا من القيم الأخلاقيّة والأسريّة وصولًا إلى القيم الاجتماعية والليبرالية كالحريّة والفرديّة وامتلاك الثروة والسلطة- كل ذلك أدى إلى إحداث تغييرات كبيرة في شؤون المرأة جميعها وأنماط حياتها الأنثويّة. كما أنّ بعض العوامل في حياة المرأة العاملة تمثل تهديدًا حقيقيًّا للعلاقة بينها وبين أبنائها بسبب مكوثها خارج البيت لساعات طويلة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على تقدم الأطفال من الناحية التّعليميّة وعلى تطوير قدراتهم الذّهنيّة. وكذلك فإنّه من المعلوم أنّ عمليّة الإنجاب والأمومة تمثل مصدر الثّروة البشريّة للمجتمعات، ولذلك فإنّ نوع حضور الفرد ومستوى تأثيره داخل المجتمع نابع من نوع تصوره وسلوكه وتصرفاته التي تؤدي الأمهات دورًا رئيسًا في تشكيلها وصياغتها بما يتناسب والمجتمع الذي تعيش فيه. فإنّ المرأة هي التي تُنشيءالتّحولات الكبيرة في الأجيال والمجتمعات بصورة غير مباشرة، وقد تكون آثار تلك التغييرات والتّحولات إيجابيّة أو سلبيّة([6]).

ولقد كانت قضية المرأة وتعامل المجتمعات مع المرأة مطروحة ومنذ العهود القديمة بين المجتمعات والحضارات المختلفة وبين المفكرين وفي أخلاق وتقاليد الأمم والشّعوب المختلفة، فنصف سكان العالم هم من النساء، وقوام الحياة مرتبط بالنّساء بالقدر الذي يرتبط بالرّجال، والنّساء يتحمّلن – بصورة طبيعيّة – أعظم أعمال الخِلقة كالإنجاب وتربية الأطفال وأعمال رئيسة أخرى ( [7]).

ثانيًا: وجهة النظر العلميّة في الأمومة

تؤثر الصفات الوراثية المنتقلة من الأم في شخصية الطفل، وتساعد في تكوين شخصيته أشد من الصفات المنتقلة من الأب لعدة أسباب أهمها: ([8])

  • إنّ دور الأب الوراثي ينتهي بعد انتقال النّطفة، إلاّ أن دور الأم يستمر تسعة أشهر ألّا وهي مدّة تكوين الجنين والولادة ومن ثمّ تستمر عامين حتى فطامه، فإن ارتباطه بأمّه وثيقًا و بالدّم والحليب.
  • ويجب الإشارة إلى أنّ حليب الأم ينقل للطفل نفسيّة الأم وطريقة تفكيرها وأخلاقها، والقسم الأكبر من طبائع وأخلاق الطفل تأخذ شكلها الأول ولونها من أحضان الأم والأشياء التي تكون قريبة منها.
  • تكشف الأم للطفل عن أصول وقواعد الحياة اليوميّة، وهي أساس انتقال الثقافة من الناحية العلمية، فتدوّن الأشياء والقواعد الأصليّة على صفحات فكره، وهي السبب في أن ابنها بار أو فاسد وعلى هذا الأساس إنّ دور الأم في نقل التراث الاجتماعي أشدّ من دور الأب أو غيره من الأفراد.
  • إنّ تأثيرها الروحي والعاطفي أشدّ من غيره على الطفل، ومشاعره تأخذ إشعاعاتها من الأم. كما إنّ تأثيرات الحبّ والحقد في تكوين شخصية الطفل مؤثرة جدًا. وأثبتت تجارب العلماء النّفسانيين الإنجليز أنّ نقص أو سلامة شخصية الطفل النّفسيّة وخاصة في السّنوات السّت الأولى من عمره ترتبط بقوّة بحب الأم لطفلها أو حرمانه منه، ومن الممكن جدًا أن ترسخ هذه الآثار في نفسيّة الطفل.

والله سبحانه وتعالى خلق كلٍ من المرأة والرجل بخصائص واستعدادات إنسانيّة وفطرية وطبيعيّة مختلفة، إذ يكمل الواحد منهما الآخر في مسيرة الحياة الإنسانيّة. فخص المرأة برّقة المشاعر والأحاسيس والعاطفة المرهفة والشّفافة لتتلاءم مع الأدوار الاجتماعية والإنسانيّة المفترض أن تؤديها. فتتصف الأنثى إجمالًا بالعاطفة والرّحمة أكثر من الرّجل، وهي انفعاليّة ومسالمة وتميل إلى السّكوت والهدوء. وهي تميل إلى الارتباط الأُسري، وترى في بيتها وحياتها الأسرية جزءًا من كيانها ووجودها. فتكون طريقة تعاملها مليئة بالمحبة والجاذبيّة والتّودد([9]).

وعلى الرّغم من كل مظاهر التّطور والعصرنة التي نشاهدها اليوم؛ لا تزال الانعكاسات الاجتماعية تحدد، بالغالب، أدوار المرأة بإدارة شؤون المنزل والأمومة ورعاية الأطفال. والمرأة ما زالت لا تولي الأهمّية لشيء كالتي تعيرها للحمل والولادة.

فالمرأة الأم منبع جياش بالمشاعر الإنسانيّة كالحبّ والحنان، الإيثار والتّضحيّة، النبل، الصبر، الحق والعدالة، والتي تعد من مستلزمات الصحة والاستقرار النّفسيين في أفراد المجتمع. وتؤدي المرأة كذلك دورًا أساسيًّا في التناسل وتربية الأجيال، حيث يبقى رحمها وسائر أعضاء جسمها مأوى يرعى النّطفة ويهيء لها ظروف النّمو والتّكامل([10]).

والأم حب من دون شروط، وأحاسيس قوية وعميقة وأعمق من أيّ حب آخر، حب ضروري لإنسان جديد، هو بحاجة ماسّة له لنمّوه ووجوده، حب لإنسان بريء. والأم عواطف جياشة مليئة بالتّضحية والإيثار، لتربية أبنائها وإنقاذهم من مخاطر الحياة، ومن أجلهم تستسلم لمخاطر الحياة وتنسى ملذاتها ولحظاتها الجميلة حتى وإن كانت من دون عودة. عملها صناعة الإنسان، وزرع الحب والفضيلة في نفسه.

ومن خصائص المرأة وتكوينها الجسدي والروحي، استعدادها لتحمل مسؤوليّة تربية الأطفال ورعايتهم، ومن الناحية العلمية المرأة تعني الأم وإذا حالت الظروف الطبيعيّة والاجتماعية من دون ذلك، فإنّها ولا شك ستصاب بالأمراض الجسميّة والرّوحيّة. إنّ هدف الأمومة من الأهداف الساميّة والتي وضعت على عاتق المرأة، وهي بلا منازع، مظهر من مظاهر اللطف والصفاء والعناية والمحبة للطفل.

والأمومة تبعث في الآذان عواطف ومشاعر جليلة، ولطيفة تتضمن جميع الحسنات في طياتها كالدّفء والصبر والإيثار والإحساس بالمسؤوليّة. والأمومة في النّظرة التقليديّة موهبة أودعتها الطبيعة والغريزة في كيان المرأة([11]).

كما يعتقد العلماء أنّ الأمومة هي أكثر الغرائز طبيعيّة، ورغبة كل امرأة باكتساب شأن الأمومة أمر غريزي، وامتلاك الأطفال من أسمى طموحاتهن. فالمرأة معدة غريزيًّا لرعاية الوليد. وقد أقرّ الله سبحانه وتعالى محبة الأبناء في أعماق قلب الأمهات منذ خلقهم([12]).

فالمرأة منذ اطلاعها على حملها تطرأ تحولات عامّة في حياتها، ويستمر تفكيرها بتغييرات جسمها والبرمجة لجنينها الذي تؤويه في رحمها طوال تسعة أشهر. إذ تكنَ المجتمعات احترامًا يستحق التقدير لدور الأمومة، ومع ذلك تهمل بعض المجتمعات مسألة العناية بالأمهات، وتعزف عن توفير احتياجاتهن والدعم الكافي لهن في مدّة الحمل وعلى أيّة حال تعدُّ مراحل التناسل الثلاث وهي: الحمل، الولادة والأمومة من مسائل النساء المهمّة في الحياة.

وتقع أعضاء وجوارح المرأة كافة في مدّة الحمل تحت وطأة هذا الحمل، إذ ينبثق الشّعور الطيب بالأمومة.

والولادة أيضًا مرحلة أخرى من المراحل المهمة في حياة المرأة. إذ تعدُّ الولادة كتربية الأطفال مهمة شاقّة ومسؤوليّة عظيمة ترافقها متاعب وآلام شديدة.

فالطفل بطبيعة تركيبه وحجمه وضعفه يحتاج إلى حب وتضحية من إنسان عاشق ومضحي، يهدي بإخلاص كل ما عنده إلى صغيره، وهذا الإنسان لا يمكن أن يكون سوى الأم التي تسهر الليالي لتلبي متطلبات حبيبها الصغير، فلذة كبدها وجنين رحمها. وهي التي تقوم ببناء طفلها، وهي المسؤولة عن البناء والتّغيير الضروري في هيكل أعضاء الأسرة الروحي والجسمي. وهي التي يستمد الطفل تصرفاته وعاداته من تصرفاتها وعاداتها، وهي حتمًا ستؤثر على شخصيّة الطفل عندما يكبر. وبالنّهاية سيبقى تأثير الأم هو الغالب على الأطفال، وهي التي ترسم شخصية الطفل. وتصرفاتها تشكل البناء الداخلي والخارجي للرجال، إنها هي مدرسة الأجيال([13]).

وعلى الرغم من تقدم المجتمعات، نجد أن الأم والأمومة لا تتمتع – في أغلب المجتمعات – بمكانتها اللائقة على الرّغم من تحملها متاعب وضغوط نفسية مختلفة جراء ولادة الأطفال.

إنّ أكثر أعمال الأم وخاصة في الأشهر الأولى من عمر الوليد مرهقة ومتكررة، وقد تستغرق الليل والنهار، مثل: استحمام الطفل، إطعامه، إلجائه للنوم، تبديل حفاظاته.

ويترك نمط علاقة الزوجين ببعضهما قبل ولادة الطفل، آثارًا عميقة على منحى سلوك الأبوين مع الطفل بعد ميلاده. فيرى الزوجان اللذان يتمتعان بعلاقات وطيدة أن الأمومة والأبوة وتجاربهما جميلة ومفيدة. وتدبّ الأم بشكل خاص عند شعورها بهذا الوضع لتأمين احتياجات الطفل بما أوتيت به من حرارة وحيويّة ومحبة. أمّا خلافات الزوجين فتترك آثاراً سلبية في سياق تحمل مسؤولية رعاية الطفل وآداء الأعمال المنزلية. ذلك على الرّغم من تمتع النّساء بقوة تكسبهن القابليّة والمهارة لتحمل المصاعب، الأمراض والمصائب المختلفة، أكثر من الرجال([14]).

ثالثًا: علم نفس الأمومة والذّكاء العاطفي

تظهر وجهة نظر علم نفس الأمومة أنّ هذه الأخيرة تعطي للأم طاقة إيجابيّة مميزة في حالة الحمل وفي العلاقة المتبادلة مع مولودها.

فإنّ الدماغ الأنثوي يخضع بواسطة التّفاعل الحيوي بين الحب، والجينات، والهرمونات، والممارسة لتغييرات ملموسة من المحتمل لها أن تكون طويلة المدى من خلال عملية الولادة وتربية الأطفال. ويقول مايكل ميرزنيتس؛ الخبير الرائد من خبراء تطور الدماغ في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان فرانسيسكو إنّه: “يشكل إنجاب الأطفال من وجهة نظر علم الأعصاب ثورة بالنسبة إلى الدماغ. فهو يغيّر حياة المرأة من نواحٍ عديدة، وهو يجعلها تواجه تحديات جسديّة وعقليّة. إنّه عهد كامل من التّغييرات التي تحفز الدّماغ على التّعلم لأنّ كل شيء يصبح مهمًّا. وهكذا، فلا أظن أن في وسع المرأة أن تفعل ما هو أفضل من إنجاب طفل”([15]).

فإنّ حاسة اللمس أكثر الحواس أهمّيّة في سحر الأمومة، فَيدَا الأم، وذراعاها، وصدرها، وهي تحتضن صغيرها، وتحمله، وتداعبه هي أكثر وسائلها مباشرة، ومحبة في التواصل، بالضبط كما يتحدث إليها طفلها الرضيع، بشفتيه، ويديه، ويستميلها قبل أن يتعلم كلمة واحدة. وتقول الحكمة الشائعة القائمة على النظرية التّطورية ّ النّساء وخاصة الأمهات يبرعن في توزيع تركيزهن على عدة مهمات. فمنذ العصور الغابرة؛ وما زالت قدرة الأم على الجمع بين المهمات أمرًا أساسياًّ في بقاء الأطفال. وعندما تلد الأم يصبح من المطلوب منها أن تتحلى بأكبر قدر من الذكاء، وأن تتذكر أشياء عن أطفالها، وتكون في أفضل حالاتها لتؤدي مهامها، ويجب أن يؤدي هذا إلى القدرة على إبداء المزيد من الانتباه إلى العالم الخارجي ومن الممكن لإنجاب الأطفال، والقيام بمهمّات الأمومة أنّ يقللا من الجوانب السلبيّة التي تعاني منها النساء من بعض مصادر التوتر في العمل، فقد ينتج عن الاستغراق الإيجابي المتزايد مع الأطفال عملية تكيف يمكنها أن تقلل من النتائج السلبية لمصادر التوتر في العمل. وعندما يتعلق الأمر بالأطفال الرضّع، فقد تصبح الرّضاعة طريقة فعّالة جدًا لتهدئة الأمهات، وتصفّي ذهنهنّ في حالة التّوتر، وتمنعهم أحيانًا من قول ما قد يندمنَ عليه.

وقد ذكرت معظم الأمهات أنهن ينظرن إلى الأمومة على أنّها قوة منظمة في حياتهن. فيشعرنَ أنه عليهن أن يتحلّين بالمسؤولية والتخلي عن العبث والفوضى. الأمهات المفعمات بالحب الكبير الذي يلهمهن الشجاعة، يستطعن أن يتعلّمن كيف يتكيفنَ بسرعة مع الظروف المتغيرة، وأن يقمن بمخاطرات، وأن يصبحن بالتدريب أكثر جرأة. ومع ذلك، فبينما تُعلم الخبرة الأمهات قيمة الإصرار يصبح من المرجح لهن أن يستغرقن في أشكال أخرى من الذكاء الاجتماعي، بما فيها السيطرة المتفائلة. وتعلمنا الأمومة الذكاء الاجتماعي من خلال الذكاء العاطفي، هذا المصطلح الأخير الذي ابتكره العام 1990 بيتر سالوفي، أستاذ علم النّفس في جامعة يال، مع زميله جون ماير، وعرّفا هذا المصطلح على أنّه يشمل: قدرة المرء على مراقبة أحاسيسه ومشاعره الخاصة للتمييز بينها، واستخدام هذه المعلومات لإرشاد تفكيره وأفعاله. الأمهات تتمرّنّ غالبًا على التفكير الإيجابي، كالحبّ والتّعاطف الذي يشكل الأساس للذكاء العاطفي، ويعدُّ الذكاء العاطفي على الأرجح الميدان الرئيس الذي تستطيع به الأمومة أن تجعل الأم ذكية. فإنّ حبّها لطفلها يلزمها بشكل فريد من نوعه بالتّمرين. وغالبًا ما يوصف حبّ الأم أنّه من أطهر المشاعر. ومع ذلك؛ تقترح وجهة نظر أكثر تحليليّة أنّ مزيجًا من الأنانيّة والغيريّة والهرمونات والتّجربة هو ما يربطنا بأطفالنا بهذه الرابطة القويّة. إنّ هذه الرابطة الشّديدة والمعقدة هي التي تدفعنا للعمل بهذه الجدية وتلهمنا لأن نتعلم كيف نستغلهم من أجل مصلحتهم. فتتعلم الأم أن سعادتها تعتمد على شخص آخر، ولذلك تتعلم مع الإلحاح الكبير كيف تفهم أحاسيسه وتتكيف معها. وقد تجدّ الأم نفسها تعيد ضبط إتزان متعها الشّخصية. فمعظم ما تقوم به أو تفشل في القيام به سيؤثر في طفلها، الأمر الذي سيؤثر بدوره فيها على الأرجح في نهاية المطاف، فيتوجب عليها فجأة أن تعيد ضبط نفسها حسب مشاعر شخص آخر بطريقة دقيقة([16]).

ويؤثر موقف الأم قبل الولادة على مشاعرها المستقبليّة تجاه وليدها، وطالما أن هذا الموقف يتنوع كثيرًا تبعًا للوسط أو لسلّم القيم الاجتماعيّة. وهكذا تضاف القوى الاجتماعيّة للعرف والأخلاق وإلى التكيف البيولوجي والغريزي التي تربط الأم بالوليد أحدهما بالآخر، وتمنحهما مجالًا حرًّا لمعايشة الحميميّة المضطرمة للأمومة.  وتقوم العواطف الاجتماعيّة والفاعليّة الاجتماعيّة في التأقلم على العلاقة الأولى للكائن الإنساني الفتيّ وأمه. فالظاهرة الطبيعيّة البدائيّة للأمومة تخفي عالمًا كاملًا من العناصر: تطورات فيزيولوجيّة ومداخلة القوانين البيولوجيّة للموروث والتّكيف والأطوار العقليّة وعناصر نفسيّة وتاريخيّة وفرديّة…إلخ ([17]).

الفصل الثاني: دور الأمومة

يمكن تعريف الأمومة أنها سلسلة أو مجموعة من الأعمال التي تؤدَى للأبناء، ويتجلّى معنى الأمومة بشكل أوضح مع إنجاب الأطفال، وخلال مدّة الحمل تتحمل الأمهات مسؤوليّة استثنائيّة، ويزداد هذا الشّعور ويتعاظم بعد الولادة ومراحل نمو الطفل وترعرعه. ومن الأمور التي تقوم بها الأمهات ضمن إطار الأمومة  مراقبة أطفالهن وحمايتهم وإظهار المحبة لهم واللعب معهم وتربيتهم وتنشئتهم([18]).

و للأمهات مسؤوليات عظيمة مقابل الله والمجتمع، وما يؤسف له أن الكثير من النّساء في عصرنا الحاضر تركنَ واجباتهن الحقيقية (ضمن الأسرة) وذهبن ليمارسن الأعمال وللتّوظيف، وفضلنَ هذه الأعمال والوظائف على بيوتهن وأولادهن، وتركن أولادهن تحت رعاية دور الحضانة والخادمات، ونسين تمامًا واجباتهن كأمهات وزوجات، ونسين أن من واجباتهن كأمهات أن يكنَ مضحيات، إذ لا يوجد في حياتهن العمليّة معانٍ للإنسانيّة. لذا؛ قد تفقد أجيالنا القادمة عواطفها الإنسانيّة الساميّة، فلا أحد يستطيع أن يزرع الحب والعواطف النبيلة كما تفعل الأمهات، كما أنّ منزلة الأم أسمى من أي منصب مهما كان، وإنّ إدارتها لابنها وابنتها هي الهدف من وجودها. وإنّ رسالة الأم ساميّة؛ إذا ما أردنا إصلاح المجتمع وإزالة الفساد. وتعدُّ منزلة الأمومة هي الأولى، أقله في الإسلام. فالأم هي منشأ مهمّ للراحة والمحبة في العائلة وأقوى مصدر لسعادة العائلة، فهي التي تبعث الطمأنينة والسّلام والقدرة والقوّة والاستقلال في نفوس الأطفال.

كما أنّ من خصائص المرأة وتكوينها الجسدي والروحي؛ استعدادها لتحمل مسؤوليّة تربية الأطفال ورعايتهم، وإنّ هدف الأمومة من الأهداف الساميّة والتي وُضِعت على عاتق المرأة، وهي بلا منازع، مظهر من مظاهر اللطف والصفاء والعناية والمحبة للطفل، وهي الإنسانة المحبوبة في البيت([19]).

وفي مقابل النظرة الإسلاميّة إزاء الأمومة أبدت النظرية النّسوية أكثر ردود الأفعال شدة وتعصبًا حيال دور المرأة في ذلك، فالنّظرية النّسوية تحاول تقسيم مسؤوليةّ رعاية الأطفال ومهامها بين الأب والأم بشكلٍ متساوٍ، وتدعو إلى إيكال هذه المهمة إلى مؤسسات الرّعاية المختصة بهذا الشأن كرياض الأطفال ومطالبة الدولة بإيجاد وتوفير إمكانات الرفاهية للأمهات العاملات([20]).

أولًا: أثر الأمومة على الطفل

    تشير العلوم الحياتيّة إلى أنّ دور الأم في تكوين الجنين، ونقل الصفات الوراثيّة إلى الطفل أشد من تأثير دور الأب، إضافة إلى أنّ الرحم يصبغ الجنين بصبغته، وأنّ دور الأم في تكوين الجنين وخلق الأرضيّة اللازمة لنموه داخل الرّحم وتكامله أمر لا يمكن الإغفال عنه. ويحتاج الطفل بطبيعة تركيبه وحجمه وضعفه إلى حب وأحاسيس رقيقة، وإلى حب وتضحية إنسان عاشق ومضحي، يهدي بإخلاص كل ما عنده إلى صغيره وحبيبه، وهذا المخلوق العاشق المضحي لا يمكن أن يكون سوى الأم. هي التي تسهر الليالي لتلبي متطلبات حبيبها الصغير، وفلذة كبدها العزيز، تضمه إلى صدرها وتبعث الطمأنينة في قلبه الصغير. ويبدأ حبها عندما تشعر أن هناك حملًا، ويشتد عندما يرى حبيبها القادم النور، إنّه مظهر من أعلى مظاهر الحب السامية، بحنانها وعاطفتها تجعل من بيتها جنة وبكلماتها الجميلة تسعد أفراد أسرتها، بأعمالها وتصرفاتها تجعل من بيتها المدينة الفاضلة، فتقوم ببناء أبنائها بناءً صحيحاً وتشع الفرحة والبهجة من البيت، وتضحك الوجوه البريئة فرحة عندما تلتقي بوجه الأم الضاحك، فهي التي تبني زمامها بيد الأم، وإنها المسؤولة عن البناء والتّغيير الضروري في هيكل أعضاء الأسرة الرّوحي والجسمي. وإذا ما حسبنا التّربية أمرًا دائمًا ومستمرًا؛ يمكننا القول إنّ الطفل وخلال السنوات السّبع الأولى من عمره يستمد تصرفاته وعاداته من تصرفات وعادات الأم، وإنّ هذه العادات والتّصرفات التي اكتسبها من الأم ستؤثر ولا شك على شخصيته عندما يكبر، وستبقى عالقة فيه، وبالنّهاية إن تأثير الأم سيكون هو الغالب على الأطفال، فهي التي ترسم شخصيّة الطفل، وإنّ عملها حساس وظريف للغاية، بأناملها الرقيقة تلاطفه، وبقلبها المحب تزرع الثورة والوجود في كيانه، بملاطفة رقيقة تزيل الهموم عن قلبه الصغيّر وتسكّن آلامه، وبترديد كلمات جميّلة وساحرة تهديء طفلها وتجعله يرتاح وينام. وتشكل تصرفات الأم البناء الدّاخلي والخارجي للرجال، وتبعد الطفل من عالم الرّياء والكذب والحقد والحسد وتزرع في قلبه الحب والصفاء والخير له ولغيره.

فالأم مدرسة الأجيال، وهي تقوم بزرع الصفات الطيبة في الطفل، وتهدي طفلها ليكون في المستقبل رجلًا مهمًّا في المجتمع. ولنابليون بونابرت مقولة “إن ما توصلت إليه اليوم هو من عند أمي”. ويقول أيضًا: “إن وراء كل رجل عظيم إمرأة”. وليس هناك أكبر وأعظم وأشرف من عمل الأم على وجه الكرة الأرضيّة، نظرًا لأهمّيّة عملها وتأثيرها في تكون خصائص وطباع وأخلاق الطفل. لذا؛ فإنّ عليها أن تتحمل المسؤوليات التربويّة والأخلاقيّة والروحيّة، فتربي طفلًا فيه فضائل الإنسان، تقي، عفيف، عطوف، عادل، صادق، أخلاقه حميدة، وقلبه كبير، يحب الخير للجميع، تهدي طفلها إلى الطريق القويم، وإن أنفاس الطفل والمجتمع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأم([21]).

ثانيًا: ماذا يرى الطفل في أمه

الأم هي عصا الطفل التي يعتمد عليها في الأمور كلها، وإذا ما حدثت له مشكلة فهي الوحيدة التي يجب أن يلجأ إليها، إنّها طبيبه الخاص، وهي التي تلبي جميع مطالبه، يأمر وهي تنفذ. هي الإنسانة القوية، التي تستطيع القيام بأيّ عمل كان، وتضحي بالغالي والنّفيس من أجل سعادة ابنها، وهو يعتقد أنّها لا تملّ من الحديث معه، وتتحمل العذاب والمصائب من أجله، إن مستقبل الطفل مرتبط كليًّا برؤية الأم وتفكيرها وتصرفها معه. والأم هي النّموذج، كما يعتقد الطفل، وكل تصرف تقوم به هو صحيح وكامل.

ويعتقد الطفل أنه إذا أخطأ، فإن أمه ستسامحه، وهذا أمر صحيح، وهو يعدُّ أن أمه هي رأس ماله ونشاطه، وإذا ما انفصلت عنه ستكون حياته في مهب الريح، سيواجه الخطر، يتمرض ولا يطيق الحياة، لأنّه انفصل عن الأمل. حضنها هو بيت الأمان، والحصن المنيع. والأم كاشفة العالم للطفل وقدوته، وتشكل عالمه الروحي والاجتماعي الرحب، يتصورها في ذهنه كالمحيط والمطلع على أسرار العالم ويعلم كل ما يحدث في أطرافه وأكنافه. لذلك يسألها عن كل ما يدور في خلده، وعن كل شيء، وبذلك يُكوَن رؤاه ونظرياته، ويرسم تصوراته عن العالم السلبيّة منها والإيجابيّة([22]).

ثالثًا: أثر الأمومة على المرأة

تتصف الأمهات مقارنة بغيرهن من النّساء بشخصية متميزة، ومتكاملة ويعود ذلك إلى القدرات الأخلاقية التي يكتسبنها خلال مرحلة رعايتهنَ للفرد منذ مدّة حمله في بطنهنَ وحتى المراحل العمرية الآتية:([23])

  • ومن القدرات الأخلاقيّة التي تكتسبها الأم الحُلم والصبر ثم التّعامل بدقة وحذر مع الوضع الجديد (الحمل) إلى جانب ازدياد نسبة النشاط والمحبة الغريزيّة بينها وبين جنينها. والأم هي المخلوقة الأكثر تكيّفًا مع الحالات والأوضاع الطارئة المتعلقة بحالة الجنين والحمل والولادة، وأخيرًا مولودها الجديد، وهنا تتجلى فيها الخاصيات تدريجيًّا ومنها المرونة، فالأمومة هي التي تظهر هذه الصفة في النساء.
  • ومن الصفات الأخرى أيضًا العفو، فقدرة الشخص على العفو والتّغاضي تمثل أرقى الميزات الإنسانيّة والإلهيّة، وتتمرس الأمهات على هذه الفضيلة (العفو)، وكلما تمرّس الإنسان على العفو والصّفح تقلصت المشاكل والأحزان وقلّ احتمال ممارسته للعنف والشدّة، شرط أن يكون العفو مصاحبًا للرضا والقناعة، ويتجلى هذا النّوع من العفو والصّفح بالتّعامل مع الأطفال.
  • وأيضًا خصوصية أخرى تكتسبها المرأة في أمومتها هي قدرتها على إيجاد الحلول المناسبة والسّريعة لحل المشاكل، فالأمهات يرينَ أنفسهن مسؤولات عن وضع الحلول العاجلة إزاء الخلافات، والمشاكل ضمن الأسرة والتي قد يتسبب بها الأبناء. هذه الخصوصية تجعل من الأمهات وسيطات موثوقات في الأسرة.

والحقيقة أن الأمهات يقمن بعمل خارق للغاية وهو عمل لا يمكن تقسيمه بينهن وبين الرجال في بعض الحالات، وتصبح مسؤوليّة الأمهات وتربيتهن لأولادهن خلال الأشهر الثلاثين تقريبا والتي تشمل الحمل والولادة والرضاعة، ويزداد عليهن الضغط سواء بالتّغذيّة النّفسيّة أو الجسديّة.

الفصل الثالث: أدوار المرأة في الإسلام

إذا أردنا بنظرة فاحصة مقارنة دور المرأة بدور غيرها؛ لوجدنا أن دورها يمثل الدور الأكثر خطورة ودقة وخلودًا وتأثيرًا في حركة التّاريخ الإنساني ومسيرة الإنسانيّة نحو الكمال، فقد خلق الله المرأة على هذه الشّاكلة، ولو أردنا تقسيم خلق الإنسان والعالم إلى قسم الأعمال اللطيفة والدقيقة، وقسم الأعمال المحكمة أو الصلبة كما في عبائد البنائين، لوجدنا أن المرأة تمثل الجانب الأول من هذا التّقسيم، وتكمن الخطيئة الكبرى للحضارة المادية في تضعيف هذا الدور، فحيثما تُحُدِّث عن تضعيف الأسرة فقد كان التّغافل عن دور هذا النصف المهم، وحيثما كان الحديث عن عدم الاهتمام بفن الأمومة وتربية الذرية في حضن الأم العطوف، فقد تُجُهِل هذا الدّور. إنّ خطيئة العالم الغربي الكبرى تكمن في تضعيفه لهذا الدور، بل وتجاهله في بعض الموارد، ويعود شطر من هذه المعصية الكبيرة في أنّهم يمارسون هذه المأساة باسم الدّفاع عن المرأة في حين أنها خيانة للمرأة والإنسان([24]).

ويبدأ دور المرأة كأم من بداية الحمل ويستمر إلى نهاية حياة الإنسان، فحتى لو بلغ الرجل مرحلة الشّباب أو تجاوزها، فإنّه يبقى رازحًا تحت وطأة عطف وحنان الأم وأساليبها الخاصة. ولو أن نساءنا قمنَ برفع مستواهن المعرفي والعلمي فسوف لا يمكن مقاربة دورهن بأيّ مؤثر آخر من المؤثرات الثقافيّة والأخلاقيّة أبدًا؛ فتارة يكون المستوى المعرفي لدى الأم متدنيًّا، وبطبيعة الحال لا يمكنها أن تكون مؤثرة في مراحل الكبر، إلاّ أن هذا يعود لقلة معلوماتها لا لنقص في أمومتها، فالأم هي التي تعمل على نقل الثقافة والمعرفة والحضارة، والسّمات الأخلاقيّة للمجتمع من خلال جسمها وروحها وأخلاقها وسلوكها إلى ولدها عن قصدٍ أو غير قصد منها؛ فالكل واقع تحت تأثير الأم، والذي تُكتب له الجنة إنما تكتب له بفضل الأم، فإن “الجنة تحت أقدام الأمهات”. وإن العالم الذي ينتزع المرأة من وسط الأسرة ويخرجها من خلال الوعود الزائفة، ويجردها من أدوات دفاعها تجاه نظرات المجتمع وحركاته المتهتكة، إنما يعمل على إضعاف المرأة، وتقويض الأسرة، وتعريض الأجيال القادمة للخطر. إنّ كل حضارة وثقافة تحمل هذا المنطق إنّما تعمل على خلق كارثة، ونلفت الإنتباه إلى أن هذه الكارثة تعدّ من السيول الجارفة التي تظهر أثارها الهدامة على المدى البعيد، وأنّها ستعصف بأسس الحضارة الغربية وتقوّض دعائمها، وها هي بوادر هذه الأزمة الأخلاقية تطفو على سطح العالم الغربي([25]).

أولاً: أدوار المرأة المسلمة

إن من أبرز أدوار المرأة المسلمة:

  • دورها المعنوي والنّفسي، فعلى هذا الصعيد أعطى الإسلام للمرأة دورًا مؤثرًا في سوق الحركة المعنويّة للإنسان صوب التطور. وعندما يريد القرآن أن يضرب مثلًا للمؤمنين فإنّه يقول: ﴿وضرب الله مثلاً للذين آمنوا إمرأة فرعون﴾ (سورة الملك، الآية:11)، فيضرب مثلًا بإمرأة. وكذلك عندما يدور الحديث حول الإيمان والسلام والصبر والصدق والجهاد في سبيل القيم الإنسانيّة والإسلاميّة والمعنويّة فإنّه يقول ﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات﴾ (سورة الأحزاب، الآية: 35) فقد ورد في هذه الآية عشرة أسماء للقيم المعنوية: الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق، والصبر، وسواها. فالرّجل والمرأة يسيران جنبًا إلى جنب في هذا الاتجاه، ويتقدمان على طريق واحد([26]).
  • تحمل وعاطفة المرأة أقوى: فالرجال الذين تشاهدونهم بذلك الجسم والعضلات، كل هذا شيء ظاهري، لكن من ناحية التّركيبة الذهنيّة، وفي الجوانب العاطفيّة فإنّ المرأة أقوى من الرجل وأكثر قدرة على التّحمل وإيجاد الحلول. هذه هي طبيعة المرأة، وهكذا هنّ أغلب النساء، طبعًا من الممكن أن لا تكون بعض النساء كذلك، لكن الغرض هو أن النساء أكثر قدرة على التغلب بلباقة على عوامل الإحباط، فبشيء من التنازل وشيء من المداراة وبالوسائل المتاحة يقمن بهذا الدّور ويأخذن الرجل إلى حيث يجب أن يكون، لكي تصبح الحياة أجمل.
  • أهمّية الحضانة عند الأم: بعض أعمال المنزل صعبة جدًا، وتربية الطفل أحد تلك الأعمال الشّاقة، أي عمل ومهما تصورتموه صعبًا، فإنه في الحقيقة يصبح سهلاً بالقياس إلى تربية الأطفال. فالحضانة فن عظيم، ولا يمكن للرجل أن يقوم بهذا العمل ولو ليوم واحد، أما النساء فيقمن بهذا العمل الكبير بدقة وسعة صدر وظرافة، وقد أودع الله تعالى في غرائزهن مثل هذه القدرة. إلّا أنّ تربية الأطفال هذه عمل صعب جدًا، يُنهك الإنسان في الحقيقة- ويهدّ قواه([27]).

وتشير مجموعة من الآيات القرآنية إلى أن المرأة تشترك مع الرجل في الإنسانيّة وفي التكليف وتحمل مسؤولية الأعمال والمساواة في إحراز الثواب والعقاب، وما يتعلق بمجال العقل العملي والوصول إلى الحياة الكريمة الطيبة؛ وغير ذلك.

إلاَ أنه يقوم الاعتقاد أنّ هناك هويات جنسيّة متفاوتة رجاليّة ونسائيّة، بمعنى أن الأدوار الجنسانيّة هي أبعاد سلوكيّة للهوية، فتكون الأدوار النسائيّة مثل الأمومة والتمكين وإطاعة الزوج، والتي تمثل أساسًا مهمًّا للتربية، بمعنى أن النساء يقمن بتربية الأبناء وإدارة الغريزة الجنسيّة للأزواج عن طريق وضعها في إطار نموذج سلوكي بما يساعد في حفظ العفة والترفع عن الرذيلة. في مقابل الأدوار الرجالية التي تشمل وظائف الأبوة، وحماية الأسرة ورعايتها، والإعانة والعفو والتّغاضي عن أخطاء الزوجة. فالقيام بهذين الصنفين من الأدوار يشكل دائرة كاملة في إطار الأسرة والمجتمع بالحضور المباشر وغير المباشر لكلا الجنسين، إذ يترتب على ذلك:

  • انسجام هذه الأدوار مع العناصر الطبيعيّة والنفسيّة لكلا الجنسين، والذي يفضي إلى بعث الرضا لديهما.
  • الأدوار المذكورة مختلفة لكن أحدها يكمل الآخر، ولذا فهي تجعل الأسرة أكثر تأثيرًا وتمتعها بقدرات الجنسين كقوتين إنسانيتين مهمتين.
  • مضافًا إلى دور المرأة والرجل في بناء الأسرة المؤثرة في المجتمع عبر استثمار القدرات التي ترتبط بجنسهما، فإنّهما يعملان على تماسك ذلك المجتمع أيضًا. فالنّساء من خلال القدرة الفائقة على التّعاطف والتّعاون وعبر حفظ موازين العفة، يكون لهن حضور مؤثر وهادف في المجتمع. كما أن الرجال عبر إعطاء الأولويّة لجميع الأدوار، ومنها أدوارهم العائليّة، يساعدون في أن ينعم البيت والمجتمع بالأمان.
  • إنّ الاهتمام بدور النساء في البيت وعدّه ذا قيمة، مضافًا إلى إيجاد الإحساس بالرضا لدى النّسوة، فإنه يجعل النّظام الاجتماعي يفكر بالأشكال المتنوعة من مشاركة النساء في نطاق المجتمع والتي لا تتنافى وأدوارهن الأسرية، كما يخطط للرجال أيضًا في المجال الاجتماعي بحيث لا يتهربون من آداء أدوارهم.

وقد أوصت الشّريعة الإسلاميّة بتقسيم الأعمال والمسؤوليات الخاصة بالأبناء بالتناسب بين الآباء والأمهات. واستنادًا إلى الفقه الإسلامي فإنّ مسؤوليّة حضانة الأطفال في السنوات الأولى من عمرهم تقع على عاتق الأم، وفي السنوات التي تلي ذلك فإنّ الآباء هم المسؤولون عن تحمل تلك الأعباء. ووفقًا لما رُوي عن سيرة المعصومين (ع) فإنّ الأفضل أن يتعاون الوالدان معًا ويساهما في هذا العمل قدر المستطاع. ويمثل الزواج والأمومة بالنسبة إلى المرأة دورين أساسيين ومقدمين على غيرهما من الأدوار، إلّا أنّ الزوجيّة لها أهميتها ومكانتها الراقيّة أيضًا ومن المعلوم أن قيام المرأة (الزوجة والأم) بأداء الأعمال المنزلية لا يعد أمرًا واجبًا أو مفروضًا عليها، على الرغم من أنّ قيام المرأة ببعض أو الأعمال المنزليّة جميعها من شأنه أن يضفي حالة من النشاط والحيويّة داخل المنزل وعلى كل فرد من أفراد العائلة كذلك، وهو أمر مستحب وله ثوابه الكبير ومن الناحية الأخرى فإنّه على الرّغم من كون اشتغال المرأة، وممارستها العمل ودخولها الساحة الاجتماعيّة مباحًا وجائزًا لها، إلاّ أن مسائل الأمومة وشؤونها مقدمة على ذلك كله. ومن الواضح أن العلاقة الطبيعية التي تظهر بوادرها بين الأم وولدها خلال فترة الحمل ثم الولادة ثم الرضاعة تمثل تجربة فريدة بالنسبة إلى المرأة، ولذلك تتطور هذه العلاقة وتتعزز بينهما لتصبح رابطة وثيقة وآصرة قوية تفوق تلك التي تربط بين الأبناء وبين والدهم. وبحكم الطبيعة تعدُّ المرأة أفضل خيار للآباء لرعاية الأبناء والاهتمام بهم بعد ولادتهم، فحليب الأم هو أفضل طعام يمكن للطفل الحصول عليه على الإطلاق([28]).

ثانيًا: الأمومة في الإسلام

     تعدُّ الأمومة في التّعاليم الدّينيّة مسألة قيِمة للغاية ومسؤوليّة كبيرة أُنيطت إلى المرأة لِما تميزت به من خاصيَات حياتية ونفسية. ومن الناحية الفقهية فإنّ رعاية الأطفال وتربيتهم ليست أمرًا واجبًا على المرأة، ومع ذلك فإنّ الأمهات هنَ أفضل من غيرهن في القيام بذلك وأكثر استحقاقًا من غيرهن. وخلال الأمومة تصل المرأة إلى الكمال الروحي والمعنوي وتتبلور في داخلها الكثير من الصفات الأخلاقيّة، هذا إلى جانب الأجر والثّواب اللذين تتلقاهما من الله (عز وجل). وكلما كانت الظروف الحياتيّة صعبة ومعقدة، كانت المرأة أحوج ما يكون إلى الحماية والرّعاية لتتمكن من أداء واجبات الأمومة على أكمل وجه، وقد سعى الدين الإسلامي من خلال مجموعة من القوانين والضوابط إلى تعزيز دور الأمومة وتحديد الأولوية المطلوبة للمرأة في هذا المجال.

ويأتي تأكيد القرآن الكريم على احترام الأم والإحسان إليها وتقديس الأمومة بسبب المشقات التي تتحملها والصعوبات التي تواجهها خلال مدّة الحمل والولادة والرّضاعة، ولذلك اختصها بمكانة استثنائيّة ومتميزة لا شك في أنها تستحقها بجدارة. ولم تخلُ الروايات الإسلاميّة أيضًا من ذكر منزلة الأم وأهمّيّة الأمومة، فقد نقل عن الرسول الأعظم(ص) قوله: “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

  وقيل في الأمهات إنّهن أحقّ بأولادهن من غيرهن، حتى من الآباء، وأنّ من الأفضل أن يُترك الأولاد إلى أمهم لترضعهم وتربيهم بدلًا من غيرها، وأشارت روايات أخرى إلى أن الأمهات هن أفضل المرضعات لأبنائهن وأن لبنهن أفضل من لبن المرضعات الأخريات. وثمة روايات أخرى تبين أنه إلى جانب الفوائد والمنافع الغذائيّة والحياتيّة الموجودة في لبن الأم فإن ثمة حقيقة مؤكدة تشير إلى أن إرضاع الطفل من لبن أمه يمكن أن يتضمن فوائد عاطفيّة ونفسية كثيرة؛ وبعبارة أخرى: عندما ترضع الأم طفلها فإن هذا الأخير يحصل على محبة والدته الممزوجة بالبركات من خلال التماس الجسدي بينهما بواسطة غريزة الأمومة([29]).

وعندما يصل الطفل إلى مرحلة المدرسة، ليس من الصحيح الاعتقاد بأن مسؤوليّة الأم التّربوية انتهت عند هذه المرحلة، فهي تبقى المربية الأولى والمسؤولة قبل المدرسة ومع المدرسة وبعدها؛ عن بناء الإنسان، واكتسابه الحصانة الدّينيّة والرّوحيّة والعاطفيّة، التي تقيه من الانحراف، وتمكّنه من مواصلة الطريق، ليقوم بدوره الإنساني بنجاح. الأمر يتطلب من المرأة أن تعمل على امتلاك المعارف المناسبة، والمهارات والاستعدادات التي تساعدها على القيام بتكليفها على أكمل وجه. وأن تعمل على إصلاح سريرتها وأخلاقها وسائر أفعالها وأقوالها، والأم تمثل بالنسبة إلى أبنائها قدوة وأنموذجًا مؤثرًا، فصفاتها الشّخصيّة وأخلاقها وطريقة تصرّفها وأقوالها كلها تشكل مدخلات مؤثرة جدًا في العملية التربويّة، سواء قصدت ذلك أم لم تقصد، فهي تزرع في أبنائها الصدق والوفاء والطهر والعفاف والإخلاص وحب الخير، وصلاح الذات وكرم النفس وما شابه من الصفات الحميدة مع الدم الذي يجري من عروقها إلى عروق جنينها، ومع اللبن الذي ترضعه إياه، ومع كل نظرة من عيونها ورنة صوتها وخلجات قلبها وانفعالات وجهها، وهي لغة يفهمها الطفل قبل أن يتعلم اللغة المحكيّة([30]).

الفصل الرابع: نموذج الأم المسلمة – السيدة فاطمة الزهراء(ع)

السيدة فاطمة الزهراء (ع) إمرأة إسلاميّة وفي أعلى مراتب المرأة المسلمة، أيّ أنّها في حدود قائد، وهي نفسها التي لها من الفضائل والمناقب والحدود التي كانت تمكنّها أن تكون رسولًا، وهي نفسها كانت أمًّا و زوجة وربة بيت. وما يحدد منزلتها من الله تعالى أنها هبة إلهية، ومما روي عن الرسول (ص) قوله: “يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء المؤمنين.”

هي بنت الوحي والرسالة، وهي التي تربت في حجر رسول الله محمد (ص)، فكانت النّاطق العملي والمترجم السلوكي للإسلام في الحياة. “فإنّ مختلف الأبعاد التي يمكن تصوُرها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء (ع)، لم تكن إمرأة عادية، كانت إمرأة روحانية ملكوتية.” كما قال فيها الإمام الخميني (قده)، والذي اعتبر أن يوم المرأة ويوم الأم هو يوم ميلاد السيدة فاطمة (ع)، الأمر الذي يعني أن على المرأة أن تسير على هذا الصراط في مختلف دروب الحياة، بما فيها الصمود في الصعوبات، وتربية الأبناء، والحياة العائليّة([31]).

وإن تربية الأولاد هي من أهم الواجبات التي أخذها الله على عباده وأنبيائه ورسله، لأن صلاح الأمة وتقرّبها إلى الله متوقف على ذلك. وتبدأ تربية الأولاد بالسن الباكر للولد، بل منذ انعقاد النطفة، وقد حثت على تناول بعض أنواع الأطعمة؛ منذ مدّة الحمل وما قبلها، وحتى ما بعدها في مدّة الرضاعة أقله، الأمر الذي يؤثر على سلوك وتربية وأخلاقيّات الطفل. فينبغي للأم أن تراعي الطعام الذي تأكله عند إرضاعها للولد، وتهتم أن يكون من الحلال لما له من الأثر في تربية الطفل ومستقبله، ويستحب أن يؤذن في أذن الطفل اليمين ويُقيم (من الإقامة للصلاة) في اليسرى ليتعود الطفل على ذكر الله وأن أول كلام يسمعه هو الله تعالى. وكانت فاطمة(ع) تراعي هذه الأمور، وكانت (ع) تعلم أولادها الصلاة والصوم والتّسبيح وقراءة القرآن والأدعية وعبادة الله تعالى بإخلاص وقلب سليم([32]).

أولاً: أدوار السيدة فاطمة (ع) المختلفة

      في خصوصية السيدة فاطمة(ع) أنه تكرر على لسان النبي (ص) قوله: “فاطمة أم أبيها”، وكان يقبِل يدها ويخصّها بالاحترام فيقوم لها ويجلسها في مكانه، وقبل سفره أو خروجه إلى الجهاد كان آخر عهده بها ينطلق من عندها، وعند العودة كان أول إنسان يراه هي “أمه فاطمة” . وكأنه (ص) كان يتزود من أمه فاطمة تلك النبع الصافي، المملوءة بالعطف والحنان، والتي تفوح منها رائحة الجنة. الأم فاطمة التي حمت النبي (ص) من مشركي مكة وأزاحت عنه ما طرحه عليه المشركون. وفاطمة الأم كانت إلى جانب النبي (ص) عند مرضه، بل كانت تحت عباءته لم تنم حتى ينام لتطمئن على حاله وأحواله. فاطمة الأم والممرضة التي كانت تداوي جراحات رسول الله في معركة أُحُد وغيرها، تداوي الجراحات المعنويّة والماديّة، والأم التي دافعت عن النبوة في بدايتها وصبرت على محن الدعوة وشدّتها، وهي التي هاجرت مع علي (ع) من أجل حماية النّبوة في المدينة، وهي التي كانت تذهب مع النبي في عدة غزاوات. وفاطمة التي حضنت النبوة وخلافتها عند وفاة النبي (ص). كل ذلك لندرك مدى منظور النبي (ص) بقوله “فاطمة أم أبيها”([33]). فقد كانت الأم والمستشار والممرضة وسكن وموطن راحة الرسول(ص) ([34]).

    وجاء في الحديث الشّريف عن الإمام الباقر (ع) أن رسول الله قضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب داخل البيت وقضى على علي(ع) (زوج فاطمة) بما خلفه. فهذا التّقسيم موافق لطبائع النساء والرجال، فالعمل الأول والأساسي للزوجة داخل بيتها، والذي يضم تربية الأولاد وتعليمهم والمحافظة عليهم بشتىّ المحافظة، إضافة إلى تهيئة الطعام واللباس النظيف لهم و للزوج. وكذلك العمل الأول والرئيس للزوج هو خارج الدار من تهيئة أسباب التعليم والتربية والطعام واللباس وتهيئة كل ما يحتاجه المنزل من الخارج. وعمل الأم الزوجة أهم، وعمل الزوج أشق، ولا يمكن أن تعكس الأمور والطبائع بأن يوكل عمل البيت للزوج وعمل الخارج للمرأة، ذلك لأن العمل في المنزل بشكل دائم ومستمر يحتاج إلى الصبر والحنان والتحمُل والمرأة في هذه المسائل لها الحظ الأوفر بما أودعه الله فيها، ويكفي أن نذكر أنها قد تسهر لعدة ليالٍ على مرض الطفل. هذا التقدير هو هو الطبع الإنساني الأولي وهو القوى المودعة في كل من الرجل والمرأة. لكن لا يمنع هذا من مساعدة الرجل لزوجته في عمل البيت خاصة وأنها تحتاج إلى أعمال خارجة عن مهمة المرأة أو عن طاقتها. ولا مانع من مساعدة المرأة لزوجها في أعماله وهي في داخل بيتها، كما جاز لها العمل خارج المنزل بشرط المحافظة على الضوابط الإسلاميّة والشرعيّة، وبما يتناسب مع أنوثة المرأة، وأن لا يتعارض عملها مع الواجبات المأخوذة على عاتق المرأة أو الزوجة كالاهتمام بأمها وأبيها، أو بزوجها وأولادها وتربيتهم وتعليمهم وتهيئة طعامهم. وعند الحاجة والضرورة كانت فاطمة تخرج من بيتها لآداء دورها الاجتماعي والجهادي، مثل عيادة المرضى والتعزية بالميت، وتضميد الجرحى في ساحة الجهاد، والإجتماع بالنساء ودعوتهنّ للإسلام والهداية، وزيارة الأقارب والجيران ومواساتهم…وغير ذلك. وهكذا كانت حياة فاطة الزهراء(ع) ([35]).

وقد عاشت السيدة فاطمة(ع) حياة متعددة في وقت واحد، وتحملت مسؤوليات كثيرة في آن واحد، مضافاً إلى مسؤوليتها مع رسول الله (ص)، حتى أنه (ص) لم يقبل أن تفترق عنه؛ حتى بعد زواجها، فضمها إلى البيت الذي يقارب بيته، ومضافاً إلى مسؤوليتها مع الإمام علي (ع) الذي أخلصت له كزوجة وهيأت له الجو الذي يحتاجه الزوج المسلم المجاهد في مستوى علي (ع)، مضافًا إلى ذلك كله؛ فإنها (ع) قد قامت مع علي (ع) بتأسيس بيت إسلامي نموذجي عاشا فيه الأبوة والأمومة، وأنجبا الحسن والحسين وزينب عليهم السلام. وقامت فاطمة (ع) بدورها كأم ترعى أولادها وتربيهم وهم يتتابعون، وهي على ما هي عليه من الضعف، تربيهم التربية الإسلاميّة، وتعمق في شخصياتهم كل معاني الحب لله، وكل معاني السير في خط الرسول، وكل معاني الجهاد في سبيل الله، وتعطيهم كل الطهر من طهرها، وكل الأمومة من أمومتها، وكل النقاء من نقائها، لأنها كانت تمثل غاية الطهر والصفاء، وكذلك كان أبوها وبعلها، وهكذا ابناها، كان الطهر يتفايض من عقولهم وقلوبهم وحياتهم، فلا يدنو الرجس منهم. لقد تحملت الزهراء سيدة نساء العالمين مسؤولياتها كربة بيت، وأجهدت نفسها في إدارة شؤون هذا البيت وإعداد أولادها إعدادَ إسلاميًّا نموذجيًّا وتعليمهم معنى الجهاد في سبيل الله، سلماً كان الجهاد؛ كما في قضية إبنها الحسن (ع)، أو حرباً؛ كما في قضية إبنها الآخر الحسين (ع) ([36]). كما كانت نعم الزوجة لعلي (ع)؛ والسكن والمودة والعون على مختلف الصعد الدنيوية والنفسية والروحية، وفي كشف الهموم والغموم([37]).

لقد كان للسيدة فاطمة الزهراء (ع) ولإبنتها السيدة زينب (ع) حضور فاعل ومؤثر في ميدان السياسة والدفاع والمواجهة؛ عندما استدعى الأمر ذلك. فكذلك كل النساء اللواتي يتخذن من الزهراء وزينب عليهما السلام قدوة ومثالاً لهن. نعم لا ينبغي لأحد من أفراد المجتمع أن يتخلى عن المسؤوليات الخاصة المناطة به ويضحي بها ليؤدي دورًا في مجال آخر قد لا يكون متعيناً عليه، بل يجب دائمًا دراسة الأولويات ومعرفة السلّم التراتبي للمسؤوليات، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تسعى المرأة للقيام بدور إصلاحي تجاه جيرانها على حساب صلاح بيتها وأبنائها، بل الواجب هو الجمع بين ذلك إن أمكن، وإلاّ فترتب المسؤوليات بحسب الأولوية التي تفرض تعيّن إصلاح الأبناء عليها، ثم الانتقال إلى الآخرين؛ حسبما تفرضه الشّريعة والترتيب المنطقي([38]).

ثانيًا: أمومة فاطمة الزهراء(ع)

ورد في السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء(ع) أنه لما كانت بعض النساء يعرضن عليها مساعدتها في أعمالها المنزليّة فإنها كانت تطلب منهن أن يقمن بشؤون الطبخ فقط وكانت هي (ع) تبقى إلى جانب طفلها وتغذيه وكانت تقول (ع): “أنا بتسكيته أرفق” أو “أنا أرفقُ بابني”([39]).

إن سر فاطمة (ع) – كما هو سر زوجها علي (ع) – يكمن في كل ذلك الفيض الروحي والعطاء المعنوي الذي أعطته لأبنائها حتى صاروا يمثلون الكواكب المضيئة في الواقع الإسلامي كله، على الرغم من التعرض للظلم والمعاناة والتألم من أجل الرّسالة. فالقضية عند أهل البيت (ع) هي رضا الله، وأن تسلم أمور المسلمين، ولو تحملوا كل الظلم والجور والمعاناة وقدموا أنفسهم شهداء وقرابين الله الواحد الأحد([40]).

وعملت فاطمة (ع) على مراعاة الآداب في تربية الأولاد، مثل عدم التفريق بينهم في المعاملة، ورفع الرذيلة بأسلوب فني دقيق، مثل رواية قصة، إذ لا ينال من شخصية أحد، وحكاية القصص الهادفة كما جاء في القرآن الكريم مثلًا، وبيان الشفقة والسماحة، والحرص على أن تعم الألفة والإيثار ضمن الأسرة، ثم في المجتمع. بالإضافة إلى التربية بالتقوى بذم الصفات الرذيلة مثل المعاصي والتّكبر والحسد، والحث على مجاهدة النفس وتطهيرها والصبر وإلتزام تقوى الله وتهذيب النفس. والدعاء لاكتساب فضل الله ورضوانه ورحمته؛ بالإمتثال لأوامره ونواهيه. بالإضافة إلى الممارسة العملية التي تتم في البيت أولًا بدءًا باللبس والحشمة وطرق التحدث والتصرف والمعاملة والإحترام وعدم التجريح؛ وما إلى ذلك([41]).

وفي إعدادها لإبنتها زينب(ع)؛ فقد أعدتها إعدادًا رساليًّا، وربتها على القيم والفضائل الإسلاميّة، ومن هنا رأينا أن دور زينب كان شبيهًا بدور أمها، جهادًا من أجل قضية الحق، وأن موقفها كان كموقف أمها في صلابته وقوته في الله، وأن تحدّيها كان كتحدي أمها في مواجهة الظالمين، ولهذا فإن موقف زينب؛ كما موقف أمها من قبل، يمثل الشرعية لحركة المرأة المسلمة ومشاركتها في العمل الجهادي والرسالي والسياسي بالطريقة الإسلاميّة، بأن تقف المرأة في وجه الإنحرافات أو الإنهيارات التي تحدث في الأمة، لتتحدث وتتصدى بوعي مسؤول ولتقف موقفاً مسؤولاً كما وقفت زينب(ع) – على خطى أمها فاطمة(ع)– صلبة وشجاعة في مواجهة التحديات والصعاب، وكل ذلك كان بفضل البذور التي زرعتها فاطمة في عقلها وروحها وكل حياتها([42]).

ولأنّ التربية هي أعظم أدوار الأم وأهمها على الإطلاق فإن السيدة فاطمة (ع) تقدم أفضل قدوة وأعظم نموذج في ما يخص تربية الأبناء، فهي قدمت للبشرية أولادًا صنعوا التاريخ وتسلّموا زمام قيادة البشر. وإنّ الأمومة من أهم محطات حياة الأنثى، وهو دور لا تستطيع القيام به إلاّ بالحب والسرور، وهو ما نراه عند سيدتنا فاطمة (ع) التي كانت مبتهجة بأولادها تظللهم بحبها وحنانها([43]).

الخاتمة: توصيات واستخلاصات نقدمها لتعزيز الأمومة

      أولى الله (عز وجل) أهمية كبيرة للمراحل الصعبة الثلاث (الحمل والولادة والرضاعة) ثم الصبر والجلد في تربية الأطفال وتنشئتهم، وأشارت الروايات الإسلاميّة إلى الثواب الجزيل الذي تحظى به الأم في مقابل كل تلك المصاعب والمعاناة، فمثلًا صرحت بعض الروايات بأن ثواب المرأة الحامل يعادل ثواب الصائم والمجاهد في سبيل الله، وأن أجر الحامل التي تضع حملها لا يماثله أي أجر. وإذا أرضعت الأم طفلها فإن لها ثوابًا لقاء كل مصة يعادل ثواب عتق رقبة من أولاد النبي إسماعيل(ع). ويعدُّ مرض الطفل كفارة للأم، أمّا تحملها لأذاه والسهر عليه طيلة مدّة مرضه فهما يعدان استغفارًا لها في كل لحظة من تلك اللحظات، وللأب مثل ذلك الأجر والبركة أيضًا إذا ما شارك الأم في تلك المعاناة والسّهر والرّعاية.

وهكذا؛ فإنّ التّرغيب والتشجيع والشكر وإعطاء الثواب العظيم الجزيل للأم مقابل أدائها لواجبها وقيامها بمسؤولياتها في الأمومة إنما يصب في تعزيز الأمومة وتعظيمها لدى المرأة. فإذا سعى المسؤولون عن البرامج الاجتماعية إلى توفير الحماية والتشجيع اللازمين للأم والأمومة مستلهمين ذلك من التّعاليم الإسلاميّة فإن ذلك يحد من ازدراء الأمومة والتقليل من شأنها، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضمور الأمومة وتجنبها([44]).

ويجب الالتفات إلى أهمية التربية بالعمل والسلوك، قبل التربية بالقول والتوجيه المباشر، وضرورة الالتفات إلى أهمية التربية من خلال الأنموذج ، والصورة التي تتكرر رؤيتها، والملابس واللعبة… وغير ذلك. وعلى الأم أن تمتلك الوعي الكافي والرؤية الواضحة والمنهج العلمي السليم. نعم يمكن للمرأة أن تكون صانعة الرجال، بل هي كذلك، فبصماتها موجودة في مختلف المجتمعات، وحيث الصلاح أو الفساد والإنحلال. فما هو موجود هي ساهمت بشكل أساسي في صنعه.[45]

ونستطيع أن نخرج بأسس عامة لنهج فاطمة (ع) التربوي، في ما خص تربية الأبناء، وذلك من خلال سلوكيّاتها مع أولادها. فهي خرّجت في حضنها صنّاع للتاريخ، الإمامين الحسن(ع) والحسين(ع) والسيدة زينب(ع) التي أهّلتها لتقوم بدور شكّل منعطفًا للتاريخ.

ويمكننا وضع ثلاثة أسس عامة تتسم بها التربية الفاطميّة، وهي تشكل المنهج الذي اعتمدته في تربيتها لأبنائها، من خلال تجسيدها لتلك القيم الحقة المنبثقة من الدين بشكل عملي، فاعتمدت أسلوب القدوة والأسوة وتقديم النموذج، وذلك كله تحت رداء المرأة بكونها أمًا لا بديل عنه. فعناصر تربيتها (ع) كانت مضمونًا قيميًّا، بأسلوب تقديم النموذج العملي، و برداء الحب([46]) .

  • السيدة فاطمة (ع) تربي بالحب: من الجيد لفت النظر إلى مدى أهمية سيادة الفرح والسرور داخل العائلة، وأن يشعر الأطفال بأن أهلهم مسرورين بهم، فرحون بوجودهم، فيتربوا ويعيشوا بفرح وطمأنينة، وهو ما نلاحظه في عائلة السيدة فاطمة(ع)، إذ كان الإمامين الحسن والحسين (ع) يلعبان بين يدي أمهما؛ وكم كانت فرحة بهما، وكانت تلاعبهما وتناغيهما وتدللهما، إضافة إلى شدة الحب والحنان في تعاملها مع أولادها، فتمضغ لهم الطعام وتطعمهم عندما كانوا صغاراَ…؛ وتتولى بنفسها تغسيلهم وتربيتهم. وكذا كانت شديدة الحرص على مشاعرهم. وحري بالمربين من آباء وأمهات وغيرهم أن يكونوا مرهفي الحس تجاه الأطفال، فإن هذه مواقف لا تمر في حياة الطفل من دون أثر، وأن الحفاظ على مشاعره ومساعدته للاعتداد بنفسه ورؤية إنجازاته هو أمر بالغ الأهمية في تربيته.

و كانت تهتم بأن يلبس أولادها ثياب العيد أسوة بأبناء المدينة أقرانهم مثلاً، وفي هذا الموقف أبعاد تربوية مهمّة جدًا، إذ ينبغي أن يأخذ الآباء والمربون بالحسبان المحيط الذي يضعون الأولاد فيه، فبعد أن نؤمن بيئة مناسبة لهؤلاء الأطفال؛ علينا أن نحافظ على شأنيتهم ومشاعرهم بما يتناسب مع البيئة، لما لذلك من تأثير في نفسية الطفل وشخصيته، وإلاّ فلنسعَ لتغيير البيئة التي لا تناسبنا حرصًا منا على نفوس أطفالنا. وعليه؛ يتبين كم كان للحب الفاطمي السيادة في التربية، وهو الوعاء الحاوي لكل السلوكيات التربويّة، فقد كانت بحق تربي بالحب.

  • التربية بالقدوة والنموذج: إن تقديم النموذج الصالح الخيّر هو أمر بالغ الأهمية، وهو أسلوب قرآني ، كما جاء في سورة الأحزاب، الآية 21 من القرآن الكريم: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنةٌ لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرًا﴾. كما يؤكد التربويون فاعلية هذا الأسلوب حديثاً، لأن النفس البشرية ميّالة إلى الاختيار وتنفر من الإجبار، فالتعليم بتقديم نموذج أوقع في النفس من الوعظ والتلقين الدائم وخصوصًا لدى الأطفال. فنجد السيدة فاطمة(ع) تقدم لأولادها بل لكل البشرية أنموذجًا كاملًا قابلًا للتآسي، من خلال تجسيدها القيم والمفاهيم الدّينيّة في حياتها. وهذا أمر ينطبق على حياتها بأكملها، وهو أسلوب تكرر في مواقفها مع أولادها، وكل حياة فاطمة(ع) قدمت فيها نموذجًا وقدوة صالحة وكانت تلك هي الطريقة التي غرست من خلالها القيم الحقّة في نفوس أولادها، وربّتهم على تعظيمها والدّفاع عنها.
  • التّربيّة على القيم: فالقيم هي تلك الأمور التي نعتقد بها نجلّها ونحترمها، وهي المعايير التي نتصرّف على أساسها. وهي أكثر الأمور رسوخًا في نفس الإنسان، وليس من السهل أن تفقد قيمة معينة موقعيتها عنده بسهولة، فالمسائل القيمية تتجاوز الفكر وتترسخ في النفس. وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم مضمون التربية الفاطميّة لأولادها على أنها تربية قيمية، التربية على قيمة العبادة والأرتباط بالله، وقيمة النظافة، وقيمة الزهد، وقيمة التقوى، وقيمة مساعدة الآخرين…وغير ذلك.

إنّ الأم أفضل من يبني، فقد يصنع أكبر العلماء آلة إلكترونية معقدة جدًا مثلًا، أو يصنعون أجهزة للصعود إلى الفضاء، أو صواريخ عابرة للقارات، ولكن كل هذا لا يعادل أهمية بناء إنسانٍ سامٍ، وهو عمل لا يتمكن منه إلاّ الأم، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة. وهي الأسوة التي تعيد قولبة الأمومة بالشكل اللازم الذي يستطيع مواجهة الآفات والإنحرافات الإنسانية والاجتماعية الراهنة بإذنه تعالى.

الهوامش

ناشطة اجتماعيّة، في مسار مناقشة بحث الدكتوراه في العلوم الاجتماعيّة، وإتمام مرحلة الدكتوراه طالبة في  المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية -[1]

Social Activist, Finishing Doctoral Level in Sociology At Lebanese University.E-mail: f.h.hijazi@hotmail.com

 

– الشيخ مصطفى قصير العاملي، التربية الإسلامية بين الأسس الإيمانية والبناء العلمي، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع[1] بيروت،2014، ص 213

– المصدر السابق، ص 214[2]

– فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، تر: أحمد الموسوي وعباس جواد، بيروت، 2017، ص: 319 [3]

– المصدر السابق، ص: 316 – 317[4]

-علي القائمي، دور الأم في التربية، ص: 37 – 42 [5]

– فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص: 471 – 533 [6]

-حسين أحمد الخشن، أية الله السيد محمد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2001، ص: 427[7]

– علي القائمي، دور الأم في التربية، مصدر سابق، ص:  36- 33[8]

– علي القائمي. تربية الفتاة في الإسلام. دار الصفوة. بيروت. 2001. ص 30[9]

– نوابي نزاد، شكوة ، علم نفس المرأة. طيوري يكانة، زهراء (ترجمة).دار الهادي. بيروت. 2001، ص 87[10]

– القائمي، دور الأم في التربية، مصدر سابق، ص25-13[11]

– نوابي نزاد، مصدر سابق، ص 173[12]

– القائمي، دور الأم في التربية، مصدر سابق، ص 13[13]

– نوابي نزاد، مصدر سابق، ص 176-57[14]

– كاثرين إليسون، دماغ الأم- كيف تثري الأمومة ذكاءنا وتنمي قدراتنا، تر: أفنان سعد الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت، 2010، ص:   17 و 19[15]

– المصدر السابق، ص: 179-104  [16]

– هيلين دوتش، علم نفس المرأة- الأمومة، تر: اسكندر جرجي معصب، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008، ص 20-26[17]

 فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص: 302 -[18]

– علي القائمي، مصدر سابق، ص 5 و 13[19]

 فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص: 301 -[20]

– علي القائمي، دور الأم في التربية، مصدر سابق، ص: 13-15[21]

المصدر السابق، ص: 113-95 -[22]

– فريبا علاسوند، مصدر سابق، ص:  313- 311[23]

 علي عاشور،السيد القائد علي الخامنئي، المرأة نصف الدنيا-الأبعاد الروحية والإجتماعية التربوية والعاطفية للمرأة، مؤسسة التاريخ العربي للنشر والتوزيع، بيروت، 2012،   -ص: 190[24]

– المصدر السابق، ص: 193[25]

– حسين أحمد الخشن، أية الله السيد محمد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2001، ص: 192- 193 [26]

– حسين أحمد الخشن، مصدر سابق، ص: 427 – 426[27]

 فريبا علاسوند، المصدر السابق، ص: 21-99-319- 307 -[28]

– فريبا علاسوند، المصدر السابق، ص: 301- 304- 319 [29]

الشيخ مصطفى قصير العاملي، التربية الإسلامية بين الأسس الإيمانية والبناء العلمي، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع [30]  بيروت،2014، ص222 -224

– مركز المعارف للتأليف والتحقيق، السيدة فاطمة(ع) قدوة وأسوة، إصدار دار المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت، 2018، ص: 9 و 18 [31]

– السيد علي عاشور، موسوعة فاطمة الزهراء(ع) بنت رسول الله(ص)، دار نظير عبود، بيروت، 2010، الجزء الخامس، ص: 133[32]

– السيد علي عاشور، موسوعة فاطمة الزهراء(ع) بنت رسول الله(ص)، دار نظير عبود، بيروت، 2010، الجزء الرابع، ص: 25[33]

– مركز المعارف للتأليف والتحقيق، مصدر سابق، ص: 62[34]

-السيد علي عاشور، مصدر سابق، الجزء السادس، ص: 95 – 101[35]

– حسين أحمد الخشن، مصدر سابق، ص: 100[36]

– مركز المعارف للتأليف والتحقيق، مصدر سابق، ص: 79 [37]

-الشيخ مصطفى قصير العاملي، التربية الإسلامية بين الأسس الإيمانية والبناء العلمي، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع، [38] بيروت،2014، ص 217

 فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص: 319 -[39]

– حسين أحمد الخشن، مصدر سابق، ص: 100[40]

-السيد علي عاشور، مصدر سابق، الجزء السادس، ص: 95 – 101  [41]

– حسين أحمد الخشن، مصدر سابق، ص: 101[42]

-مركز المعارف للتأليف والتحقيق، مصدر سابق، ص: 95 [43]

– فريبا علاسوند، المرأة في الإسلام، مصدر سابق، ص: 314 – 313[44]

 – الشيخ مصطفى قصير العاملي، مصدر سابق، ص 224- 226[45]

-مركز المعارف للتأليف والتحقيق، مصدر سابق، ص:96- 101 و 100 و 133 [46]

المراجع

1- القائمي، علي. دور الأم في التربية، دار البنلاء، الطبعة الخامسة، بيروت، 2005.

2- القائمي، علي. تربية الفتاة في الإسلام. دار الصفوة. بيروت. 2001.

3- الشيخ العاملي، مصطفى قصير، التربية الإسلامية بين الأسس الإيمانية والبناء العلمي، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،2014

4- أبو بكر، أميمة. شكري، شيرين. المرأة والجندر إلغاء التمييز الثقافي والإجتماعي بين الجنسين. دار الفكر المعاصر.بيروت. 2002.

5- الحيدري، إبراهيم. النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب. دار الساقي. بيروت. 2003.

6- المطهري، أية الله مرتضى. نظام حقوق المرأة في الإسلام. تر: النجفي،د.ابو زهراء.رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية\ مديرية الترجمة والنشر.1997.إيران.

7-الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية. (2004). التقرير الرسمي الثاني حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية – بيروت

8- الحداد، كفاح. النجاح في عالم المرأة. دار الهادي. بيروت. 2003.

9- السيد عاشور، علي. موسوعة فاطمة الزهراء(ع) بنت رسول الله(ص)، دار نظير عبود، بيروت،2010

10- حسين أحمد الخشن، أية الله السيد محمد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2001

11- دار الفكر. (2002). المرأة وتحولات عصر جديد – وقائع ندوة دار الفكر في أسبوعها الثقافي الثالث 20 – 25\4\2002 – سلسلة النساء شقائق الرجال-سوريا

12- حطب، زهير.مكي، عباس. الطاقات النسائية العربية.معهد الإنماء العربي. بيروت. 1987،

13- سادات زعفرانتشي، ليلى.مجموعة من المؤلفين.عمل المرأة مقاربات دينية واجتماعية.سبكار،محمود (تر).مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. بيروت.2013.

14- عاشور،علي. السيد القائد علي الخامنئي، المرأة نصف الدنيا-الأبعاد الروحية والإجتماعية التربوية والعاطفية للمرأة، مؤسسة التاريخ العربي للنشر والتوزيع، بيروت، 2012

15- عبد الباقي،هدى سليم.معاناة المرأة والأولاد دراسة حول بعض القوانين والظواهر الإجتماعية في المجتمع اللبناني.دار المروج.بيروت 1990.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website